قوله : ( ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ، ونقول : نبي واحد أفضل من جميع الأولياء )
 
ش : يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة ، وإلا فأهل الإستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع . فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل ، قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ، إلى أن قال : ويسلموا تسليماً . وقال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . قال أبو عثمان النيسابوري : من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً ، نطق بالحكمة ، ومن أقر الهوى على نفسه ، نطق بالبدعة . وقال بعضهم : ما ترك بعضهم شيئاً من السنة إلا لكبر في نفسه . والأمر كما قال ، فإنه إذا لم يكن متبعاً للأمر الذي جاء به الرسول ، كان يعمل بإرادة نفسه ، فيكون متبعاً لهواه ، بغير هدى من الله ، وهذا غش النفس ، وهو من الكبر ، فإنه شبيه بقول الذين قالوا : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته . وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة ، وتصفية نفسه ، إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم ! ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء !! ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ! ! ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء ! ! ويكون ذلك [ العلم هو ] حقيقة قول فرعون ، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه ، ليس له صانع مباين له ، لكن هذا يقول : هو الله ! وفرعون أظهر الإنكار بالكلية ، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم ، فإنه كان مثبتاً للصانع ، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق ، كابن عربي وأمثاله ! ! وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال : النبوة ختمت ، لكن الولاية لم تختم ! وادعى من الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين ، وأن الأنبياء مستفيدون منها ! كما قال :
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي !
وهذا قلب للشريعة ، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين ، كما قال تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون . والنبوة أخص من الولاية ، والرسالة أخص من النبوة ، كما تقدم التنبيه على ذلك . وقال ابن عربي أيضاً في فصوصه :
ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة ، فكان هو صلى الله عليه وسلم موضع اللبنة ، [ غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها ، كما قال : لبنة واحدة ] ، وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤية ، فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين ! ! ويرى نفسه تنطبع في موضع اللبنتين ، فتكمل الحائط ! ! والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين : أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو أخذ عن الله في الشرع ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه ، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه ، فلا بد أن يراه هكذا ، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ! فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع ! فمن أكفر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب ، وللرسل المثل بلبنة فضة ، فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسل ؟! تلك أمانيهم : إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه . وكيف يخفى كفر من هذا كلامه ؟ وله من الكلام أمثال هذا ، وفيه ما يخفى منه الكفر ، ومنه ما يظهر ، فلهذا يحتاج إلى نقد جيد ، ليظهر زيفه ، فإن من الزغل ما يظهر لكل ناقد ، ومنه ما لا يظهر إلا للناقد الحاذق البصير . وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله . ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة ، اتحادية في الدرك الأسفل من النار ، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين ، لإظهارهم الإسلام ، كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويبطنون الكفر، وهو يعاملهم معاملة المسلمين لما يظهر منهم . فلو أنه ظهر من أحد منهم ما يبطنه من الكفر ، لأجرى عليه حكم المرتد . ولكن في قبول توبته خلاف ، والصحيح عدم قبولها ، وهي رواية معلى عن أبي حنيفة رضي الله عنه . والله المستعان