مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ
امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ (...)
 
مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162
عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ
امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ
أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ سَمِعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عباس من
رواية الأوزاعي وبن عيينة عن الزهري
حَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَا حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ سمعت سليمان بن يسار يقول سمعت بن عَبَّاسٍ
يَقُولُ إِنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداة النَّحْرِ
وَالْفَضْلُ رَدِيفُهُ فَقَالَتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا
لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ هَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَاهُ أَوَّلًا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سليمان بن يسار عن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أوَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ قَالَ
نَعَمْ كَمَا لَوْ كان على أحدكم دين فقضاه غَيْرُهُ عَنْهُ
قَالَ فَلَمَّا جَاءَنَا الزُّهْرِيُّ تَفَقَّدْتُ هَذَا فَلَمْ يَقُلْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوَاهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ
مَحْفُوظَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مَا سَمِعَهُ بن عُيَيْنَةَ مِنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِدُونِ مَا سَمِعَهُ هُوَ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَعَمْرٌو أَحَدُ الْأَئِمَّةِ
الْحُفَّاظِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ رُكُوبُ شَخْصَيْنِ عَلَى دَابَّةٍ هَذَا مِمَّا لا خلاف فيه جَوَازِهِ
إِذَا أَطَاقَتِ الدَّابَّةُ ذَلِكَ
وَفِيهِ إِبَاحَةُ الارتداف وذلك من التواضع وأفعال رسو ل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كُلُّهَا سُنَنٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا يَحْسُنُ التَّأَسِّي بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَجَمِيلٌ الِارْتِدَافُ بِالْجَلِيلِ
مِنَ الرِّجَالِ
وَفِيهِ بَيَانُ مَا رُكِّبَ فِي الْآدَمِيِّينَ مِنْ شَهَوَاتِ النِّسَاءِ فِي الرِّجَالِ وَالرِّجَالِ فِي النِّسَاءِ
وَمَا يُخَافُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَجْمَلِ الشُّبَّانِ فِي زَمَانِهِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163
وَفِيهِ أَنَّ عَلَى الْعَالِمِ وَالْإِمَامِ أَنْ يُغَيِّرَ مِنَ الْمُنْكِرِ كُلَّ مَا يُمْكِنُهُ بِحَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
إِذَا رَآهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنْهُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَا يُؤْمَنُ
عَلَيْهِنَّ وَلَا مِنْهُنَّ الْفِتْنَةُ وَمِنَ الْخُرُوجِ وَالْمَشْيِ مِنْهُنَّ فِي الْحَوَاضِرِ وَالْأَسْوَاقِ وَحَيْثُ
يَنْظُرْنَ إِلَى الرِّجَالِ وَيُنْظَرُ إِلَيْهِنَّ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ
النِّسَاءِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحُجَّ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ الْخَثْعَمِيَّةِ حُجِّي
عَنْ أَبِيكِ وَلَمْ يَقُلْ إِنْ كَانَ مَعَكِ ذُو مَحْرَمٍ
وَهَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنَ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَا نُطِقَ بِهِ لَا مَا سُكِتَ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ
زَوْجٍ
وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَهُ سُنَّ وَذَلِكَ حَجُّ الْمَرْءِ عَنْ
مَنْ لَا يُطِيقُ الْحَجَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ
مَخْصُوصٌ بِهِ أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ
وَجَلَّ) (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آلِ عِمْرَانَ 97 وَلَمْ يَكُنْ
أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لَمَّا لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَخُصَّ بِأَنْ يُقْضَى عَنْهُ
وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَخُصَّتِ ابْنَتُهُ أَيْضًا أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا وَهُوَ حَيٌّ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ
وَأَصْحَابُهُ قَالُوا خُصَّ أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ وَالْخَثْعَمِيَّةُ بِذَلِكَ كَمَا خُصَّ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
بِرَضَاعِهِ فِي حَالِ الْكِبَرِ
وَهَذَا مِمَّا يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُ فَيَلْزَمُهُ
وَرُوِيَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وعطاء والضحاك
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164
قال بن الزُّبَيْرِ وَالِاسْتِطَاعَةُ الْقُوَّةُ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ الِاسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةُ
وَقَالَ أَشْهَبُ قِيلَ لِمَالِكٍ الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ قَالَ لَا وَاللَّهِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا عَلَى
قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فَرُبَّ رَجُلٍ يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ وَآخَرُ يَقْوَى
يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَكُونُ فِي الْبَدَنِ وَالْقُدْرَةِ وَتَكُونُ أَيْضًا
بِالْمَالِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِبَدَنِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ
وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالسُّدِّيِّ كُلُّهُمْ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ يَقُولُونَ السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا
مُرْسَلَةٌ وَمِنْهَا ضَعِيفَةٌ
وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ تَكُونُ بَالْمَالِ وَتَكُونُ بِالْبَدَنِ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَنَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَبْنِيَ دَارِي يَعْنِي بِمَالِهِ
وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا يُشْبِهُهُ ذَلِكَ وَالِاحْتِجَاجُ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ يَطُولُ وَلَيْسَ هُنَا مِمَّا قُصِدَ بِهِ
إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْنَا أُصُولَ ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَعْضُوبِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِكِبَرٍ أَوْ لِضَعْفٍ
أَوْ لِزَمَانَةٍ
فَقَالَ مَالِكٌ لَا حَجَّ عَلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِمَا يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ مِنْ مَالِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ مُسْتَطِيعٌ إِذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مال
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165
قَالَ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِطَاعَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِبَدَنِهِ وَالْآخَرُ مِنْ
مَالِهِ مَا يبلغه الْحَجِّ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا بِبَدَنِهِ لَا يَقْدِرُ
عَلَى مَرْكَبٍ بِحَالٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْ يُطِيعُهُ إِذَا أمره أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِطَاعَتِهِ لَهُ أَوْ
بِاسْتِحْبَابِهِ لَهُ فَيَكُونُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي عَنْ أَبِيكِ
فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سليمان بن الشيباني عن يزيد
بن الأصم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحُجُّ
عَنْ أَبِي قَالَ نَعَمْ إِنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ قد أنكروه على عبد الرزاق وخطؤوه فِيهِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ لَمْ
يُرْوهِ أَحَدٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالُوا هَذَا حَديِثٌ
مُنْكَرٌ لَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَا يَدْرِي أَيَنْفَعُ أَمْ لَا
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِشْوَرِيُّ قَالَ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بن الأصم عن
بن عَبَّاسٍ أَحَدٌ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ كُوفِيٌّ وَلَا بَصْرِيٌّ
وَلَا حِجَازِيٌّ وَلَا أَحَدٌ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالثَّوْرِيِّ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مثل القطان
وبن مهدي ووكيع وأبي نعيم وبن الْمُبَارَكِ وَالْفِرْيَابِيِّ وَالْأَشْجَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ عُلِمَ أَنَّ عَبْدَ
الرَّزَّاقِ قَدْ وَهِمَ فِيهِ لَفْظًا وَأُشْبِهَ عَلَيْهِ
وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ
أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ
حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ
وَقَدْ رَوَى هُشَيْمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن بن عباس
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166
قَالَ أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إن أختي نذرت أن تَحُجَّ فَمَاتَتْ
أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ أَرَأَيْتَ لو كان عليها دين فقضيه اللَّهُ أَوْلَى بِالْوَفَاءِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ
وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَكْثَرَهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنْ لَا تُقْضَى الصَّلَاةُ عَنْ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ لِاخْتِلَافِ
الْآثَارِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ إِيجَابِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
بِمَالِهِ وضعف عن إقامته ببدنه جواز حج الرَّجُلِ عَنْ غَيْرِهِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ
الْإِسْلَامِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلصَّحِيحِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ
بِالْحَجِّ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَجْزَاهُ
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ فِي الْحَجِّ
وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيُوصِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنْ هُوَ لَمْ يُوصِ
فَحَجَّ عَنْهُ وَلَدُهُ فَحَسَنٌ فَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَقْضِيهِ
قَالَ وَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِذِي الْقَرَابَةِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ قَرَابَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَا قَرَابَةَ لَهُ فَمَوَالِيهِ
إِنْ كَانَ لَهُ مَوَالِي فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا تَطَوُّعًا فَلَا بَأْسَ
قَالَ سُفْيَانُ وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَلْيُحَجَّ عَنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَحُجَّ
عَنْ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَحُجَّ عن نفسه
وقال بن أَبِي لَيْلَى والْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ وَيَجْزِيهِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَيِّتِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ
نَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
وَقَالَ لَا يَحُجُّ عَنِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ
وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنِ الرَّجُلِ وَلَا يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ
الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ وَالرَّجُلَ لَا يَلْبَسُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحُجُّ عَنِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ حَجَّ عَنِ الْمَيِّتِ
صَرُورَةً كَانَتْ نِيَّتُهُ لِلنَّفْلِ لَغْوًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ جَائِزٌ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي الْحَجِّ وَلَسْتُ أَكْرَهُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْرَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ
وَهَكَذَا كَانَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِرَاقِ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَا يَصِحُّ
أَنْ يَعْمَلَهُ غَيْرُ الْمُتَقَرِّبِ بِهِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ
مُسْلِمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ لِلْمُسْلِمِ
وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى كَتْبِ الْمُصْحَفِ وَبِنَاءِ
الْمَسْجِدِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ وَصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)
فَكَذَلِكَ عَمَلُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ
وَالصَّدَقَاتُ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَقَدْ أَبَاحَ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا الْأَجْرَ عَلَى عِمَالَتِهِ
وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي احْتِجَاجِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ
عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ إِجْمَاعُهُمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ فِي التَّطَوُّعِ
بِالْحَجِّ وَهُمْ يُحَرِّمُونَهُ لِلْمُسْلِمِ فِي التَّطَوُّعِ فَكَذَلِكَ الْفَرْضُ
وَفِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا رَدٌّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ فِي قَوْلِهِ
أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَحُجَّ عَنِ الرَّجُلِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ
وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ أَبَى مِنْ جَوَازِ حَجِّ الرَّجُلِ وَهُوَ صَرُورَةٌ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَحُجَّ عَنْ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168
نَفْسِهِ مَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ
قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ بن أبي
عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ
لِي فَقَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لَا قَالَ فَحُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ
وَمَنْ أَبَى الْقَوْلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى بن عَبَّاسٍ
أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ الْحَدِيثَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا يَذْكُرُ عَزْرَةَ
وَالَّذِي يَقْبَلُهُ يَحْتَجُّ بِأَنَّ الَّذِي رفَعَهُ حَافِظٌ قَدْ حَفِظَ مَا فَسَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَوَجَبَ قَبُولُ
زِيَادَتِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ هُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ