مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عن الأنفال فقال بن عَبَّاسٍ الْفَرَسُ مِنَ النَّفْلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ قال
ثم عاد الرجل لمسألته فقال بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ
اللَّهُ فِي (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عن الأنفال فقال بن عَبَّاسٍ الْفَرَسُ مِنَ النَّفْلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ قال
ثم عاد الرجل لمسألته فقال بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ
اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ قَالَ الْقَاسِمُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أن يحرجه ثم قال بن
عَبَّاسٍ أَتُدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64
هَكَذَا هُوَ الْخَبَرُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ
وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ فَقَالَ فِي آخِرِهِ السَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ وَالْفَرَسُ مِنَ
النَّفْلِ يُرِيدُ أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ أَقَلَّ مِنْ قَوْلِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَهُوَ مَذْهَبُهُ
وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ شَيْخِهِ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُمْ
وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَهُوَ أَتَمُّهَا قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّفْلِ
فَقَالَ السَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ وَالْفَرَسُ مِنَ النَّفْلِ فَقَالَ الرَّجُلُ الْأَنْفَالُ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ فَأَعَادَ
عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ مِرَارًا حَتَّى كَادَ يُحْرِجَهُ
وَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُهُ مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
بِالْجَرِيدِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ محمد عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ
الْأَنْفَالِ فَقَالَ الرَّجُلُ بِنَفْلِ سَلَبِ الرَّجُلِ وَفَرَسِهِ قَالَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ
أَعَادَ عليه فقال بن عَبَّاسٍ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ
وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ
سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ السَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ وَفِي النَّفْلِ الْخُمُسُ
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسناده
وروى أبو الجويرية عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَقُولُ لَا تَحِلُّ الْغَنِيمَةُ حَتَّى تُخَمَّسَ وَلَا يَحِلُّ
النَّفْلُ حَتَّى يُقْسَمَ الْخُمُسُ
قال أبو عمر النفل الغنيمة والأنفال الغنائم
هذا ما لا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَا أَهْلِ اللُّغَةِ
قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ النَّفْلُ الْمَغْنَمُ وَالْجَمِيعُ الْأَنْفَالُ وَلِلْإِمَامِ يَنْفُلُ الْجَيْشَ إِذَا جَعَلَ لَهُمْ مَا
غَنِمُوا
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْأَنْفَالُ الْغَنَائِمُ وَقَالَتْهُ الْجَمَاعَةُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65
وَقَدْ يَكُونُ النَّفْلُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا الْعَطِيَّةَ وَالْأَنْفَالُ الْعَطَايَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الْعِبَادِ
بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ) الْأَنْفَالِ 41 نَزَلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) الْأَنْفَالِ 1 نَزَلَتْ فِي حِينِ
تَشَاجَرَ أَهْلُ بَدْرٍ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ
وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) الْأَنْفَالِ 1 قال الأنفال لله والرسول نسختها (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الْأَنْفَالِ 41
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عن
بن عباس في قوله (يسئلونك عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الْأَنْفَالِ 1 قَالَ
الْأَنْفَالُ الْمَغَانِمُ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
فأنزل الله تعالى (يسئلونك عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) لَيْسَ لَكُمْ فِيهَا شَيْءٌ
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بينكم) الأنفال 1 ثم نزلت (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الْأَنْفَالِ 41 فَقَسَّمَ الْقِسْمَةِ وَقَسَّمَ الْخُمُسَ لِمَنْ سُمِّيَ فِي الْآيَةِ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق والثوري وعبد العزيز بن محمد الداروردي عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا نَزَلَتْ
مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أيدينا
وجعل لرسول الله فقسمه رسول الله بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ
فَكَانَ ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ وَصَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ عُبَادَةَ هَذَا بِأَتَمِّ أَلْفَاظٍ فِي كِتَابِ ((الدُّرَرِ فِي اخْتِصَارِ الْمَغَازِي
وَالسِّيَرِ)) وَفِي مَعْنَى التَّشَاجُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا له
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66
قَالَ أَبُو عُمَرَ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْأَنْفَالِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه) الْأَنْفَالِ 41 عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ عَنْ مَنْ وَصَلَ
إِلَيْنَا قَوْلُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ الْحَبَشِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفَّلَ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ
وَهَذَا حَدِيثٌ آخَرُ إِسْنَادُهُ وَمَتْنُهُ غَيْرُ إِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَمَتْنِهِ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا عِنْدَ سُلَيْمَانَ
بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ إِلَّا أَنَّ مَكْحُولًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي سَلَامٍ مَمْطُورٍ
الْحَبَشِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُبَادَةَ وَرَوَى الْأَوَّلَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُبَادَةَ
وَهُمَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَيَيْنِ قَدْ حَفِظَهُمَا جَمِيعًا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَقَدْ رَوَى مِثْلَ حَدِيثِ عُبَادَةَ هَذَا عَنِ النبي - عليه السلام - حبيب بن مسلمة مِنْ
رِوَايَةِ مَكْحُولٍ أَيْضًا عَنْ زِيَادِ بْنِ جارية عن حبيب بن مسلمة
رَوَاهُ عَنْ مَكْحُولٍ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جابر من رواية بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
يَزِيدَ
وَرَوَاهُ أَيْضًا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَطَعَنَ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْهَا
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَحِّحُونَ حَدِيثَهُ بِأَنَّهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الشَّامِ وَفَقِيهٌ من جلة
فقهائهم
وأما قول بن عَبَّاسٍ فِي الْمُوَطَّأِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ عِنْدَهُ مَنْسُوخَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الْأَنْفَالِ 1 عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ (فَأَنَّ لِلًهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ) الْأَنْفَالِ 41 أَيْ لَهُ وَضْعُهَا حَيْثُ وضعها الله
وذلك قول بن عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ السَّلَبُ وَالْفَرَسُ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْفَرَسُ وَالدِّرْعُ وَالرُّمْحُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67
وقول مالك في ذلك نحو قول بن عَبَّاسٍ
قَالَ مَالِكٌ السَّلَبُ مِنَ النَّفْلِ فِي الآثار الثابتة عن النبي أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ
مُحْكَمَةٌ
وقال عطاء في قوله (يسئلونك عَنِ الْأَنْفَالِ) مَا شَذَّ عَنِ الْعَدُوِّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ
أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَتَاعٍ فَهِيَ الْأَنْفَالُ الَّتِي يَقْضِي فِيهَا الْإِمَامُ مَا أَحَبَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزهري أن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُنَفَّلُ سَلَبَ
الرَّجُلِ وَفَرَسَهُ وَقَدْ عَمِلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإِعْطَاءِ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ فِي
مَوَاطِنَ شَتَّى لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ لِلْقَاتِلِ دُونَ إِعْطَاءِ الْإِمَامِ وَنِدَائِهِ لِذَلِكَ أَوْ حتَّى
يَأْمُرَ بِهِ وَيُنَادِيَ بِهِ مُنَادِيهِ فِي الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَا
ذِكْرَهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ
وَإِنَّمَا جَعَلَ مَالِكٌ حديث بن عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مُفَسِّرًا لَهُ فِي مَعْنَى السَّلَبِ
الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ أَنَّهُ الْفَرَسُ والدرع لأن في حديث أبي قتادة أن سلب قتيله كان درعا
وزاد بن عباس من قوله الفرس وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ الرُّمْحُ
وَذَلِكَ كُلُّهُ آلَةُ الْمُقَاتِلِ وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّلَبِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ لِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ
الْمُقَاتِلِ الْمُعَمِّرَةِ الظَّاهِرَةِ الْمَسْلُوبَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السلب الذي يكون للقاتل كُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ عَلَى الْمَقْتُولِ وَكُلُّ
سِلَاحٍ عَلَيْهِ وَمِنْطَقَةٍ وَفَرَسُهُ إِنْ كَانَ رَاكِبَهُ أَوْ مُمْسِكَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَلِتًا
مِنْهُ فَلَيْسَ لِقَاتِلِهِ
قَالَ وَإِنْ كَانَ فِي سَلَبِهِ أَسْوَارُ ذَهَبٍ أَوْ خَاتَمٌ أَوْ تَاجٌ أَوْ مِنْطَقَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ فَلَوْ ذَهَبَ
ذَاهِبٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنْ سَلَبِهِ كَانَ مَذْهَبَا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ كَانَ
وَجْهًا
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمِنْطَقَةُ فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مِنَ السَّلَبِ وَالْفَرَسُ لَيْسَ مِنَ السَّلَبِ
وَقَالَ فِي السَّيْفِ لَا أَدْرِي
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْ قَالَ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالسَّلَبِ لَا أَدْرِي كَانَ أَوْلَى به من مخالفة بن
عَبَّاسٍ وَالنَّاسِ فِي الْفَرَسِ وَأَظُنُّهُ ذَهَبَ فِي الْمِنْطَقَةِ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قَتْلِ الْبَرَاءِ
بْنِ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةِ
وَقَالَ مَكْحُولٌ هَلْ يُبَادِرُ الْقَاتِلُ سَلَبَ الْمَقْتُولَ كُلَّهَ فَرَسَهُ وَسَرْجَهُ ولجامه
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68
وسيفه ومنطقته ودرعه وبيضته وساعداه وَسَاقَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ
جَوْهَرٍ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ فَرَسُهُ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ وَسَرْجُهُ وَمِنْطَقَتُهُ وَمَا كَانَ فِي
سَرْجِهِ وَلِجَامِهِ مِنْ حِلْيَةٍ قَالَ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْهِمْيَانُ فِيهِ الْمَالُ
وَأَجَازَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يُتْرَكَ الْقَتْلَى عُرَاةً
وَكَرِهَ الثَّوْرِيُّ أَنْ يُتْرَكُوا عُرَاةً
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَجِيرِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إِنْ بَارَزَ فَقَتَلَ صَاحِبَهُ كَانَ لَهُ سَلَبُهُ
قَالَ وَإِنْ قَتَلَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَهُ السَّلَبُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَلَا شَيْءَ له
وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت نافعا - مولى بن عُمَرَ - يَقُولُ لَمْ أَزَلْ
أَسْمَعُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ لَهُ
سَلَبَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ أَوْ فِي زَحْفِهِ لا يدري أَنَّ أَحَدًا بِعَيْنِهِ قَتَلَ آخَرَ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ النَّفْلُ مَا لَمْ يَلْتَقِ الصَّفَّانِ فَإِذَا الْتَقَى الزَّحَفَانِ فَالْمَغْنَمُ
وَلَا سَلَبَ وَلَا نَفْلَ
وَعَنْ مَسْرُوقٍ مِثْلُهُ وَزَادَ إِنَّمَا النَّفْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ مَا لَمْ تَشْتَدَّ الصُّفُوفُ فَإِذَا قَامَ
الزَّحْفُ فَلَا سَلَبَ لِأَحَدٍ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ دُعِيَ رَجُلٌ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى الْبِرَازِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ((قُمْ يَا زُبَيْرُ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ سَلَبَهُ))
وَقَالَ الأوزاعي ليس للقاتل سَلَبٌ حَتَّى يُجَرَّدَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ وَمَنِ اسْتَأْجَرَ فَلَيْسَ لِقَاتِلِهِ
سَلَبُهُ
قِيلَ فَرَجُلٌ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ قَالَ إِنْ كَانَتْ جَرَّدَتْ إِلَيْهِ السِّلَاحَ
فَلَهُ سَلَبُهَا
قَالَ وَالْغُلَامُ كَذَلِكَ إِذَا قَاتَلَ فَقُتِلَ كَانَ سَلَبُهُ لمن قتله
وقد فسرنا المخرف ومعنى ((تأثلته)) فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَشَوَاهِدَهُ
وَاخْتِصَارُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَخْرَفَ الْحَائِطُ مِنَ النَّخْلِ يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69
وَقَوْلُهُ ((إِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ)) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَالٍ اقْتَنَيْتُهُ وَاكْتَسَبْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ
وَأَمَّا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ لِلسَّائِلِ الْمُلِحِّ عَلَيْهِ فِي الْأَنْفَالِ مَا هِيَ وَهُوَ يَتَجَنَّبُهُ حَتَّى كَادَ
يُحْرِجَهُ ((إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ)) فَإِنَّهُ رَأَى مِنْهُ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُعَنَّتٌ غَيْرُ مُصْغٍ إِلَى مَا يجاب بِهِ مِنَ الْعِلْمِ فَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ حقيق
أن يصنع بِهِ مَا صَنَعَ عُمَرُ بِصَبِيغٍ
وَأَمَّا خَبَرُ صَبِيغٍ فَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا بن أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنه سَأَلَ رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا هُنَاكَ يَسْأَلُ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ
قَدْ كَتَبَهُ يُقَالُ لَهُ ((صَبِيغٌ)) وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ قُدُومَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَئِنْ لَمَّ تَأْتِنِي
بِهِ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الثَّنِيَّةِ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ
صَبِيغٍ حَتَّى طَلَعَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ قَالَ قَدْ كَانَ يَحْتَجُّ بِأَنْ يَقُولَ ((مَنْ يَلْتَمِسُ الْفِقْهَ
يُفَقِّهْهُ اللَّهُ)) قَالَ فَلَمَّا طَلَعَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَانْتَزَعَ الْخِطَامَ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَادَ بِهِ حَتَّى
أَتَى بِهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ - فَضَرَبَهُ عُمَرُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ حَبَسَهُ
ثُمَّ ضَرَبَهُ أَيْضًا فَقَالَ لَهُ صَبِيغُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَأْخُذْ عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَفَائِي
فَقَدْ شَفَيْتَنِي شَفَاكَ اللَّهُ - قَالَ فَأَرْسَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ صَبِيغُ بْنُ عَسَلٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ
الْقُرْآنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ
فَقَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ فَقَالَ عُمَرُ وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهِ
فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى شَجَّهُ فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى
وَجْهِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ وَاللَّهِ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُهُ فِي رَأْسِي
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَجْلَانَ يُقَالُ لَهُ
خَلَّادُ بْنُ زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ صَبِيغَ بْنَ عَسَلٍ بِالْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ بَعِيرٌ
أَجْرَبُ يَجِيءُ إِلَى الْحَلَقِ وَكُلَّمَا جَلَسَ إِلَى حَلْقَةٍ قَامُوا وَتَرَكُوهُ وَقَالُوا عَزْمَةُ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يُكَلَّمَ
وَفِي حَدِيثِ أَبِيِ شِهَابٍ الْحَنَّاطِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70
حَازِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَشَفَ عَنْ رأسه فإذا له شعر فقال لَوْ وَجَدْتُهُ مَحْلُوقًا
لَعَاقَبْتُكَ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ في الْخَوَارِجُ ((سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ))
وَقَدْ عَرَضَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَشْفِ رَأْسِهِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ
أَعْجَبَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْحِكْمَةِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمَ اللِّسَانِ)) فَكَشَفَ عَنْ
رَأْسِ الْأَحْنَفِ فَوَجَدَهُ ذَا شَعْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ قَوْمُهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ عُمَرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ صَبِيغٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فِي مَذَاهِبِهِمْ وَكَانَ الْأَحْنَفُ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَعَقْلٍ
وَرَأْيٍ وَدَهَاءٍ
وَرَوَى هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ مَا لَكُمْ لَا تُعَاقِبُونَ أَهْلَ
الْأَهْوَاءِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَاقِبُهُمْ فَقَالُوا إِنَّهُمُ كَانُوا
يَجْتَرِئُونَ بِعِلْمِهِمْ وَأَمَّا نحن نجترئ بجهلنا