وَقَالَ مَالِكٌ فِي الموطأ أنه سأل بن شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ
لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ
يُجَمَّعُ فِيهِ وَلَا أَرَاهُ كَرِهَ الِاعْتِكَافَ في (...)
 
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الموطأ أنه سأل بن شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ
لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ
يُجَمَّعُ فِيهِ وَلَا أَرَاهُ كَرِهَ الِاعْتِكَافَ في المساجد التي لا يجمع فيها وإلا كَرَاهِيَةَ أَنْ
يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَدَعَهَا فَإِنْ كان
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385
مَسْجِدًا لَا يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ
فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ) الْبَقَرَةِ 187 فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَكَفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إِلَّا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ
وَالِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَحَبُّ إِلَيَّ
قَالَ وَيَعْتَكِفُ الْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ حيث شاؤوا ولا اعتكاف إلا في مسجد
وذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ إِلَّا فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ الَّتِي يَجُوزُ
فِيهَا الصَّلَاةُ
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ فَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُ
وَقَالَ مَالِكٌ تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُعْجِبُهُ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ إِلَّا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَلَا تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ
وَسَنَزِيدُ هَذَا بَيَانًا فِي بَابِ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُنَاكَ ذَكَرَ مَالِكٌ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَرْجِيلِ عَائِشَةَ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَلَوْ كَانَتَا عَوْرَةً لَمْ تُبَاشِرْهُ بِهِمَا فِي
اعْتِكَافِهِ لِأَنَ الْمُعْتَكِفَ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) الْبَقَرَةِ 187
وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا تُنْهَى فِي الْإِحْرَامِ عَنْ لِبَاسِ الْقُفَّازَيْنِ وَتُؤْمَرُ بِسَتْرِ مَا عَدَا
وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَهَكَذَا حُكْمُهَا فِي الصَّلَاةِ تَكْشِفُ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا
وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ مَا هُوَ عَوْرَةٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رَوَى تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا
حَائِضٌ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ طَاهِرٌ غَيْرُ نَجِسَةٍ إِلَّا مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْهَا
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي بَابِ الْحَيْضِ
وَأَمَّا قَوْلُهَا وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَوَاتِ
وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ أَوِ السُّكُوتِ فَفِيهِ سَلَامَةٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِحَاجَةِ
الْإِنْسَانِ كُلُّ مَا لَا غِنَى بِالْإِنْسَانِ عَنْهُ مِنْ مَنَافِعِهِ وَمَصَالِحِهِ وَمَا لَا يَقْضِيهِ عَنْهُ غَيْرُهُ
وَمَعْنَى تَرْجِيلِ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ
صَلَاحُ بَدَنِهِ مِنَ الْغِذَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْمُعْتَكِفَ نَاذِرٌ جَاعِلٌ عَلَى نَفْسِهِ الْمَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ
فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِمَا يُلْهِيهِ عَنِ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا
لِضَرُورَةٍ كَالْمَرَضِ الْبَيِّنِ وَالْحَيْضِ فِي النِّسَاءِ وَهَذَا فِي مَعْنَى خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُعْتَكِفِ يَخْرُجُ لِعُذْرٍ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مِثْلِ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ أَوِ
ابْنُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ أَوْ شِرَاءُ طَعَامٍ يُفْطِرُ عَلَيْهِ أَوْ غَسْلُ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبِهِ
فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْنِي وَهُوَ الْأَصَحُّ
عِنْدِي قِيَاسًا عَلَى حاجة الإنسان