مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قُرَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ
فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ تَعَالَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قُرَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ
فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ
أَنَا وَأَنْتَ قَالَ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ
فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي
فَقَالَ لَا فَقَالَ لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375
لَأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكُ وتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ
مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) الْمَائِدَةِ 95 وَهَذَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أمر بن وَضَّاحٍ بِطَرْحِ عَبْدِ الْمَلِكِ اسْمِ شَيْخِ مَالِكٍ في هذا الحديث فقال
اجعله عن بن قُرَيْرٍ وَكَذَلِكَ رِوَايَتُهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عن بن قُرَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ
وَهُوَ عِنْدُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ خَطَأٌ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ قُرَيْرٍ لَا يُعْرَفُ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهِمَ مَالِكٌ فِي اسمه شك فِي اسْمِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
قُرَيْرٍ وَهُوَ الْأَصْمَعِيُّ
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا وَهِمَ مَالِكٌ فِي اسْمِهِ لَا فِي اسْمِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
قُرَيْرٍ رجل بصري يروي عن بن سِيرِينَ أَحَادِيثَ هَذَا مِنْهَا
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ لَمْ يَهِمْ مَالِكٌ فِي اسْمِهِ وَلَا فِي اسْمِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُرَيْرٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ أَخُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قُرَيْرٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الرَّجُلُ مَجْهُولٌ وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ مَحْفُوظٌ من رواية البصريين والكوفيين
عمر
رواه بن جَابِرٍ وَرَوَاهُ عَنْ قَبِيصَةَ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَارِبٍ الثَّقَفِيُّ
وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ سِيَاقَةً لَهُ
وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ
بْنُ الْحَجَّاجِ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْمَسْعُودِيُّ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ
ذَكَرَهَا كُلَّهَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ سُفْيَانَ
فَحَدَّثْنَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ
قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ مُحْرِمًا قَتَلَ ظَبْيًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْبَحْ شَاةً وَأَهْرِقْ دَمَهَا وَأَطْعِمْ
لَحْمَهَا وَأَعْطِ إِهَابَهَا رَجُلًا يَتَّخِذُهُ سِقَاءً
هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ مُخْتَصَرًا وَاخْتَصَرَهُ أَيْضًا شُعْبَةُ إِلَّا أَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ حَدِيثِ الثوري
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376
قَالَ عَلِيٌّ حَدَّثْنَا هِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ
قَالَ سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ خَرَجْتُ حَاجًّا أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَأَيْنَا ظَبْيًا فَقَالَ لِي
صَاحِبِي أَوْ قُلْتُ لَهُ تَرَاكَ تَبْلُغُهُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ أَحْشَاءَهُ فَقَتَلَهُ فَأْتَى عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَقَالَ مَا أَدْرِي فَضَحِكَ عَمَرُ
وَقَالَ اعْمَدْ إِلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا ثُمَّ تَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا وَاجْعَلْ إِهَابَهَا سِقَاءً
قَالَ عَلِيٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ فَحَدَّثْنَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عن عبد
الملك بن عمير قَالَ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ كنت محرما فرأيت ظبيا
فرميته فأصبت خشاه يَعْنِي أَصْلَ قَرْنِهِ فَرَكِبَ رَدْعَهُ قَالَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ
شَيْءٌ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَسْأَلُهُ فَوَجَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ رَجُلًا أَبْيَضَ رَقِيقَ الْوَجْهِ وَإِذَا
هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَسَأَلْتُ عُمَرَ فَالْتَفَتَ عُمَرُ إِلَى الذي إلى جَنْبِهِ قَالَ أَتُرَى
شَاةً تَكْفِيهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَذْبَحَ شَاةً فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ لِي صَاحِبِي إِنَّ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُفْتِيَكَ حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلَ قَالَ فَسَمِعَ عَمَرُ بَعْضَ كَلَامِهِ
فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ ضَرْبًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ لِيَضْرِبَنِي فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أَقُلْ شَيْئًا إِنَّمَا
هُوَ قَالَهُ قَالَ فَتَرَكَنِي ثُمَّ قَالَ أَتَقْتُلُ الْحَرَامَ وَتَتَعَدَّى الْفُتَيَا ثُمَّ قَالَ إِنْ فِي الْإِنْسَانِ
عَشَرَةَ أَخْلَاقٍ تِسْعَةٌ حَسَنَةٌ وَوَاحِدٌ سَيِّئٌ فَيُفْسِدُهَا ذَلِكَ السَّيِّئُ ثُمَّ قَالَ إِيَّاكَ وَعَثَرَاتِ
اللِّسَانِ
قَالَ عَلِيٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ وَالْمَسْعُودِيِّ فَحَدَّثَنَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ
قَالَ عَلِيٌّ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَحُجُّ عَلَى الرِّحَالِ وَإِنَّا لَفِي عِصَابَةٍ كُلُّهَا
مُحْرِمُونَ نَتَمَاشَى بَيْنَ أَيْدِي رِكَابِنَا وَقَدْ صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ وَنَحْنُ نَقُودُهَا إِذْ تَذَاكَرَ الْقَوْمُ
الظَّبْيُ أسرع أم الْفَرَسِ فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ سَنَحَ لَنَا ظَبْيٌ أَوْ بَرِحَ فَأَخَذَ بَعْضُ
الْقَوْمِ حَجَرًا فَرَمَاهُ فَمَا أَخْطَأَ حَشَاهُ فَرَكِبَ رَدْعَهُ مَيِّتًا فَأَقْبَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا
فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْقَاتِلُ إِلَى عُمَرَ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ أَخْطَأً
أَمْ عَمْدًا قَالَ وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ خَطَأً وَلَا عَمْدًا لِأَنِّي تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ وَمَا أَدْرِي قَتْلَهُ فَضَحِكَ
عُمَرُ وَقَالَ مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ أَشْرَكْتَ الْخَطَأَ مَعَ الْعَمْدِ فَقَالَ هَذَا حُكْمٌ وَيَحْكُمُ بِهِ ذَوَا
عَدْلٍ مِنْكُمْ ثم التفت إلى رجل إلى جَنْبَهُ كَأَنَّهُ قَلْبُ فِضَّةٍ وَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى قَالَ فَاتَّفَقَا عَلَى شَاةٍ فَقَالَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377
عُمَرُ لِلْقَاتِلِ خُذْ شَاةً وَأَهْرِقْ دَمَهَا وَأَطْعِمْ لَحْمَهَا وَاسْقِ إِهَابَهَا رَجُلًا يَجْعَلُهُ سِقَاءً
قَالَ وَمَا أَشَدَّ حُكْمَهَا مِنَّا
قَالَ فَلَمَّا خَرَجْتُ أنا والقاتل قلت له أيها المستفتى بن الْخَطَّابِ إِنَّ عُمَرَ مَا دَرَى مَا
يُفْتِيكَ حتى سأل بن عَوْفٍ فَلَمْ أَكُنْ قَرَأْتُ الْمَائِدَةَ وَلَوْ كُنْتُ قَرَأْتُهَا لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ وَاعْمَدْ
إِلَى نَاقَتِكَ فَانْحَرْهَا فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ شَاةِ عُمَرَ
قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فَسَمِعَهَا عُمَرُ
وَقَالَ جَرِيرٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَمَا شَعَرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا فَلَبَّبَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا يُقَادُ إِلَى عُمَرَ
قَالَ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَامَ وَأَخَذَ الدِّرَّةَ ثُمَّ أَخَذَ بِتَلَابِيبِ الْقَاتِلِ فَجَعَلَ يُصَفِّقُ رَأْسَهُ حَتَّى
عَدَدْتُ لَهُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ قَاتَلَكَ اللَّهُ أَتَعَدَّى الْفُتَيَا وَتَقْتَلُ الْحَرَامَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَأَخَذَ بِتَلَابِيبِي
فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ مِنِّي شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيَّ فَأَرْسَلَ تَلَابِيبِي
وَرَمَى بِالدِّرَّةِ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي أَرَاكَ شَابَّ السِّنِّ فَصِيحَ اللِّسَانِ إِنَّ الرَّجُلَ تَكُونُ
عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَخْلَاقٍ تِسْعَةٌ صَالِحَةٌ وَخُلُقٌ سَيِّئٌ فَيُفْسِدُ الْخُلُقُ السَّيِّئُ التِّسْعَةَ إِيَّاكَ
وَعَثَرَاتِ اللِّسَانِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَا جَمَعْتُ حَدِيثَ جرير وحديث المسعودي وأتيت بمعناهما كَامِلًا
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَأَتَى بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا
قَالَ عَلِيٌّ سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بْنَ الْمُثَنَّى عَنْ سَنَحٍ أَوْ بَرِحٍ فَقَالَ السُّنُوحُ مَا جَاءَ
عَلَى الْيَسَارِ وَالْبُرُوحُ مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ
إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَتْلَ ذَلِكَ الظَّبْيِ كَانَ خَطَأً
وَفِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمْدِ لِقَوْلِهِ مَنْ رَمَاهُ فَأَصَابَ حَشَاهُ أَوْ
خُشَشَاءَهُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَتِهِ مَا أَدْرِي خَطَأً أَمْ عَمْدًا لِأَنِّي تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ وَمَا أَرَدْتُ
قَتْلَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا فِي قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً
فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وجماعة الفقهاء أهل الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ
وَالثَّوْرِيُّ والْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا قَتْلُ الصَّيْدِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ الْجَزَاءُ إِلَّا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الْمَائِدَةِ 95
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً وَأَمَّا الْعَمْدُ فَلَا
كَفَّارَةَ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِقَتْلِهِ
نَاسٍ لِإِحْرَامِهِ
وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ
مُتَعَمِّدًا) الْمَائِدَةِ 95 فَإِنَّ مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ يَقُولُ إِذَا
كَانَ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَزَاءٌ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ
وَأَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا دَلِيلُ الْخِطَابِ يَقْضِي أَنَّ حُكْمَ مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً بِخِلَافِ حُكْمِ مَنْ
قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ التَّعَمُّدِ مَعْنًى
وَاسْتَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ
وروي عن بن عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ هَذَا الْمَعْنَى
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ
وَأَمَّا وَجْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيفُ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ
الصَّحَابَةَ رِضَى اللَّهُ عنهم منهم عمر وعثمان وعلي وبن مَسْعُودٍ قَضَوْا فِي الضَّبُعِ
بِكَبْشٍ وَفِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَفِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ فِي ذَلِكَ
بَلْ رَدَّ أَحَدُهُمْ عَلَى حَمَامَةٍ فَمَاتَتْ فَقَضَوْا عَلَيْهِ فِيهَا بِالْجَزَاءِ
وَكَذَلِكَ حَكَمُوا فِي مَنْ أَكَلَ مِمَّا صِيدَ من أجله بالجزاء
ومن جهة النَّظَرِ أَنَّ إِتْلَافَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ
وَالْخَطَأُ وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا أَنَّ أَمْوَالَ بَعْضِ
الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى بَعْضٍ
وَكَذَلِكَ الدِّمَاءُ لَمَّا كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَجَعَلَ اللَّهُ فِي الْخَطَأِ مِنْهَا
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379
الْكَفَّارَةَ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ
لَيْسَ فِي إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْمَآثِمِ
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا خَرَجَ ذِكْرُ الْعَمْدِ عَلَى الْأَغْلَبِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
ذَكَرَ عَبْدُ الرزاق قال أخبرنا معمر الزُّهْرِيِّ قَالَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَهُوَ فِي الْخَطَأِ
سُنَّةٌ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ وَبِهِ نَأْخُذُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا قَوْلٌ شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
بِالْأَمْصَارِ إِلَّا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ)
الْمَائِدَةِ 95
قَالَ دَاوُدُ لَا جَزَاءَ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَإِنْ عَادَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جبير وقتادة
ورواية عن بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعُودُ قَالَ لَا
يُحْكَمُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَقَمَ مِنْهُ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنْ عَادَ لَمْ يَتْرُكْهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الْمَائِدَةِ 95
وَظَاهِرُ هَذَا يُوجِبُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ الْجَزَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ وَقْتًا دُونَ
وَقْتٍ وَلَيْسَ فِي انْتِقَامِ اللَّهِ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجَزَاءَ لِأَنَّ حُسْنَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْمَرَّةِ
الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ
وَقَدْ قِيلَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ انْتِقَامًا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) الْمَائِدَةِ 95
وَالْمَعْنَى عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ يُرِيدُ مَنْ عَادَ فِي
الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ مِنْهُ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي شَرِيعَةٍ مَنْ قَبْلَهَا مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ جَزَاءٌ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تعالى (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ
مِنَ الصَّيْدِ تناله أيديكم ورماحكم) الْمَائِدَةِ 94 فَكَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ
الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380
عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْرِيمَ الْحُرُمِ وَلَمْ يَكُنْ جَزَاءٌ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ
تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) الْمَائِدَةِ 95
مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ
إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحُكْمَ فِيمَا مضت به من السلف حكومة أم لَا
فَقَالَ مَالِكٌ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَا مَضَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ وَفِيمَا لَمْ تَمْضِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إِذَا اجْتَزَأَ بِحُكْمِ مَنْ مَضَى فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ
وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ عَنْهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قِيلَ لِمَالِكٍ أَتَرَى أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ عُمَرُ يَعْنِي لَازِمًا فِي الظَّبْيِ شَاةٌ
فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَ عُمَرُ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ تُسْتَأْنَفَ فِي ذَلِكَ حُكُومَةٌ وَقَدْ قال إني لا
أرى أَنْ يُصِيبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ شَاةٌ