وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ (...) |
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ الصِّيَامُ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ هَذَا فَرْضُهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَسُنَنُهُ اجْتِنَابُ قَوْلِ الزُّورِ وَاللَّغْوِ وَالرَّفَثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا وَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْهُ أَلَا تَرَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مَرْيَمَ 26 وَقَوْلُهُ جُنَّةٌ فَهِيَ الْوِقَايَةُ وَالسِّتْرُ عَنِ النَّارِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا فَضْلًا لِلصَّائِمِ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَرْفُثُ فَالرَّفَثُ هُنَا الْكَلَامُ الْقَبِيحُ وَالشَّتْمُ وَالْخَنَا وَالْغَيْبَةُ وَالْجَفَاءُ وَأَنْ تُغْضِبَ صَاحِبَكَ بِمَا يَسُوءُهُ وَالْمِرَاءُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَمَعْنَى لَا يَجْهَلْ قَرِيبٌ مِمَّا يُصِيبُنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالسِّبَابِ وَالْقِبَاحِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ (أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الجاهلينا) واللغو هُوَ الْبَاطِلُ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الْفَرْقَانِ 72 قَالَ الْعَجَّاجُ (عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي العالية أنه قال خرجنا مع بن عَبَّاسٍ حُجَّاجًا فَأَحْرَمَ وَأَحْرَمْنَا ثُمَّ نَزَلَ يَرْتَجِزُ يَسُوقُ الْإِبِلَ وَيَقُولُ (وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا ... إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ تَنِكْ لَمِيسًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ أَلَسْتَ مُحْرِمًا قَالَ بَلَى فَقُلْتُ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمُ بِهِ قَالَ لَا يَكُونُ الرَّفَثُ إِلَّا مَا وَاجَهْتَ بِهِ النِّسَاءَ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ - عِزَّ وَجَلَّ - (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) الْبَقَرَةِ 197 فَأَكْثَرُ العلماء على أن الرفث ها هنا جِمَاعُ النِّسَاءِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) الْبَقَرَةِ 187 أَنَّهُ الْجِمَاعُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ مُشَاتَمَتَهُ وَمُقَاتَلَتَهُ إِنِّي صَائِمٌ وَصَوْمِي يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَاوَبَتِكَ لِأَنِّي أَصُونُ صَوْمِي عَنِ الْخَنَا وَالزُّورِ وَالْمَعْنَى فِي الْمُقَاتَلَةِ مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الصَّائِمَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ إِنِّي صَائِمٌ يَا نَفْسِي فَلَا سَبِيلَ إِلَى شِفَاءِ غَيْظِكِ بِالْمُشَاتَمَةِ وَلَا يُعْلِنُ بِقَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْعَمَلِ الذي لا يظهر وكذلك يجزئ اللَّهُ الصَّائِمَ أَجْرَهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ من لم يدع قول الزور والعمل به فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَمَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَالتَّحْذِيرُ كَمَا جَاءَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ أَيْ يَذْبَحْهَا وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْأَمْرِ بِتَشْقِيصِ الْخَنَازِيرِ وَلَكِنَّهُ عَلَى تَعْظِيمِ إِثْمِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَكَذَلِكَ مَنِ اغْتَابَ أَوْ شَهِدَ زُورًا أَوْ مُنْكَرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ وَلَكِنَّهُ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ لِيَتِمَّ لَهُ أجر صومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 |