مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ فَعَلِمَ
أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ
قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ (...)
 
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ فَعَلِمَ
أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ
قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ فَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ
بَعْضَهُمْ أَشَدُّ تَشْدِيدًا فِيهِ مِنْ بَعْضٍ وما أعلم أحدا دَخَلَ مُسَافِرًا عَلَى أَهْلِهِ مُفْطِرًا
كَفَّارَةً
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا فَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ
بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي يُصْبِحُ في
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306
الحضر صائما في رمضان ثم يسافر فِي صَبِيحَةٍ يَوْمِهِ وَذَلِكَ هَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي سَفَرِهِ أَمْ لَا
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ
وَهُوَ قول الزهري ويحيى بن سعيد والأوزاعي وأبي ثَوْرٍ
وَكُلُّهُمْ قَالُوا إِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقَضَاءُ
وَرُوِيَ عن المخزومي وبن كِنَانَةَ أَنَّهُ يَقْضِي وَيَكَفِّرُ وَلَيْسَ قَوْلُهُمَا هَذَا بِشَيْءٍ وَلَا لَهُ
حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ وَلَا سلف من جهة الأثر
وروي عن بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ إِذَا خَرَجَ
مُسَافِرًا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
قَالَ أَحْمَدُ يُفْطِرُ إِذَا بَرَزَ عَنِ الْبُيُوتِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ يُفْطِرُ حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الرَّحْلِ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَّا أَنْ يَشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَإِنْ
خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَفْطَرَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ لَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ
وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الْحَضَرِ
حَتَّى يَخْرُجَ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فيه إن أفطر قبل أن يخرج
فذكر بن سحنون عن بن الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِنْ سَافَرَ فَلَا شَيْءَ عَلْيَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ
يُسَافِرْ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ يُفْطِرُ فِي بَيْتِهِ إِنْ شَاءَ يَوْمَ يُرِيدُ أَنْ
يَخْرُجَ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ
وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تَقُولُ غَدًا تَأْتِينِي
حَيْضَتِي فَتُفْطِرُ لِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَالَ لَيْسَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ
يُحْدِثُ السَّفَرَ إِذَا شَاءَ وَالْمَرْأَةُ لَا تُحْدِثُ الحيضة
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307
وقال بن حَبِيبٍ إِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِسَفَرِهِ وَأَخَذَ فِي سَبَبِ الْحَرَكَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَحُكِيَ ذلك عن أصبغ وبن الْمَاجِشُونِ
فَإِنْ عَاقَهُ عَنِ السَّفَرِ عَائِقٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا ضَعْفٌ مِنَ الَّذِي قَالَهُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ حَرَكَتُهُ لِسَفَرٍ وَتَأَهُّبُهُ يُبِيحُ لَهُ
الْفِطْرَ وَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَافِرِ وَقَدْ وَقَعَ أَكْلُهُ مُبَاحًا وَعُذْرُهُ قَائِمٌ بِالْعَائِقِ الْمَانِعِ
فَلَا وَجْهَ لِلْكَفَّارَةِ هنا ولا معنى
وروى عيسى عن بن القاسم أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ فِي فِطْرِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَصَحُّ أَقَاوِيلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَهِكٍ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ
وَإِنَّمَا هُوَ مُتَأَوِّلٌ وَلَوْ كَانَ الْأَكْلُ مَعَ نِيَّةِ السَّفَرِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ
خُرُوجِهِ مَا أَسْقَطَهَا عَنْهُ خُرُوجُهُ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَقَدْ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِينَاءَ قَالُونُ قَالَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
قَالَ أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا فَأَكَلَ فَقُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ فَلَا أَحْسَبُهُ
إِلَّا قَالَ نَعَمْ
قَالَ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَقَالَ قُلْتُ
لَهُ سُنَّةٌ قال نَعَمْ ثُمَّ رَكِبَ
قَالَ وَحَدَّثَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ قُرَّةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ قُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ قَالَ لَا ثُمَّ رَكِبَ
وَاتَّفَقُوا فِي الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ لِأَنَّ
الْمُسَافِرَ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسَافِرًا بِالنُّهُوضِ فِي سَفَرِهِ أَوِ الْأَخْذِ فِي
أُهْبَتِهِ وَلَيْسَتِ النِّيَّةُ فِي السَّفَرِ كَالنِّيَّةِ فِي الْإِقَامَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ كَانَ
مُقِيمًا فِي الْحِينِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى عَمَلٍ وَالْمُقِيمُ إِذَا نَوَى السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ
مُسَافِرًا حَتَّى يَأْخُذَ فِي سَفَرِهِ وَيَبْرُزَ عَنِ الْحَضَرِ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَقْصِيرُ الصَّلَاةِ
وَأَحْكَامُ الْمُسَافِرِ إِلَّا مَنْ جَعَلَ تَأَهُّبَهُ لِلسَّفَرِ وَعَمَلَهُ فِيهِ كَالسَّفَرِ وَالْبُرُوزِ عَنِ الْحَضَرِ
لَزِمَهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي سَفَرِهِ حَتَّى تَغِيبَ بُيُوتُ الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ فَنَزَلَ فَأَكَلَ ثُمَّ
عَاقَهُ عَائِقٌ عَنِ النُّهُوضِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُفْطِرَةٌ حِينَ طَهُرَتْ مِنْ
حَيْضِهَا فِي رَمَضَانَ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا إِنْ شَاءَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُفَرِّقْ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ قُدُومِ الْمُسَافِرِ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ
النَّهَارِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَهُوَ يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ عِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ أَنَّهُ
دَاخِلٌ إِلَى أَهْلِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ صَائِمًا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَالطَّبَرِيِّ
وَاحْتَجَّ الثَّوْرِيُّ بِحَدِيثٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ امرأته
قد طهرت فأصابها
قال وقال بن مَسْعُودٍ مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ هُوَ عِنْدِي مِثْلُ فِعْلِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالْمُسَافِرُ
يَقْدَمُ أَنَّهُمَا يُمْسِكَانِ عَنِ الْأَكْلِ فِي بَقِيَّةِ يومهما ويقضيان
وقال بن شُبْرُمَةَ فِي الْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ وَقَدْ أَكَلَ أَنَّهُ يَصُومُ يَوْمَهُ وَيَقْضِي
قَالَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَأْكُلُ إِذَا طَهُرَتْ نَهَارًا وَلَا تَصُومُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ فِي الَّذِي يَنْوِي الْإِفْطَارَ
فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ عِنْدَهُ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ يَصِحُّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ أَنَّهُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَأْكُلْ أَنَّهُ يُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَقْضِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ الْفِطْرُ وَالْحَاضِرُ الْجَاهِلُ
بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَيْسَ جَهْلُهُ بِرَافِعٍ عَنْهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إِذَا عَلِمَهُ لِزَوَالِ جَهْلِهِ بِذَلِكَ وَلَمْ
يَكُنْ مَا فَعَلَهُ كَمَا كَانَ لِلْمُسَافِرِ فِعْلُ مَا فَعَلَهُ مِنْ فِطْرِهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ