وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلِ شِدَّةٍ (...)
 
وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا
وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وأن الله تعالى يقول في كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آلِ عِمْرَانَ 200
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مُتَّصِلًا عَنْ عُمَرَ بِأَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ قال حدثنا بقي قال حدثنا
أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
جَاءَ أَبُو عُبَيْدَةَ الشَّامَ حَضَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ شِدَّةٌ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا مَخْرَجًا
ولن يغلب عسر يسرين وكتب إليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آلِ عِمْرَانَ 200 فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي
الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) إِلَى قَوْلِهِ (مَتَاعُ الْغُرُورِ) الْحَدِيدِ 20 فَقَرَأَهُ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ
يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَعْرِضُ لكم ويحض الناس على الجهاد
قال زيد قال إني لقائم في السوق إذ أَقْبَلَ قَوْمٌ يَنُصُّونَ قَدِ اطَّلَعُوا مِنَ التِّيهِ فِيهِمْ
حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يُبَشِّرُونَ النَّاسَ قَالَ فَخَرَجْتُ نَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَقُلْتُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَبْشِرْ بِنَصْرِ اللَّهِ وَالْفَتْحِ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ رُبَّ قَائِلٍ لَوْ كَانَ خَالِدَ
بْنَ الْوَلِيدِ!
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَشُورَةِ فِي أُمُورِهِمْ وَقَدْ أَتَى اللَّهُ
عَلَى مَنْ كَانَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاوِرُ
أَصْحَابَهُ فِي الْحُرُوبِ لِيُقْتَدَى بِهِ
وَفِيهِ أَنَّ الرَّئِيسَ حق عليه الحذر على جيشه وأن لا يُقْدِمَهُمْ عَلَى الْهَلَكَةِ وَلِذَلِكَ
أَوْصَى بَعْضُ السَّلَفِ من الأمراء أمير جيشه فَقَالَ لَهُ كُنْ كَالتَّاجِرِ الْكَيِّسِ الَّذِي لَا
يَطْلُبُ رِبْحًا إِلَّا بَعْدَ إِحْرَازِ رَأْسِ مَالِهِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18
فَهَذَا مَعْنَى كِتَابِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا جَوَابُ عُمَرَ فَجَوَابُ مُؤْمِنٍ مُوقِنٍ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
ظُهُورِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَأَنَّهُ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ دِيَارُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ
بِالصَّبْرِ وَانْتِظَارِ الْفَرَجِ
وَهُوَ أَمْرٌ لَهُ بِالْبَقَاءِ لِأَنَّهُ أَدْرَبَ وَصَارَ فِي بِلَادِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ((لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا)) وَيُرْوَى فَاصْبِرُوا
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَاتِبِهِ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا
وَاعْلَمُوا أن الجنة تحت ظلال السيوف))
ورواه بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وقال فِيهِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا فَإِنْ
جَلَبُوا وَصَاحُوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعِيشَ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا محمد بن غالب قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ
الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا))
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَيَعِيشُ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا
عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لا تتمنوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا
اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ))
وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قِيَادَةَ الْجُيُوشِ بِالشَّامِ فِي أَوَّلِ وِلَايَتِهِ وعزل
خالد بن الوليد عنها وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَكَانَتِ الْيَرْمُوكُ سَنَةَ خمس
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19
عشرة فاجتمعت الروم في جمع لم تَجْتَمِعْ فِي مِثْلِهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ قَالَ بن إسحاق في
مائة ألف
وقال بن الكلبي في ثلاث مائة ألف وعليهم ما هانو - رَجُلٌ ((مِنَ الْبَابَا وَمَنْ كَانَ
تَنَصَّرَ وَلَحِقَ بِالرُّومِ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ فِي رَجَبٍ فَنَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُمْ وَحَضَرَتْ
أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ زَوْجِهَا الزُّبَيْرِ فَحَدَّثَتْ قَالَتْ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَدُوِّ يَمُرُّ
لِيَسْعَى فَتُصِيبُ قَدَمَاهُ عُرْوَةَ أَطْنَابِ خِبَائِي فَيَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ مَيِّتًا مَا أَصَابَ السِّلَاحَ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ قَالَ رَأَيْتُ
الرَّجُلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنَ الْعَدُوِّ فَيَسْقُطُ فَيَمُوتُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَوْ أَنِّي أَضْرِبُ أَحَدَهُمْ
بِطَرَفِ رِدَائِي ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَمُوتُ وَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْغَمِّ الشَّدِيدِ الَّذِي كَانَ نَزَلَ
بِهِمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ فَإِنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يسرا إن مع العسر يسرا) الشَّرْحِ 5 6
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ إِنَّ النَّكِرَةَ إِذَا ثُنِّيَتْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ فَقَوْلُهُ
يُسْرًا وَيُسْرًا يُسْرَانِ وَالْعُسْرُ وَالْعُسْرُ عُسْرٌ وَاحِدٌ كَأَنَّهُ جَاءَ لِلتَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ هَكَذَا
قَالُوا أَوْ مَعْنَاهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يا أيها الذين ءامنوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آلِ عِمْرَانَ 200 مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ
كَعْبٍ القرظي
رواه بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ في هذه الآية (يا أيها الذين ءامنوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آلِ عِمْرَانَ 200 قَالَ اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ وَصَابِرُوا الْوَعْدَ الَّذِي
وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ وَرَابِطُوا عَدُوَّكُمْ وَعَدُوِّي حَتَّى يَتْرُكَ دِينَهُ لِدِينِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي مَا بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِذَا لَقِيتُمُونِي
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ سَهْلٍ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ
قَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْفَقِيهُ قَالَ حَدَّثَنَا إبراهيم بن عثمان والحسين بن الضَّحَّاكُ وَاللَّفْظُ
لِإِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِلَالٍ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن العاصي
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20
قَالَ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ
جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ مَا جَمَعَتِ الرُّومُ مِنَ الْجَمْعِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْصُرْنَا مَعَ نَبِيِّنَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ عَدَدٍ وَلَا بِكَثْرَةِ خَيْلٍ وَلَا سِلَاحٍ وَلَقَدْ كُنَّا بِبَدْرٍ وَمَا مَعَنَا
إِلَّا فَرَسَانِ وَإِنْ نَحْنُ إِلَّا نَتَعَاقَبُ الْإِبِلَ وَكُنَّا يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا مَعَنَا إِلَّا فَرَسٌ وَاحِدٌ وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُهُ وَلَقَدْ كَانَ اللَّهُ يُظْهِرُنَا وَيُعِينُنَا عَلَى مَنْ
خَالَفَنَا فَاعْلَمْ يَا عَمْرُو أَنَّ أَطْوَعَ النَّاسِ لِلَّهِ تَعَالَى أَشَدُّهُمْ بُغْضًا لِلْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مَنْ
خَافَ اللَّهَ تَعَالَى رَدَعَهُ خَوْفُهُ عَنْ كُلِّ مَا لِلَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةٌ فَأَطِعِ اللَّهَ تَعَالَى وَسَمِّ
وَمُرْ أَصْحَابَكَ بِطَاعَتِهِ فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ حُرِمَ طَاعَةَ اللَّهِ وَاحْذَرْ عَلَى أَصْحَابِكَ الْبَيَاتَ
وَإِذَا نَزَلْتَ مَنْزِلًا فَاسْتَعْمِلْ عَلَى أَصْحَابِكَ أَهْلَ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ لِيَكُونُوا نِعْمَ الَّذِينَ
يُحَرِّضُونَهُمْ وَيَحْفَظُونَهُمْ وَقَدِّمْ أَمَامَكَ الطَّائِعَ حَتَّى يَأْتُوا بِالْخَيْرِ وَشَاوِرْ أَهْلَ الرَّأْيِ
وَالتَّجْرُبَةِ وَلَا تَسْتَبِدَّ بِرَأْيِكَ دُونَهُمْ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ احْتِقَارًا لِلنَّاسِ وَمَعْصِيَةً لَهُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرْبِ وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِهَانَةَ بِأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَدْ عَرَفْنَا وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَنْصَارِ عِنْدَ مَوْتِهِ حِينَ قَالَ ((أحسنوا إلى محسنهم وجاوزوا عن
مسيئهم وقربهم منك وأدنهم واستشرهم وأشركهم فِي أَمْرِكَ وَلَا يَغِبْ عَنِّي خَبَرُكَ كُلَّ
يَوْمٍ بِمَا فِيهِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَشْبِعِ النَّاسَ فِي بُيُوتِهِمْ وَلَا تُشْبِعْهُمْ عِنْدَكَ وَتَعَايِرْ
أَهْلَ الرِّعَايَةِ وَالْأَحْدَاثِ بِالْعُقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ عَلَيْهِمْ وَلْيَكُنْ تَقَدُّمُكَ إِلَيْهِمْ فِي مَا تَنْهَى
عَنْهُ قَبْلَ الْعُقُوبَةِ تَبَرَأْ إِلَى أَهْلِ الذمة من معرتهم واعلم أنك مسؤول عَمَّا أَنْتَ فِيهِ
فَاللَّهَ اللَّهَ يَا عَمْرُو فيما أوصيك به - جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ رُفَقَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَمُدُّكَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ فَلَهُ
مَدَدٌ فِي الْحَرْبِ وَهُوَ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يُخَالِفُ وَشَاوِرْهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ