وعن عطاء بن عبد الله الخرساني عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ
أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ
هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي
 
وعن عطاء بن عبد الله الخرساني عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ
أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ
هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي
وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ
تُعْتِقَ رَقَبَةً فَقَالَ لَا فَقَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ لَا قَالَ فَاجْلِسْ فَأُتِيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ
مِنِّي فَقَالَ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ
قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَطَاءٌ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنَ التَّمْرِ فَقَالَ مَا
بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِي حديث بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ
أَنَّهُ رَوَاهُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ فِي الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْفِطْرَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ
بِجِمَاعٍ أَوْ بِأَكْلٍ
وتابعه على روايته هذه بن جريج وأبو إدريس عن بن شِهَابٍ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن
بن شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ والليث جميعا عن بن شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ
أَشْهَبَ عَلَى اللَّيْثِ وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ عَنِ اللَّيْثِ كَرِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمْ
والذي رواه بن عيينة ومعمر وأكثر رواة بن شهاب في هذا الحديث عن بن
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310
شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ
فَذَكَرُوا الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ أَفْطَرَ عَامِدًا وَذَكَرُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى تَرْتِيبِ كَفَّارَةِ الطَّهَارَةِ قَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا ثُمَّ ذَكَرُوا الْإِطْعَامَ إِلَى آخِرِ الحديث
ورواه كما رواه بن عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ
بْنِ مُسَافِرٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَمَنْصُورُ بْنُ
الْمُعْتَمِرِ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عن بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ
وَقَدْ رَوَاهُ قَوْمٌ عَنْ مَالِكٍ كَرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَذَكَرَ الْجِمَاعَ مِنْهُمْ الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الأحاديث عنهم وعن أصحاب بن شِهَابٍ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَا فِي الْمُوَطَّأِ
وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَنَّ
عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رَوَايَتِهِ فِطْرٌ
مَخْصُوصٌ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ فِطْرٍ مُتَعَمَّدًا فَالْكَفَّارَةُ لَازِمَةٌ
لِفَاعِلِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُفْطِرِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامَ
سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنَ مُتَتَابِعَيْنِ مَعَ قَضَاءِ الْيَوْمِ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ذَكَرَهُ سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ برد بن
سفيان عن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ قَالَ فِيهِ مِنَ
الْكَفَّارَةِ مَا فِي الطَّهَارَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ مَا يَقْضِي لِرِوَايَةِ مَالِكٍ بِالتَّخْيِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ
حُجَّةُ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَخْتَارُ الْإِطْعَامَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَدَلَ مِنَ الصِّيَامِ
أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْمُفْرِطَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ
رَمَضَانُ آخَرُ لَا يُؤْمَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ وَلَا صِيَامٍ مَعَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِطْعَامِ
فَالْإِطْعَامُ لَهُ مَدْخَلٌ مِنَ الصِّيَامِ وَنَظَائِرُ مِنَ الْأُصُولِ
فَهَذَا مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311
وقال بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْإِطْعَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي ذلك من العتق وغيره
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْهُ إِنَّهُ لَا يُعْرِفُ إِلَّا الْإِطْعَامَ ولا يأخذ بالعتق لا بِالصِّيَامِ
وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ قِصَّةَ الْوَاقِعِ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ الْإِطْعَامَ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ إِلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ لِلْجِمَاعِ
عَامِدًا كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ مَرْتَبَةً
وَذَهَبَتْ جَمَاعَتُهُمْ أَيْضًا إِلَى أَنَّ مَنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ أن الشهرين متتابعان إلا بن أَبِي
لَيْلَى فَقَالَ لَيْسَ الشَّهْرَانِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِي الشَّهْرَيْنِ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ مَالِكٌ الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي الَّذِي
يُصِيبُ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَصِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ
قَالَ وَلَيْسَ الْعِتْقُ وَالنَّحْرُ مِنْ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ فِي شَيْءٍ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالطَّعَامِ صَامَ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَفْطَرَ
فَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ دَخَلَ فِيهِمَا قَضَاءُ يَوْمِهِ ذَلِكَ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَقْضِي الْيَوْمَ وَيُكَفِّرُ مِثْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ إِنْ كَفَّرَ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ بَدَلًا مِنَ الصِّيَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
الصِّيَامُ بَدَلًا مِنَ الْكَفَّارَةِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ وَيَصُومَ مَعَ الْكَفَّارَةِ (هَذِهِ
رواية الربيع)
وقال المزني عنه فيمن وطىء امْرَأَتَهُ فَأَوْلَجَ عَامِدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَيُكَفِّرُ مِثْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312
وَقَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يُكَفِّرُ أَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ
يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ قَالَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءً أَنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا خَبَرِ
عَائِشَةَ وَلَا فِي نَقْلِ الْحُفَّاظِ لَهُمَا ذِكْرُ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ
الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ مَعَ الْكَفَّارَةِ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ مَعَ الْكَفَّارَةِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ
فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ
فَخَالَفَ الْحُفَّاظَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ حُمَيْدٍ
وَالْآخَرُ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ ذِكْرَ الصَّوْمِ قَالَ فِيهِ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَهِشَامُ بْنُ سعد لا يحتج به في حديث بن شِهَابٍ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ
الْكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ لِلذَّنْبِ الَّذِي رَكِبَهُ وَالْقَضَاءَ بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فَكَمَا لَا يُسْقِطُ
عَنِ الْمُفْسِدِ حَجَّهُ بِالْوَطْئِ الْبَدَلُ إِذَا أَهْدَى فَكَذَا قَضَاءُ الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مُتَعَمِّدًا
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابه والأوزاعي وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ
وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدَّمْنَا
ذِكْرَهُ عَنْهُمْ مِنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّخْيِيرِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ فِي رِوَايَةٍ وَعَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بن جبير وبن سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ
وَرَوَى مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
ذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ إِذَا أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ كَمَا قَالَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313
وَحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ سعيد عن بن سِيرِينَ قَالَ يَعُوذُ مِنْهُ مِنَ
الذُّنُوبِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ وَيَتُوبُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ
قَالَ عَبَّادٌ إِنَّمَا الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ وَاقَعَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْعُقُوبَةُ وَانْتِهَاكُهُ حُرْمَةَ الشَّهْرِ
وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنَ التَّابِعِينَ قَالَ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَصْنَعُ مَعْرُوفًا
وَلَمْ يُذْكُرْ عَنْهُمْ عُقُوبَةٌ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَالشَّعْبِيُّ لَا أَقُولُ بِالْكَفَّارَةِ إِلَّا فِي الْفِتْيَانِ (ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ كَانَ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ أَوْ بَدَنَةٌ أَوْ عِشْرُونَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُجَامِعُ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ رَقَبَةً أَهْدَى بَدَنَةً
إِلَى مَكَّةَ
قَالَ وَلَوْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا قَضَاءَ يَوْمٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْآكِلِ وَالْمُجَامِعِ فِي الرَّقَبَةِ وَالْبَدَنَةِ
وعن بن عَبَّاسٍ قَالَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمُ شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا
وعن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ
وَعَنْهُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا
وَكَانَ رَبِيعَةُ يَحْتَجُّ لِقَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ فُضِّلَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَمَنْ
أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كان عليه اثنى عَشَرَ يَوْمًا
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَعْجَبُ مِنْ هَذَا وَيَنْتَقِصُ فِيهِ رَبِيعَةَ
وَلِرَبِيعَةَ شُذُوذٌ مِنْهَا فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ جَرَادَةً أَنَّ عَلَيْهِ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ لِأَنَّهُ آذَى الصَّيْدَ
وَمِنْهَا فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَجَهِلَهَا بِعَيْنِهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِنَّ شَيْءٌ وَلَا
يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهِنَّ
وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قتادة عن بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رمضان
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314
عَامِدًا قَالَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَقُلْتُ يَوْمَيْنِ قَالَ صِيَامُ شَهْرٍ قَالَ فَعَدَدْتُ أَيَّامًا فَقَالَ
صِيَامُ شَهْرٍ
هَكَذَا قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ وَأَظُنُّهُ ذَهَبَ إِلَى التَّتَابُعِ فِي الشَّهْرِ أَلَّا
يَخْلِطَهُ بِفِطْرٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ أَفْسَدَهُ بِفِطْرِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ قَضَاهُ كُلَّهُ نَسَقًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
فَرَضَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَهُوَ مُتَتَابِعٌ فَإِذَا تَخَلَّلَهُ فِطْرٌ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ التَّتَابُعُ كَمَنْ قَدَرَ
صَوْمَ شَهْرِ رمضان متتابعا والله أعلم
وقال بن سِيرِينَ يَقْضِي يَوْمًا وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَقَاوِيلُ التَّابِعِينَ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ لَا وَجْهَ لَهَا عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ لِمُخَالَفَتِهَا
السُّنَّةَ وَإِنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تابعه والحجة لهم حديث بن شِهَابٍ هَذَا وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ
الْآكِلَ وَالشَّارِبَ فِي الْقِيَاسِ كَالْمُجَامِعِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الشَّرِيعَةِ الِامْتِنَاعُ مِنَ
الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فَإِذَا أَثْبَتَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنْهَا شيء سَبِيلُ نَظِيرِهِ
فِي الْحُكْمِ سَبِيلُهُ وَالنُّكْتَةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِمَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ عَمَدًا
وَلَفْظُ حَدِيثِ مَالِكٍ يَجْمَعُ كُلَّ فِطْرٍ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُجَامِعِ
وَلَيْسَ الْآكِلُ مِثْلَهُ فَدَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ
وَهُوَ مُفْطِرٌ عَمْدًا وَكَذَلِكَ مُزْدَرِدُ الْحَصَاةِ عَمْدًا عَلَيْهِ القَضَاءُ وَهُوَ مُفْطِرٌ مُتَعَمِّدًا وَلِأَنَّ
الذِّمَّةَ بَرِيئَةٌ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا بِيَقِينٍ
وَرَوَى أَبُو الْمُطَوَّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال
من أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ قَوِيًّا مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ
وَرُوِيَ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ مِثْلَهُ
وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَوْ صَحَّ عَلَى التَّغْلِيظِ
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَقَدْ جَاءَتِ الْكَفَّارَةُ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُجْزِئُ مِنَ الْإِطْعَامِ عَمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُكَفِّرَ فِيهِ عَنْ فَسَادِ يَوْمٍ مِنْ
شَهْرِ رَمَضَانَ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْأَوْزَاعِيُّ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ
وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَقَ كَانَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وذلك في حديث مالك عن عطاء
الخرساني عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِشْرِينَ صَاعًا
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُرْسَلَةٍ وَمُسْنَدَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ
بِنِصْفِ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيَاسًا عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى
وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ لَا قِيَاسٌ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي الْوَاطِئِ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ
دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ وَكَانَ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ
فَأَمَّا مَالِكٌ فَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا
وَكَانَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ إِنَّهَا عَلَى الْمُعْسِرِ وَاجِبَةٌ فَإِذَا أَيْسَرَ أَدَّاهَا
وقد يخرج قول بن شِهَابٍ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ إِبَاحَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَكْلَ الكفارة لعسرته رخصة له وخصوصا
قال بن شِهَابٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ
وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ كَفَّارَةَ الْمُفْطِرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّيَامِ أَيُسْأَلُ فِي الْكَفَّارَةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ كَفَّارَةَ الْمُفْطِرِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ فَلْيَسْتَغْفِرِ
اللَّهَ وَلَا يَعُدْ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ
مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَصَابَ فِيهِ أَهْلَهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنَ
الْكَفَّارَاتِ تَطَوَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي شَيْءٍ أُتِيَ بِهِ كَفِّرْ
بِهِ فَلَمَّا ذَكَرَ الْحَاجَةَ وَلَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ قَبَضَهُ قَالَ لَهُ كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ وَجَعَلَ التَّمْلِيكَ
لَهُ حِينَئِذٍ مَعَ الْقَبْضِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا مَلَكَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ وكان إنما تكون الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ
فَضْلٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ كَانَ لَهُ أَكْلُهُ هُوَ وَأَهْلِهِ لِحَاجَتِهِ
وَيَحْتَمِلُ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَطَاقَهَا أَدَّاهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ فِي
الْخَبَرِ وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيْنَا وَأَقْرَبَ مِنَ الِاحْتِيَاطِ
قَالَ وَيَحْتَمِلُ إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَكَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ
كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ بِتِلْكَ الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَيُجْزِئُ عَنْهُ
وَيَحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ فِي حَالِهِ تِلْكَ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاقِطَةً عَنْهُ
إِذَا كَانَ مُعْسِرًا كَمَا سَقَطَتِ الصَّلَاةُ عَنِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا
وَقَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِابْنِ حَنْبَلٍ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ أَتَقُولُ بِهِ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَلَكِنْ لَا
يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ إِلَّا فِي الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ وَحْدَهُ لَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
وَلَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
قيل له أليس فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا نَحْوُ هَذَا
قَالَ وَلِمَنْ تَقُولُ هَذَا إِنَّمَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ تَصَدَّقْ بِكَذَا وَاسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَى
أَهْلِكَ فَإِنَّمَا أَمَرَ لَهُ بِمَا بَقِيَ
قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْمُجَامِعُ مُحْتَاجًا فَأَطْعَمَهُ عِيَالَهُ قَالَ يُجْزِئُ عَنْهُ قُلْتُ وَلَا يُكَفِّرُ إِذَا وَجَدَ
قَالَ لَا إِلَّا أَنَّهُ خَاصٌّ فِي الْجِمَاعِ وَحْدَهُ
وَزَعَمَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ قِيَاسَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَيْنٌ
عَلَيْهِ لَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ عُسْرُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَسَائِرٍ الْكَفَّارَاتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي إِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْمُعْسِرِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُكَ وَلَمْ يَقِلْ لَهُ تُؤَدِّيهَا إِذَا أَيْسَرْتَ وَلَوْ كَانَتْ
وَاجِبَةً عَلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ حَتَّى يُبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُ قِيلَ لَهُ وَلَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا سَاقِطَةٌ عَنْكَ لِعُسْرَتِكَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا
وَجَبَ أَدَاؤُهُ فِي الْيَسَارِ لَزِمَ الذِّمَّةَ إِلَى الْمَيْسَرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ طَائِعَةٌ فِي رَمَضَانَ
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا طَاوَعَتْهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَإِذَا أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ
وَعَنْهَا وكذلك إذا وطىء أَمَتَهُ كَفَّرَ كَفَّارَتَيْنِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ سَوَاءٌ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أَكْرَهَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ كَفَّرَ
بِالْعِتْقِ أَوِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصِّيَامُ وَالْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ سَوَاءٌ لِيسَ عَلَيْهِمَا إِلَّا كَفَارَةٌ وَاحِدَةٌ وَسَوَاءٌ
طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَهَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّمَا أَجَابَ السَّائِلَ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ
يَسْأَلْهُ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أَكْرَهَهَا وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُخْتَلِفًا لَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْيِينَ ذَلِكَ
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ
وَأَجْمَعُوا أن كفارة المظاهر واحدة
وإن وطىء قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَإِنْ
أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى الْكَفَّارَةَ لَازِمَةً عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْهُ الْقِيَاسُ عَلَى قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ
فَوَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ
وَأَجْمَعُوا على أن من وطىء في رمضان فكفر عنه ثم وطىء فِي يَوْمٍ آخَرَ أَنَّ عَلَيْهِ
كَفَّارَةً أُخْرَى
وأجمعوا على أن ليس على من وطىء مِرَارًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ
واختلفوا فيمن وطىء فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى وطىء فِي يَوْمٍ آخَرَ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إن كفر ثم وطىء فعليه كفارة أخرى وإن وطىء قَبْلَ أَنْ
يُكَفِّرَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ وَأَرْجُو أَنْ تُجْزِئَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ
يُكَفِّرْ
وَاخَتَلَفُوا فِيمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا فِي صَوْمِهِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ والحسن بن حي
وأبو ثور وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ
نَاسِيًا عِنْدَهُمْ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ولا كفارة
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْقَضَاءِ وَقَالَ مِثْلُ هَذَا لَا يَنْسَى
وَقَالَ قَوْمٌ من أهل الظاهر سواء وطىء ناسيا أو عامدا عليه القضاء والكفارة
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُوجِبَ
لِلْكَفَّارَةِ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعْتُ عَلَى
امْرَأَتِي النِّسْيَانُ وَالْجَهَالَةُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَسِيتَ أَمْ تَعَمَّدْتَ وَأَفْتَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْفِعْلِ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وبن أَبِي ذِئْبٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُدُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَتِمُّ صَوْمَهُ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ
قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَمَّنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٌ -
زَعَمُوا أَنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَضَحِكَ
وَرُوِيَ عَنْ علي بن أبي طالب وبن عمر وعلقمة وإبراهيم وبن سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ
زَيْدٍ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا لا قضاء عليه
وأما حديثه عن عطاء الخرساني عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مالك في
إرساله
وكذلك رواه بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ سَوَاءً
وَلَا يُحْفَظُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ذِكْرُ البدنة إلا من رواية عطاء الخرساني وَهُوَ ثِقَةٌ
وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إن عطاء
الخرساني يُحَدِّثُ عَنْكَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ قَالَ لَا أَجِدُ فَقَالَ انْحَرْ جَزُورًا فَقَالَ لَا أَجِدُ قَالَ
فَتَصَدَّقْ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
فَقَالَ سعيد كذب الخرساني إِنَّمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ لَهُ تَصَدَّقْ فَتَصَدَّقَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّمْهِيدِ اضْطِرَابٌ فِيهِ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ عاصم
ولا يجرح بمثله عطاء الخرساني بِفَضْلِهِ وَشُهْرَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْخَبَرُ أَكْثَرُ مِنْ شُهْرَةِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ ذكر عطاء الخرساني بِهَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ
الضُّعَفَاءِ لَهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ
وَعَطَاءٌ مَشْهُورُ الْفَضْلِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَلَهُ فَضَائِلُ جَمَّةٌ
وَأَمَّا ذِكْرُ الْبَدَنَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَلَا أَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
مسندا إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ
السلام) ذكره البخاري في التاريخ عن بن شَرِيكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ
وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ
انْحَرْ بَدَنَةً
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلَّمُ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى
بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ
قَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ! أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ لَا أَجِدُ قَالَ انْحَرْ بَدَنَةً قَالَ لَا أَجِدُهَا قَالَ
اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِعِشْرِينَ صَاعًا قَالَ لَا أَجِدُ قَالَ فَجِئْنِي أَتَصَدَّقْ عَنْكَ قَالَ مَا بَيْنَ
لَابَّتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مَنِّي قَالَ اذْهَبْ فَكُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ وَجَدْنَا ذِكْرَ الْبَدَنَةِ فِي هَذَا الحديث من غير رواية عطاء الخرساني
فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
إِلَّا أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفَتْوَى على ما في
حديث بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ
نَحْرُ الْبَدَنَةِ
وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَحْرِ بَدَنَةٍ إِلَّا عَطَاءً وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ
فِي رَمَضَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ
وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ قَتَادَةَ وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِ النبي (عليه
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320
السَّلَامُ) مَنْ يُسَمَّى سَلْمَانَ إِلَّا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَسَلْمَانَ بْنَ عَامِرٍ الضَّبِّيَّ وَالْحَدِيثُ
الصَّحِيحُ إِنَّمَا فِيهِ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ وَلَوْ صَحَّ سَلْمَانُ لَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَخَا سَلَمَةَ بْنِ
صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ
بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إِلَيَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُجَامِعَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لَا
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ حَاشَا قَتَادَةَ وَحْدَهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الْمُفْطِرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لَا يَقْضِيهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ
ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ لَا غَيْرَ إلا بن وهب ورواية عن بن الْقَاسِمِ
فَإِنَّهُمَا جَعَلَا عَلَيْهِ يَوْمَانِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ
وَقَوْلُهُ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَأَكْثَرُهُمْ يَرْوِيهِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتْحُ الرَّاءِ
وزعم بن حَبِيبٍ أَنَّهُ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ
قَالَ وَالْعَرَقُ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) الْمِكْتَلُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَسَعُ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهِيَ
ستون مدا
كذلك سمعت مطرفا وبن الْمَاجِشُونِ يَقُولَانِ
وَقَالَ الْأَخْفَشُ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمِكْتَلُ الْعَظِيمُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَرَقًا لِأَنَّهُ يُعْمَلُ عَرَقَةً
عَرَقَةً ثُمَّ يُضَمُّ وَالْعَرَقَةُ الطَّرِيقَةُ الْعَرِيضَةُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ دُرَّةُ الْمَكْتَبَ عَرَقَةً يُقَالُ عَرَقَةٌ
وَعَرَقٌ كَمَا يُقَالُ عَلَقَةٌ وَعَلَقٌ
قَالَ أَبُو كَبِيرٌ الْهُذَلِيُّ
(نَغْدُو فَنَتْرُكُ فِي الْمَزَاحِفِ مَنْ ثَوَى ... وَنُقِرُّ فِي الْعَرَقَاتِ مَنْ لَمْ يَقْتَلِ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321