مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأَسَهُ
وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ قَالَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأَسَهُ
وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ قَالَ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري قال فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ
عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ
فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانِ يَصُبُّ
عَلَيْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ وَلَمْ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6
يُتَابِعْهُ عَلَى إِدْخَالِ نَافِعٍ بَيْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ
الْمُوَطَّأِ وَذِكْرُ نَافِعٍ هُنَا خَطَأٌ مِنْ خَطَأِ الْيَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا شَكَّ فِيهِ وَلِذَلِكَ طَرَحْتُهُ مِنَ
الْإِسْنَادِ كَمَا طَرَحَهُ بن وضاح
وقد روى عن إبراهيم هذا بن شِهَابٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ وَأَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمْ
وَحُنَيْنٌ جَدُّ إِبْرَاهِيمَ هَذَا يُقَالُ إِنَّهُ مَوْلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ تَكُنْ فِي قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ
إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجَبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِنَ الكتاب أو السنة ألا ترى أن بن عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ لَمَّا
اخْتَلَفَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ منهما حجة على صاحبه حتى أدلى بن عَبَّاسٍ بِالْحُجَّةِ بِالسُّنَّةِ
فَفَلَجَ
وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ هُوَ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْمُزَنِيُّ
وَغَيْرُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ فَوَاجِبٌ قَبُولُ مَا نَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ وَلَوْ كَانُوا كَالنُّجُومِ فِي آرَائِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ إِذَا اخْتَلَفُوا لقال بن عَبَّاسٍ لِلْمِسْوَرِ
أَنْتَ نَجْمٌ وَأَنَا نَجْمٌ فَلَا عَلَيْكَ وَبِأَيِّنَا اقْتَدَى الْمُقْتَدِي فَقَدِ اهْتَدَى وَلَمَا احْتَاجَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ
وَالْبُرْهَانِ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ (رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم) إذا اختلفوا حكمهم كحكم بن عَبَّاسٍ
وَالْمِسْوَرِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ تَلَا (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) النِّسَاءِ
59
قَالَ الْعُلَمَاءُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَا كَانَ حَيًّا فَإِنْ قبض فإلى
سنته
ألا ترى أن بن مَسْعُودٍ قِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قال في أخت وابنة وابنة
بن إِنَّ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلَا شَيْءَ لبنت الابن وأنه قال للسائل أئت
بن مسعود فإنه سيتابعنا فقال بن مَسْعُودٍ (قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المهتدين
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7
الْأَنْعَامِ 56 أَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ
وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ
وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْفَعْ هَذَا الْحَدِيثَ وَجَعَلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى بن مَسْعُودٍ وَكُلُّهُمْ رَوَوْا فِيهِ وَ (قَدْ
ضَلَلْتُ إذا) الآية الْأَنْعَامِ 56
وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَفْتَى بِجَوَازِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بن
مسعود فقال أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحبر بين أظهركم
وروى مالك عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الرَّبِيبَةِ إِلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ فِي
الْمَدِينَةِ
وَهَذَا الْبَابُ طَوِيلٌ إِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ
لَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ حُجَّةً عَلَى صَاحِبِهِ إِلَّا الْحُجَّةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ فَمَنْ دُونَهُمْ
أَوْلَى أَنْ يُعَضِّدَ قَوْلَهُ بِمَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعَلَمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ من ربك
هو الحق) سَبَأٍ 6 قَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)
قَالَ مَالِكٌ الْحُكْمُ حُكْمَانِ حُكْمٌ جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَحُكْمٌ أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ
قَالَ وَمُجْتَهِدُ رَأْيِهِ فَلَعَلَّهُ يُوَفَّقُ وَمُتَكَلِّفٌ فَطَعَنَ عَلَيْهِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8
قال وذكر بن وضاح عن بن وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِي مَالِكٌ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ نُورٌ يَهْدِي بِهِ
اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيُؤْتِي مَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ وَلَيْسَ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ على أن بن عَبَّاسٍ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ عِلْمٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْبَأَهُ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ أَوْ غَيْرُهُ
أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ أرسلني إليك بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ
كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَقُلْ هَلْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ
عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلِمٌ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَسْلِ رَأْسِهِ فَكَانَ مَالِكٌ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ وَيَكْرَهُهُ لَهُ
وَمِنْ حُجَّتِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا مِنِ احْتِلَامٍ
قَالَ مَالِكٌ فَإِذَا أَوْفَى الْمُحْرِمُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ جَازَ لَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ قَبْلَ
الْحَلْقِ لِأَنَّهُ إِذَا رَمَى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث
ولبس الثياب
قال وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَرَوَى جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ رَأَى
قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ غَسَلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ بِالشَّجَرَةِ فَالْتَفَتَ فَإِذَا هَدْيُهُ قَدْ قُلِّدَتْ
فَقَامَ فَأَهَلَّ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ أَوْ قُلِّدَ عَنْهُ
هَدْيُهُ بِأَمْرِهِ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَتَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَفِيهِ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَانَ لَا يَرَى أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ
وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ مُحْرِمًا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ حُجَّةٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَحْمِلُهُ
على العموم
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9
وَالظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي الْحَدِيثِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ الْجَنَابَةِ وَمُحَالٌ أَنْ يَخْتَلِفَ عَالِمَانِ
فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ لَا
بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَقُولُ لَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا
شَعَثًا
وَرُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ التَّابِعِينَ وَجُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ
وَأَتْبَاعُ مَالِكٍ فِي كَرَاهَتِهِ لِلْمُحْرِمِ غَسْلَ رأسه بالماء قليل
وقد كان بن وَهْبٍ وَأَشْهَبُ يَتَغَاطَسَانِ فِي الْمَاءِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ مُخَالَفَةً لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي
إِبَايَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وكان بن الْقَاسِمِ يَقُولُ إِنَّ مَنْ غَمَسَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ أَطْعَمَ شَيْئًا خَوْفًا
مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَجِبُ الْفِدَاءُ فِي ذِمَّةِ الْمُحْرِمِ إِلَّا بِيَقِينِ الْحُكْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ
وَلَا بَأْسَ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ لِحَرٍّ يَجِدُهُ
وَكَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ لَا أَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ غَمْسَ رَأْسِهِ فِي الْمَاءِ
قَالَ وَمَا يُخَافُ فِي الْغَمْسِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَافَ مِثْلُهُ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ مِنَ
الْحَرِّ
وَأَمَّا غَسْلُ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَوِ السِّدْرِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ
هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَكَانَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَيَانِ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ فَعَلَ
وَكَانَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ يُرَخِّصُونَ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ قَدْ لُبِّدَ رَأْسُهُ فِي الْخِطْمِ
ليلين
وروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10
ويحتمل أن يكون هذا من فعل بن عُمَرَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ إِذَا لَبَّدَ حَلَقَ
وَإِنَّمَا كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ عَوْنًا عَلَى الْحَلْقِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى جَوَازِ غَسَلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَنِّبُوهُ مَا
يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ غَسْلِ ر أس الْمُحْرِمِ بِالسِّدْرِ قَالَ وَالْخِطْمِيُّ فِي
مَعْنَاهُ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْمُحْرِمِ الْحَمَّامَ فَتَدَلَّكَ وَإِنْ نَقَّى الْوَسَخَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
وَكَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ لَا
يَرَوْنَ بِدُخُولِ الْمُحْرِمِ بَأْسًا
وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
وَفِيهِ اسْتِتَارُ الْغَاسِلِ بِالثَّوْبِ مَعْلُومٌ
وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَسْتُرُهُ بِالثَّوْبِ لَا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى مَا يَتَسَتَّرُ بِهِ مِنْ مِثْلِهِ فَالسُّتْرَةُ
وَاجِبَةٌ عَنِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ
وأما قوله يغتسل بين القرنين فقال بن وَهْبٍ هُمَا الْعَمُودَانِ الْمَبْنِيَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا
السَّاقِيَةُ عَلَى رَأْسِ الْجُحْفَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ هُمَا حَجَرَانِ مُشْرِفَانِ أَوْ عَمُودَانِ عَلَى الْحَوْضِ يَقُومُ عَلَيْهِمَا السقاة وفي
هَذَا الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ