مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ هِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ (...) |
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ هِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَبِيتُونَ فِيهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ يَأْتُوهَا مِنْ عَرَفَةَ فَيَجْمَعُونَ فِيهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيَبِيتُونَ بِهَا وَيُصَلُّونَ الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْفَعُونَ مِنْهَا إِلَى مِنًى وَذَلِكَ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنِ بن عُمَرَ وَعُرْوَةَ هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا يَخْتَلِفُونَ وَقَدْ رُوِيَ بِهِ أَثَرٌ مُسْنَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا رَجُلًا يُدْعَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْمَرَ الدِّيلِيُّ أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ - يَعْنِي الثَّوْرِيَّ - عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَأَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْحَجِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ عَرَفَةُ مَنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ تَمَّ حجه ورواه بن عُيَيْنَةَ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ وَلَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِعَرَفَةَ ثُمَّ ارْتَفَعَ فَوَقَفَ بِجِبَالِهَا دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَوَقَفَ معه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَيْقَنَ غُرُوبَهَا وَبَانَ لَهُ ذَلِكَ دَفَعَ منها إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ سُنَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْعَمَلُ بِهَا وَأجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفَاضَ مِنْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِوُقُوفِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَيَقِفُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ يَقِفُ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ أَقَلَّ وُقُوفٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا عَلَى مَنْ وَقَفَ فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ مَالِكٌ إِنْ دَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا وَإِنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلا إنهم اختلفوا في وجوب الد م عَلَيْهِ إِنْ رَجَعَ فَوَقَفَ لَيْلًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ عَادَ إِلَى عَرَفَةَ حَتَّى يَدْفَعَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَجْزَأَتْ حَجَّتُهُ وَأَهْرَاقَ دَمًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ إِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ وَكَانَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ الْوُقُوفُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ دَمٌ وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فِي الدَّمِ وَتَمَامِ الْحَجِّ إِلَّا أَنَّ الحسن البصري وبن جُرَيْجٍ قَالَا لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا بَدَنَةٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ الثِّقَاتِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ مِنْهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ وَمُطَرِّفٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَمْعٍ فَقُلْتُ هَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَمَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى نُفِيضَ وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ أَنَّهُ حَجَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُدْرِكِ النَّاسَ إِلَّا لَيْلًا وَهُوَ بِجَمْعٍ فَانْطَلَقَ إِلَى عَرَفَاتٍ لَيْلًا فَأَفَاضَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَمْعٍ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْمَلْتُ نَفْسِي وَأَنْصَبْتُ رَاحِلَتِي فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ مَنْ صَلَّى مَعَنَا الْغَدَاةَ بِجَمْعٍ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نُفِيضَ وَقَدْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَوْقِفِ يَعْنِي بِجَمْعٍ فَقُلْتُ جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَبَلَيْ طيء أكلت مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يَقْضِي بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يُفِضْ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَا حَجَّ لَهُ وَمَنْ أَفَاضَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَهَارًا لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ إِنَّمَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ إِعْلَامٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن الوقوف بالنهار لَا يَضُرُّهُ إِنْ فَاتَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَالسَّائِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِالنَّهَارِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِاللَّيْلِ فَأَعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِاللَّيْلِ وَقَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِالنَّهَارِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّ حَجُّهُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَقِفَ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ قَالَ وَلَوْ حُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ بِجَمْعٍ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ وَقَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَلَيْلًا فَسَكَتَ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَلَيْلًا لِعِلْمِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَفَ نَهَارًا وَأَخَذَ مِنَ اللَّيْلِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِذِكْرِ النَّهَارِ اتِّصَالَ اللَّيْلِ بِهِ قَالَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مَعْنَى لَيْلًا وَنَهَارًا فَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْوُقُوفُ وَاجِبًا لَيْلًا وَنَهَارًا ولم يغن أحدهما عن صاحبه وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا يُجْزِئُ عَنِ الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ إِلَّا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَهُوَ مُسِيءٌ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ دَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا عَلَيْهِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ إِلَّا مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ وَالْفَرْضَ عِنْدَهُ الْوُقُوفُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَعِنْدَ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ كَمَا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَارًا يَتَّصِلُ لَهُ بِاللَّيْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَرْضٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَنَازُعِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُفْتَرَضِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمْعٍ وَكَانَ قَدْ أَتَى قَبْلَ ذَلِكَ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يُوجِبُ أَنَّ مُشَاهَدَةَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِدْرَاكَ الصَّلَاةِ فِيهِ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 فَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عن بن الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا مَنْ لم يزل بِالْمُزْدَلِفَةِ وَفَاتَهُ الْوُقُوفَ بِهَا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَنْهُ أَنَّ الْوُقُوفَ بِهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مَنْ فَاتَتْهُ الْإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِيَحُجَّ قَابِلًا وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ المشعر الحرام) البقرة 198 وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَدْرَكَ جَمْعًا وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ قَبْلَ ذَلِكَ عَرَفَاتٍ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الْمُؤَكَّدَةِ وَلَيْسَ مِنْ فُرُوضِهَا وَتَفْصِيلُ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ مَنْ لَمْ يُنِخْ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا وَتَقَدَّمَ إِلَى مِنًى وَرَمَى الْجَمْرَةَ فَإِنَّهُ يُهَرِيقُ دَمًا فَإِنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ وَتَرَكَ الْوُقُوفَ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدَ أَجْزَأَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلَمْ يَقِفْ بِهَا وَلَمْ يَمُرَّ بِهَا وَلَمْ يَبِتْ بِهَا فعليه دم قالوا وإن بَاتَ بِهَا وَتَعَجَّلَ فِي اللَّيْلِ رَجَعَ إِذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَقِفَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ يُصْبِحَ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالُوا وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ غُلَامًا صَغِيرًا فَتَقَدَّمُوا بِاللَّيْلِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ نَزَلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَخَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا لِيَقِفَ بِهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُصْبِحْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ قَالَ وَإِنَّمَا حَدَّدْنَا نِصْفَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِضَعَفَةِ أَهْلِهِ أَنْ يَرْحَلُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي أَنْ لَا يُصْبِحُوا بِهَا وَلَا يَقِفُوا مَعَ الْإِمَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَالْفَرْضُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْقَوِيِّ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ نَاظِرٌ لِمَوْضِعِ الْفَضْلِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ وَقَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ قَالَ وَمَا كَانَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَهُوَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْزِلْ بِجَمْعٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنَّ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ ارْتَحَلَ بِلَيْلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ عَنْهُ بن جُرَيْجٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّمَا جَمْعٌ مَنْزِلٌ تَذْبَحُ فِيهِ إِذَا جِئْتَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمْعٍ وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ لَيْلًا وَلَمْ يَشْهَدُوا مَعَهُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ الِاخْتِيَارِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلًا وَدَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ الصُّبْحِ أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاتَ بِهَا وَنَامَ عَنِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى فَاتَتْهُ أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ فَلَوْ كَانَ حُضُورُ الصَّلَاةِ مَعَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ صُلْبِ الْحَجِّ وَفَرَائِضِهِ مَا أَجْزَأَهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّ مُشَاهَدَةَ الصَّلَاةِ بِجَمْعٍ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَسُنَنُ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهَا مَنْ عَلَيْهِ فِعْلُهَا وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) الْبَقَرَةِ 198 وَقَوْلُهُمْ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةَ جَمِيعًا مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَاتَ فِيهَا بَعْضَ اللَّيْلِ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَلَى أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ بِهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الذِّكْرُ الْمَنْصُوصُ عليه من أيام الْحَجِّ فَالْمَبِيتُ وَالْوُقُوفُ أَحْرَى بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الَّذِي يَقِفُ بِعَرَفَةَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا أَحْرَمَ ثُمَّ أُغْمَى عَلَيْهِ وَوُقِفَ بِهِ مُغْمًي عَلَيْهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَنْ وَقَفَ بِهَا مُغْمًى عَلَيْهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ عَمَلُ الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَدْخُلُ عَرَفَةَ في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 وَقْتِهَا وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إِلَّا وَهُوَ يَعْقِلُ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَةُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُجْزِئُهُ حَكَى أَبُو ثَوْرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَاقِفًا إِلَّا بِإِرَادَةٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يتأدى الفرض عن من لَمْ يَقْصِدْ إِلَيْهِ وَلَا عَلِمَهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَاهِبُ الْعَقْلِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ وَالْإِخْلَاصُ الْقَصْدُ بِالنِّيَّةِ إِلَى أَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ يُخْطِئُونَ الْعَدَدَ فَيَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ على ثلاثة أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ إِنْ وَقَفُوا قَبْلُ لَمْ يُجْزِهِمْ وَإِنْ وَقَفُوا بَعْدُ أَجْزَأَهُمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُجْزِيهِمُ الْوُقُوفُ قَبْلُ وَبَعْدُ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِمُ الْوُقُوفُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُمْ قَبْلُ وَبَعْدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَبَعْضُهُمْ قَالَ يُجْزِئُهُمْ بَعْدُ وَلَا يُجْزِئُهُمْ قَبْلُ قِيَاسًا عَلَى الْأَسِيرِ تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الشُّهُورُ فَيَصُومُ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بَعْدُ وَلَا يُجْزِئُهُ قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُمْ قَبْلُ وَبَعْدُ قِيَاسًا عَلَى الْقِبْلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ لَا يُجِيزَانِ الْوُقُوفَ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عن بن الْقَاسِمِ قَالَ إِذَا أَخْطَأَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ فَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 وُقُوفُهُمْ بِعَرَفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ مَضَوْا عَلَى أَمَلِهِمْ وَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ وَيَنْحَرُونَ مِنَ الْغَدِ وَيَعْمَلُونَ عَمَلَ الْحَجِّ وَلَا يَتْرُكُوا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا يَنْفَضُّوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَجْعَلُونَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْغَدِ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ وَيَكُونُ حَالُهُمْ فِي مِيقَاتِهِمْ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُخْطِئْ قَالَ وَإِذَا أَخْطَؤُوا بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِعَرَفَةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَعَادُوا الْوُقُوفَ مِنَ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ نَفْسِهِ وَلَمْ يُجْزِهِمُ الْوُقُوفَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَالَ سَحْنُونُ اخْتَلَفَ قَوْلُ بن الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَقَفَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سَحْنُونَ أَيْضًا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي أَهْلِ الْمَوْسِمِ ينزل مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ وَهُرُوبُهُمْ مِنْ عَرَفَةَ وَلَمْ يُعِدِ الْوُقُوفَ قَالَ يُجْزِئُهُمْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا هَذَا فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ يَغْلَطُونَ فِي الْهِلَالِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِذَا أَخْطَأَ الْعَدَدَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ لَزِمَهُ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ مَا يَلْزَمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَاجْتِهَادُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ اجْتِهَادٌ وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْطَأَ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ مِصْرِهِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْمُنْفَرِدِ فِي مَوْضِعِهِ وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَاجْتِهَادُهُمْ سَائِغٌ وَالْحَرَجُ عَنْهُمْ سَاقِطٌ لِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَضْحَاكُمْ حِينَ تُضَحُّونَ وَفِطْرُكُمْ حِينَ تُفْطِرُونَ فَأَجَازَ الْجَمِيعُ اجْتِهَادَهُمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَعْتِقُ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فإن ذلك لا يجزئ عنه من حج الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يَعْتِقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ ويكون عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ الصَّبِيَّ يُحْرِمُ مُرَاهِقًا ثُمَّ يَحْتَلِمُ وَهُوَ ذلك عندهم حكم الْعَبْدِ سَوَاءً وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ هَذَا وَيَعْتِقُ هَذَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ بِرَفْضِ تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ وَيَتَمَادَيَانِ عَلَى إِحْرَامِهِمَا وَلَا يُجْزِيهِمَا حَجُّهُمَا ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ بِالْحَجِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بعرفة أَنَّهُمَا يَسْتَأْنِفَانِ الْإِحْرَامَ وَيُجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الْعَبْدِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ دَمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا مُحْرِمًا أَجْزَاهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إِذَا أَحْرَمَ ثُمَّ عَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فوقف بها محرما أجزاه من حجة الإسلام وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَجْدِيدِ إِحْرَامِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قال ولو أُعْتِقَ الْعَبْدُ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بِهَا فَرَجَعَا إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ فَأَدْرَكَا بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَزَتْ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَمٌ وَلَوِ احْتَاطَا فَأُهْرِقَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنِ عِنْدِي قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَمْرُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فإتمامه حَجَّهُ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا لِقَوْلِهِ (عَزَّ وجل) (وأتموا الحج والعمرة لله) البقرة 196 وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ فَلَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي كان فيه لما لم يكن يجزئ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنِ الْفَرْضُ لَازِمًا لَهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهِ ثُمَّ لَزِمَهُ حِينَ بَلَغَ اسْتَحَالَ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْ فَرْضٍ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِنَافِلَةٍ وَيُعَطِّلُ فَرْضَهُ كَمَنْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبَةُ فَخَشِيَ فَوْتَهَا قَطَعَ النَّافِلَةَ وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَأَحْرَمَ لَهَا وَكَذَلِكَ الْحَجُّ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِحْرَامَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَلْزَمُهُ الْعِبَادَاتُ وَيُجْزِيهِ حَجُّهُ عِنْدَ بعض الناس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَالْجُمْهُورُ مُتَّفِقُونَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إِلَّا مُحْرِمًا وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَلَا غَيْرُهُ فَافْتَرَقَا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي إِسْقَاطِ النِّيَّةِ بِأَنَّهُ جَائِزٌ لِكُلِّ مَنْ نَوَى بِإِهْلَالِهِ الْإِحْرَامَ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أَصْحَابَهُ الْمُهِلِّينَ بِالْحَجِّ أَنْ يَفْسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى أَهَلَلْنَا بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنَّ إِهْلَالَهُمَا عَلَى إِهْلَالِهِ كَائِنًا مَا كَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ كَالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ |