وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ
قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صائم
قال أبو عمر أما بن عُمَرَ فَإِنَّمَا تَرَكَ الْحِجَامَةَ صَائِمًا لِمَا بَلَغَهُ فِيهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
وَمِنَ الْوَرَعِ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْلُومِ
وأما (...)
 
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ
قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صائم
قال أبو عمر أما بن عُمَرَ فَإِنَّمَا تَرَكَ الْحِجَامَةَ صَائِمًا لِمَا بَلَغَهُ فِيهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
وَمِنَ الْوَرَعِ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْلُومِ
وأما عروة بن الزبير فإنه كان يوصل الصَّوْمَ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُهُ مَا احْتَجَمَ إِلَّا وَهُوَ
صَائِمٌ
وَأَمَّا سَعْدٌ فَإِنَّ حَدِيثَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُنْقَطِعٌ وَرَوَاهُ عَفَّانُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ أَبِي يِحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ سَعْدٍ يُضْعِفُ حَدِيثَ سَعْدٍ الْمَرْفُوعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ
وَقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ سَعْدٍ لِمَا جَاءَ عَنْهُ من طريق بن شِهَابٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ
كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ وَحَدِيثُهُ فِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ انْفَرَدَ بِهِ دَاوُدُ بْنُ
الزِّبْرِقَانِ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ مِنْ طَرْقٍ
يُصَحِّحُ بَعْضَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْهَا
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ
وَحَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ
وَهَذِهِ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى
قَالَ أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ قَالَ
حَدِيثُ ثَوْبَانَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُخَرِّجْ أَبُو دَاوُدَ غَيْرَهُ وَخَرَّجَ حَدِيثَ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ صَائِمًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَعْلُولَةٌ لَا
يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا بل الصحيح عنها
وعن بن عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ
وَرَوَاهُ وَهْبٌ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عباس
ورواه مقسم عن بن عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صائما
محرما
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323
فحديث بن عَبَّاسٍ صَحِيحٌ لَا مَدْفَعَ فِيهِ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ
وَقَدْ صَحَّحَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ ثَوْبَانَ
وَحَدِيثُ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ
وَالْقَوْلُ عندي في هذه الأحاديث أن حديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ احْتَجَمَ صَائِمًا مُحْرِمًا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مَرَّ عَامَ
الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ لِثَمَانِيَ عَشَرَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ فَابْنُ عَبَّاسٍ شَهِدَ مَعَهُ حِجَّةَ الْوَدَاعِ وَشَهِدَ حِجَامَتَهُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمٌ صَائِمٌ فَإِذَا
كَانَتْ حِجَامَتُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ
بَعْدَ ذَلِكَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا وَجْهُ النَّظَرِ
وَالْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةٌ مُتَدَافِعَةٌ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ مَنِ احْتَجَمَ فَأَقَلُّ
أَحْوَالِهَا أَنْ يَسْقُطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الصَّائِمَ لَا يُقْضَى بِأَنَّهُ مُفْطِرٌ إِذَا سَلِمَ
مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ إِلَّا بِسُنَّةٍ لَا معارض له
وَوَجْهٌ آخَرُ مِنَ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا قَالَ بن عَبَّاسٍ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ لَا مِمَّا خَرَجَ
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَلَّا يُقَالَ لِلْخَارِجَةِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ - نَجَاسَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا - إِنَّهَا
لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ لِخُرُوجِهَا مِنْ بَدَنِهِ فَكَذَلِكَ الدَّمُ فِي الْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا
فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ
ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَبِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ
قِيلَ لَهُ هَذِهِ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ شَيْءٌ دَلَّ عَلَى أن ما
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324
خَرَجَ مِنْ نَجَسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْإِنْسَانِ لَا يُفْطِرُهُ وَكَانَ الْمُسْتَقِيءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا
يُرَى مِنْهُ رُجُوعُ بَعْضِ الْقَيْءِ فِي حَلْقِهِ لِتَرَدُّدِ ذَلِكَ وَتَصَعُّدِهِ وَرُجُوعِهِ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ عَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَعْنَى قَاءَ اسْتَقَاءَ
وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ مِنْ حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ
وَمِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ
رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ وَفِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ
وحسبك بحديث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مَدْفَعَ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَهَذَا بَيَانُ تَهْذِيبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ
وَهَذِهِ الْمُقَايَسَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَحْجُومِ لَا الْحَاجِمِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ
الَّتِي لَا يُوقَفُ عَلَى عِلَلِهَا وَأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أَثَرِيَّةٌ لَا نَظَرِيَّةٌ وَلِهَذَا مَا قَدَّمْنَا الْآثَارَ فِي
الْوَارِدَةِ بِهَا وَقَدِ اضْطَرَبَتْ وَصَحَّ النَّسْخُ فِيهَا لِأَنَّ حِجَامَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَحَّتْ عَنْهُ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَوْلُهُ افْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ
مِنْهُ عَامَ الْفَتْحِ فِي صَحِيحِ الْأَثَرِ بِذَلِكَ
وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ سَقَى رَجُلًا مَاءً وَأَطْعَمَهُ خُبْزًا طَائِعًا أَوْ
مُكْرَهًا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مُفْطِرًا
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي حُكْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي ذَهَابِ
الْأَجْرِ لِمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ مَنْ لَغَى يَوْمَ
الْجُمُعَةَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ يُرِيدُ ذَهَابَ أَجْرِ جَمُعَتِهِ بِاللَّغْوِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ غَيْرَهُمَا أَوْ قَاذِفَيْنِ فَبَطُلَ أَجْرُهُمَا لَا حُكْمُ صَوْمِهِمَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَأَوْلَى بِذَوِي الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فَمَعْلُومٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا
الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ وَقَالَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ لَا بَأْسَ بِهَا لِلصَّائِمِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهَا مَنْ كَرِهَهَا مِنْهُمْ لِمَا يُخْشَى عَلَى فَاعِلِهَا مِنَ الضَّعْفِ عَنْ
تَمَامِ صَوْمِهِ مِنْ أَجْلِهَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا
الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا كُنَّا نَدَعُ الْحِجَامَةَ
لِلصَّائِمِ إِلَّا مَخَافَةَ الْجَهْدِ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ
إِلَّا خَشْيَةَ أَنْ يَضْعُفَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنِ احْتَجَمَ الصَّائِمُ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يَحْتَجِمَ أَحَدٌ صَائِمًا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفْطِرْ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى
صَوْمِهِ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ احْتَجَمَ
وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنَ الْحَدِيثَيْنِ ثَابِتًا وَلَوْ تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ
صَائِمًا كان أحب إلي إن احْتَجَمَ صَائِمًا لَمْ أَرَ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ
وَأَمَّا أحمد بن حنبل وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ فَقَالَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجِمَ صَائِمًا فَإِنْ
فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَطَاءٌ
إِلَّا أَنَّ عَطَاءً قَالَ إِنِ احْتَجَمَ سَاهِيًا لِصَوْمِهِ أَوْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنِ احْتَجَمَ
مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ شَذَّ عَطَاءٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي إِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَيْضًا
خِلَافُ السُّنَّةِ فِيمَنِ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ القضاء والكفارة
وقال بن الْمُبَارَكِ مَنِ احْتَجَمَ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ