قوله : ( ونرى المسح على الخفين ، في السفر والحضر ، كما جاء في الاثر )
 
ش : تواترت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين ، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة ، فيقال لهم : الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء قولاً وفعلاً ، والذين تعلموا الوضوء منه توضؤوا على عهده وهو يراهم ويقرهم ، ونقلوه إلى من بعدهم - : أكثر عدداً من الذين نقلوا لفظ هذه الآية . فإن جميع المسلمين كانوا يتوضؤون على عهده ، ولم يتعلموا الوضوء إلا منه ، فإن هذا العمل لم يكن معهوداً عندهم في الجاهلية ، وهم قد رأوه يتوضأ ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى ، ونقلوا عنه ذكر غسل الرجلين في ما شاء الله من الحديث ، حتى نقلوا عنه من غير وجه ، في كتب الصحيح وغيرها ، أنه قال : ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار .
مع أن الفرض إذا كان مسح ظاهر القدم ، كان غسل الجميع كلفة لا تدعو إليها الطباع ، كما تدعو الطباع إلى طلب الرياسة والمال ، فلو جاز الطعن في تواتر صفة الوضوء ، لكان في نقل لفظ آية [الوضوء] أقرب إلى الجواز ، وإذا قالوا : لفظ الآية ثبت بالتواتر الذي لا يمكن فيه الكذب ولا الخطأ ، فثبوت التواتر في نقل الوضوء عنه أولى وأكمل ، ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة ، فإن المسح كما يطلق ويراد به الإصابة - كذلك يطلق ويراد به الإسالة ، كما تقول [العرب] : تمسحت للصلاة ، وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل ، بل المسح الذي الغسل قسم منه ، فإنه قال : إلى الكعبين ، ولم يقل : إلى الكعاب ، كما قال : إلى المرافق ، فدل على أنه ليس في كل رجل كعب واحد ، كما في كل يد مرفق واحد ، بل في كل رجل كعبان ، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين ، وهذا هو الغسل ، فإن من يسمح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين ، وجعل الكعبين في الآية غاية يرد قولهم . فدعواهم أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين ، اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد الشراك - مردود بالكتاب والسنة .
وفي الآية قراءتان مشهورتان : النصب والخفض ، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه . وقراءة النصب نص في وجوب الغسل ، لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحداً ، كقوله :
فلسنا بالجبال ولا الحديداً
وليس معنى : مسحت برأسي ورجلي - هو معنى : مسحت رأسي ورجلي ، بل ذكر الباء يفيد معنى زائداً على مجرد المسح ، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس ، فتعين العطف على قوله : وأيديكم . فالسنة المتواترة تقضي على ما يفهمه بعض الناس من ظاهر القرآن ، فإن الرسول بين للناس لفظ القرآن ومعناه . كما قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن : عثمان بن عفان ، و عبد الله بن مسعود ، وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معناها . وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجلين ، فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً . والمسألة معروفة ، والكلام عليها في كتب الفروع