وَفِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنْتُ
مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَاتٍ
أَمْ يَقْطَعُهَا قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ يَقْطَعُهَا إِنْ شَاءَ قَالَ مُجَاهِدٌ (...)
 
وَفِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنْتُ
مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَاتٍ
أَمْ يَقْطَعُهَا قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ يَقْطَعُهَا إِنْ شَاءَ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا فِي
قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ
قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ يُصَامُ مُتَتَابِعًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَابُ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُعَلِّمِ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي
ذَلِكَ وَحَسْبُ الشَّيْخِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فَأَفَادَ وَلَمْ يُعَنِّفْ
وَيَجِبُ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ رَدَّ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلَهُ كَانَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ
- أَنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ أَوْ وَجْهٍ يُبَيِّنُ بِهِ فَضْلَ قَوْلِهِ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ
وَفِيهِ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ بِمَا لَيْسَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي
مُصْحَفِ عُثْمَانَ مَا يَدْفَعُهَا وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ يَجْرِي مَجْرَى
خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِلْعَمَلِ بِمَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَاهُ دُونَ الْقَطْعِ عَنْ مَغِيبِيهِ
وَفِي مِثْلِ هَذَا مَا مَضَى فِي كِتَابِ الصلاة من الاحتجاج على قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ
- (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الْجُمُعَةِ 9 وَهِيَ قراءة ابنه
مَسْعُودٍ
وَأَمَّا صِيَامُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ إِطْعَامِ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ أَوْ كُسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ فَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ تكون متتابعات
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350
وَلَا يُوجِبُونَ التَّتَابُعَ إِلَّا فِي الشَّهْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يُصَامَانِ كَفَّارَةً لِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوِ الظِّهَارِ أَوِ
الْوَطْءِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ وَيَسْتَحِبُّونَ فِي ذَلِكَ مَا اسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُلُّ صَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ
مُتَتَابِعٌ إِلَّا قَضَاءَ رمضان
وعن بن جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ بَلَغَنَا أَنَّ في قراءة بن مَسْعُودٍ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) متتابعات الْمَائِدَةِ 89 قَالَ عَطَاءٌ وَكَذَلِكَ يَقْرَؤُهَا وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا
أَبُو إِسْحَاقَ وَالْأَعْمَشُ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أبي إسحاق والأعمش قالا في حرف بن مسعود (فصيام ثلاثة أيام
متتابعات)
وعن بن عيينة عن بن جُرَيْجٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَاوُسَ يَسْأَلُهُ عَنْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَقَالَ صُمْ كَيْفَ شِئْتَ فَقَالَ مُجَاهِدٌ يَا أَبَا عبد الرحمن إنها في قراءة بن
مَسْعُودٍ (مُتَتَابِعَاتٍ) قَالَ فَأَخْبِرِ الرَّجُلَ
وَفِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا وَصَفْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً مِنْ دَمِ عَبِيطٍ
فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَجْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَأَصْلُ مَالِكٍ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِثْلُهَا عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ دَمٍ ظَاهِرٍ مِنَ الرَّحِمِ فِي
غَيْرِ أَوَانِ الْحَيْضِ أَوْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ دَمُ حَيْضٍ عِنْدَهُ تَتْرُكُ لَهُ
الْمَرْأَةُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مَا تَمَادَى فيها حتى تتجاوز خمسة عشرة يوما فيعلم ذلك
الوقت أنه فَسَادٍ وَدَمُ عِرْقٍ مُنْقَطِعٍ لَا دَمُ حَيْضٍ
وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ
وَكَذَلِكَ إِذَا جَاوَزَتْ أَيَّامَهَا الْمَعْرُوفَةَ وَاسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثٍ فِي رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ وَهَذَا
كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَفِي هَذَا الْبَابِ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ كُلِّهِ أَوْ
يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ
الصِّيَامَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّابِعِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351
رَمَضَانَ وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِيهِ هَلْ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْيَوْمِ
الَّذِي أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِيهِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ إِنْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ
صَامَ مَا مَضَى مِنْهُ مَعَ مَا بَقِيَ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ النَّهَارِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ
وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ يَصُومُ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ
فَإِنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ إِذَا أَسْلَمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَهُ كُلَّهُ
قَالَ مَعْمَرٌ وَقَالَ قَتَادَةُ يَصُومُ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ
قَالَ مَعْمَرٌ وَقَوْلُ قَتَادَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَوْ أَسْلَمَ كَفَّ عَنِ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ يَقْضِهِ وَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى
وَهَذَا نَحْوُ قول مالك
قال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَكُفُّ الَّذِي يُسْلِمُ فِي رَمَضَانَ عَنِ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِوَاجِبٍ وَأَحَبُّ إِلَيَّ لَوْ قَضَاهُ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ عَلَيْهِمَا أَنْ
يَصُومَا مَا بَقِيَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا
قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ وَاسْتَحِبَّ لَهُمَا صَوْمَهُ
هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
وَكُلُّهُمْ يَسْتَحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَكُفَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ عَنِ الطَّعَامِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْغُلَامِ يَحْتَلِمُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُ مَا مَضَى لِأَنَّهُ
كَانَ يُطِيقُ الصَّوْمَ
وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ مَا مَضَى فَقَدْ
كَلَّفَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفِ الصِّيَامَ إِلَّا عَلَى الْمُؤْمِنِ إِذَا كَانَ بالغا
لقوله تعالى (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) الْبَقَرَةِ 183 وَلِقَوْلِهِ (واتقون يا
أولي الْأَلْبَابِ) الْبَقَرَةِ 197 فَلَمْ يَدْخُلْ فِي إِيجَابِ هَذَا الخطاب
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352
مَنْ لَمْ يُبْلَغْ مَبْلَغَ مَنْ تَلْزَمُهُ الْفَرَائِضُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ
ثَلَاثٍ وَذَكَرَ الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْجَارِيَةَ حَتَّى تَحِيضَ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ مَا
مَضَى فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى غَيْرِ مُؤْمِنٍ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ
عَنْهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَبْلُغُ فِيهِ أَوْ يُسْلِمُ اسْتَحَالَ عِنْدَهُ
أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي آخِرِ يَوْمٍ كَانَ فِي أَوَّلِهِ مُفْطِرًا وَلَيْسَ كَالْيَوْمِ الَّذِي ظَنَّهُ مِنْ
شَعْبَانَ الَّذِي يَبْلُغُ أَوْ يُسْلِمُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ
آخِرَهُ وَالْيَوْمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ يَصِحُّ عِنْدَهُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ مِنْ
رَمَضَانَ لَازِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمَّا فَاتَهُ ذَلِكَ بِجَهْلِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُ
وَلَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ عَنِ الْأَكْلِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوَّلَهُ
وَآخِرَهُ وَكَذَلِكَ آخِرُهُ مَعَ الْعِلْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ