مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بحج مفرد ثم بدا له أن يهل
بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (...)
 
مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بحج مفرد ثم بدا له أن يهل
بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي شَهْرِ الْحَجِّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ وَلَا خِلَافَ
فِي هَذَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَلَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا هَلْ تَخْرُجُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ
ذَلِكَ مَعَ النِّسَاءِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمُحَرِمِ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ أَمْ لَا سَنَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ في
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58
ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَا يَحْلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَإِبَاحَةُ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَإِبَاحَةُ الْقِرَانِ وَهُوَ
جَمْعُ الْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ
ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ مُحْرِمًا فِي خَاصَّتِهِ عَامَ
حِجَّةِ الْوَدَاعِ
وَأَمَّا مَالِكٌ قَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
وَعَنِ الْأُسُودِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخِطَابِ قَالَ فِي
قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الْبَقَرَةِ 196 قَالَ مِنْ تَمَامِهَا أَنَّ تُفْرِدَ
كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنَ الْأُخْرَى وَأَنْ تُعْمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ)
يَقُولُ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الْبَقَرَةِ 197
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْإِفْرَادُ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلَا بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ وَتَرْكَا الْآخَرَ فَإِنَّ فِي
ذَلِكَ ذِكْرٌ لَهُ لَا أَنَّ الْحَقَّ مَا عَمِلَا بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رَوَى الْإِفْرَادَ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَطُرُقُ
حَدِيثِهِ وَأَثَرِهِ صِحَاحٌ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ
وَالْحُجَّةُ أَيْضًا فِي إفراد الحج حديث بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59
عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال مَنْ
أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بَحَجٍّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ
قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ الْحَدِيثَ وَرَوَى الْحُمَيْدِيُّ
عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ
وَالْأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ مُضْطَرِبَةٌ فِي هَذَا جِدًّا
وَاسْتَحَبَّ آخَرُونَ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَقَالُوا ذَلِكَ أَفْضَلُ
وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وبن الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ أَيْضًا وَهُوَ
مَذْهَبُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَهْلِ مَكَّةَ
وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عن بن حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَرَنَ
الْحَجَّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
رَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ حَجَجْتُ فَأَمَرَنِي أَبِي أَنْ أُفْرِدَ الْحَجَّ فَذَهَبْتُ
مَعَ نَفَرٍ مِنْ مَكَّةَ فَسَأَلْنَا عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَأَمَرَنِي بِالْمُتْعَةِ فَلَقِيتُ عَامِرًا الشعبي
فقال هيه يا بن ذَرٍّ أَمَا اقْتَادَ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَا قَالَ لك بن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ مَا رَأَيْتُهُمْ
يَعْدِلُونَ بِالْمُتْعَةِ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَمَّا أَنَا فَحَجَّةٌ عِرَاقِيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةِ مَكَّةَ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ بِحَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ
قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَسَاقَ
الْهَدْيَ مَعَهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ يَتَمَتَّعُ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرة إلى الحج
قال عقيل قال بن شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ خَبَرِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي
تَمَتُّعِ رَسُولٍ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ واحتجوا بحديث سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُتْعَةِ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا معه
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60
وَبِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتْعَةَ
الْحَجِّ
وَبِحَدِيثِ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلِمَ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ
عُمْرَتِكَ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ وَعُثْمَانُ حَتَّى
مَاتَ وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ لَيْثٍ هَذَا مُنْكَرٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ
التَّمَتُّعَ ولا القران
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَلَا تَتَّقِ الله
ترخص في المتعة فقال بن عَبَّاسٍ سَلْ أُمَّكَ يَا عُرَيَّةَ فَقَالَ عُرْوَةُ أَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
فَلَمْ يَفْعَلَا فَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَاللَّهِ مَا أَرَاكُمْ بِمُنْتَهِينَ حَتًى يُعَذِّبَكُمُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) نُحَدِّثُكُمْ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَضَرَبَ عَلَيْهَا فَسْخُ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ فَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ
فَلَا
وَزَعَمَ مَنْ صَحَّحَ نَهْيَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِيُنْتَجَعَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ أَوْ
أَكْثَرَ فِي الْعَامِ
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا عُمَرُ لِأَنَّهُ رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته
فَخَشِيَ أَنْ يَضِيعَ الْقِرَانُ وَالْإِفْرَادُ وَهُمَا سَنَّتَانِ لِلنَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ قال سئل بن عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ
تُخَالِفُ أَبَاكَ فَقَالَ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلِ الَّذِي تَقُولُونَ إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنَ
الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِلْعُمْرَةِ
أَيْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي شُهُورِ الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت فِي غَيْرِ
شُهُورِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ (عَزَّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61
وَجَلَّ) وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ عُمَرُ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يُشَّكُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا
وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إِلَيَّ
وَاحْتَجَّ فِي اخْتِيَارِ التَّمَتُّعِ بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا
سُقْتُ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً
وَقَالَ آخَرُونَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ
وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضَيْنِ جَمِيعًا
قَالَ إِسْحَاقُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حِجَّةِ الْوَدَاعِ قَارِنًا
وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ سَوَاءٌ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَاحْتَجَّ مَنِ اسْتَحَبَّ
القران وفعله بآثار منها حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بِوَادِي الْعَقِيقِ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ
فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ بْنُ بِكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قال حدثنا عكرمة أنه سمع بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ
فَذَكَرَهُ
وَبِحَدِيثِ الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ الصَّبِيُّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
جَمِيعًا فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ هُدِيتَ لِسُّنَّةِ نَبِيِّكَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62
وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدَّثَنَاهُ سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ
وَحَفِظْنَاهُ عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ كَثِيرًا مَا ذَهَبْتُ
أَنَا وَمَسْرُوقٌ إِلَى الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ أَسْتَذْكِرُهُ هَذَا الْحَدِيِثَ قَالَ الصَّبِيُّ كُنْتُ رَجُلًا
نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ فَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمَّا كُنْتُ بِالْقَادِسِيَّةِ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا
فَسَمِعَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ فَقَالَا لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ فَكَأَنَّمَا
حُمِلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ هُدِيتَ لِسُّنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِنْهَا حَدِيثُ حَفْصَةَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ
وَحَدِيثُ أَنَسٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا
رَوَاهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ بذلك بن
عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيَتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَارِضُ ما روي عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتع
ويحتمل قول بن عُمَرَ أَنَّهُ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَيْ مِنْ مَكَّةَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَهِيَ الْإِفْرَادُ
وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
أَبَاحَهَا كُلَّهَا وَأَذِنَ فِيهَا وَرَضِيَهَا وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَمْكَنَ
مِنْهَا الْعَمَلُ بِهَا كُلِّهَا فِي حِجَّتِهِ الَّتِي لَمْ يَحِجَّ غَيْرَهَا
وَبِهَذَا نَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرِدٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ
بَعْدُ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63
فَقَالَ مَالِكٌ يُضَافُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَلَا تُضَافُ الْعُمْرَةُ إِلَى الْحَجِّ
قَالَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْعُمْرَةُ بِشَيْءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ لِذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ حَجٌّ مُفْرَدٌ
وَكَذَلِكَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجَّةً أُخْرَى وَأَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا وَاحِدَةٌ
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ
وَقَالَ بِبَغْدَادَ إِذَا أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُدْخِلُ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ
أَحَدَهُمَا إِذَا جَازَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَا يُدْخِلُ الْعُمْرَةَ عَلَى
الْحَجِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَحْتَمِلُ مَنْ قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ مَنْ قَالَ
إِفْرَادُ الْحَجِّ أَيْ أَمَرَ بِهِ وَأَجَازَهُ وَجَازَ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ (عَزَّ وَجَلَّ)
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) الزُّخْرُفِ 51 أَيْ أَمَرَ فَنُودِيَ وَإِذَا أَمَرَ الرَّئِيسُ بِالشَّيْءِ
جَازَ أَنْ يُضَافَ فِعْلُهُ إِلَيْهِ كَمَا يُقَالُ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الزنى
وَقَطَعَ فِي السَّرِقَةِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ
حَضَرْتُ زَرْعِي وَنَحْوَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بَادٍ فِيهِ
وَالِاخْتِلَافُ هُنَا وَاسِعٌ جِدًّا لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ وَصَارَ رَافِضًا لِإِحْدَاهُمَا حِينَ
يَتَوَجَّهُ إِلَى مَكَّةَ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَلْزَمُهُ الْحَجَّتَانِ فَيَصِيرُ رَافِضًا لِإِحْدَاهُمَا سَاعَتَئِذٍ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَلْزَمُهُ الْوَاحِدَةُ إِذَا أَهَلَّ بِهِمَا جميعا لا
شَيْءَ عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَلَا
يُدْخِلُ عَلَيْهَا حَجَّةً وَلَا يَدْخُلُ إِحْرَامٌ عَلَى إِحْرَامٍ كَمَا لَا تَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ
وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأُسُودِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ
فَفِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَلَّا يَحِلَّ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرْمِي
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَحِلُّ لَهُ اللِّبَاسُ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ كُلُّهُ كُلُّ الْحِيَلِ إِلَّا بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَهُوَ
الْحِلُّ كُلُّهُ لِمَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى ثُمَّ طَافَ الطَّوَافَ
الْمَذْكُورَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64