ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ اَلنَّاسُ حَتَّى
دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزْعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ (...)
 
ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ اَلنَّاسُ حَتَّى
دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزْعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ (2) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ
ثُمَّ لَا تجدوني
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76
بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا)) فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي
النَّاسِ فَقَالَ ((أَدُّوا الْخِيَاطَ (1) وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ)) قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ((وَالَّذِي نَفَسِي
بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُتَّصِلًا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَحْسَنِهَا مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ بن شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السلام
رواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب
وعبد الرزاق عن معمر عن بن شِهَابٍ
إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ يقتضي معاني حديث مالك كلها وحديث بن شِهَابٍ
يَقْتَضِي بَعْضَهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ سُؤَالِ الْعَسْكَرِ لِلْخَلِيفَةِ حُقُوقَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ لِيَقْسِمَ بَيْنَهُمَ فَيَصِلُ
كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى حَقَّهِ وَيَسْتَعْجِلُ الِانْتِفَاعَ بِهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا سَأَلُوهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْفِلُ فِي الْبَدْأَةِ
وَالرَّجْعَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا)) فَكَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْخَى خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْثَرَهُمْ جُودًا وَسَمَاحَةً
وَرَوَى بن شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ وَكَانَ أَجْوَدَ
مَا يَكُونُ في رمضان
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77
وقال بن عُمَرَ مَا رَأَيْتُ أَجْوَدَ وَلَا أَمْجَدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وروى عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ الْبُخْلِ وَكَانَ يَقُولُ ((أَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ
من البخل))
ومن حديث بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لَا
وَأَمَّا شَجَاعَتُهُ وَنَجْدَتُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ
قَالَ مَا رَأَيْتُ أَثْبَتَ جَنَانًا وَلَا أَجْرَأَ قَلْبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وعن بن عُمَرَ مِثْلَهُ
وَأَمَّا الْكَذِبُ فَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَكَفَى بِهَذَا
وَفِيهِ جَوَازُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْجِعِرَّانَةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ
وَفِيهَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَجَابِرٍ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ إِلَى أَنَّ الْغَنَائِمَ يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ عَلَى
الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
قَالَ مَالِكٌ وَهُمْ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أحب إلي أن لا تُقْسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ حَمُولَةً فَيَقْسِمُهَا
فِي دَارِ الْحَرْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ لِلْأَثَرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ
وَفِيهِ جَوَازُ ذَمِّ الرَّجُلِ الْفَاضِلِ لِنَفْسِهِ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إِلَّا دَفْعَ الْعَيْبِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ
صَادِقًا فِي قَوْلِهِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الناظر لهم المدبر لِأُمُورِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ كَذَّابًا وَلَا بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الإمام يجب أن لا يَكُونَ فِيهِ هَذِهِ الْخِلَالُ السُّوءُ وَأَنْ يَكُونَ
أَفْضَلَ أَهْلِ وَقْتِهِ حَالًا وَأَجْمَلَهُمْ خِصَالًا إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ ((لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذَّابًا)) لِأَنَّ الْبَخِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ الْأَمْرَ وَلَا يَفْعَلُ
يَقُولُ ((فَلَا تَجِدُونِي كَذَّابًا أَبَدًا))
وَقَدْ سَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ
وَالْكَذِبِ
وَأَكْثَرُ الْآثَارِ عَلَى هَذَا
وَفِي ذَلِكَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ بَخِيلًا وَجَبَانًا وَلَا
يَكُونُ كَذَّابًا
وَالْكَذَّابُ عِنْدَهُمْ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ كَثْرَةُ الْكَذِبِ لِأَنَّ فَعَّالًا لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ أَكْثَرُ
مِنْ كَاذِبٍ
وَأَجْمَعَ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ فِي السُّلْطَانِ أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ مِنَ
السُّلْطَانِ إِذَا كَانَ كَذُوبًا بِوَعْدٍ وَلَا وَعِيدٍ وَفِي ذَلِكَ فَسَادُ أَمْرِهِ
قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ((إِنَّ فَسَادَ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُعْطُوا عَلَى الْهَوَى لَا عَلَى
التُّقَى وَأَنْ يَكُونُوا فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ))
وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ
وَلَمْ تَكُنْ مُبَاحَةً لِأَحَدٍ قبل هذه الأمة
وَهِيَ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ مِنْ مَالِ
كُلِّ حَرْبِيٍّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا
وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ
قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ
سود
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79
الرؤوس قَبْلَكُمْ كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَسْرَعَ النَّاسُ فِي
الْغَنَائِمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))
إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ الْأَنْفَالِ