وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ (1) أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ
يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ (...)
 
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ (1) أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ
يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ
الْمِسْكِ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْغَزْوِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ
وَقَوْلُهُ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ مَعْنَاهُ لَا يُجْرَحُ وَالْكُلُومُ الْجِرَاحُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَقَوْلُهُ ((يَثْعَبُ دَمًا))
فمعناه يَتَفَجَّرُ دَمًا
وَقَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ الْجِهَادُ وَمُلَاقَاةُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْكُفَّارِ
عَلَى هَذَا خُرِّجَ الْحَدِيثُ وَيَدْخُلُ فِيهِ بِالْمَعْنَى كُلُّ مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ بِرٍّ وَحَقٍّ مِمَّا
أَبَاحَهُ اللَّهُ كَقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وَاللُّصُوصِ وَالْمُحَارِبِينَ أَوْ آمِرٍ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَاهٍ عَنْ مُنْكَرٍ
إَلَا تَرَى قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ))
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ في سبيله)) فإنه يدل على أنه
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97
لَيْسَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ فِي الْغَزْوِ تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّى تَصِحَّ لَهُ نِيَّةٌ وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ وَجْهَهُ وَمَرْضَاتَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ رِيَاءً وَلَا مُبَاهَاةً وَلَا سُمْعَةً وَلَا فَخْرًا
وَلَا ابْتِغَاءَ دُنْيَا يَقْصِدُهَا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا وَهَيْئَتِهِ
بدليل هذا الحديث
ومثله حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يُلَبِّي))
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُبْعَثُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي
قُبِضَ فِيهَا)) أَيْ يُعَادُ خَلْقُ ثِيَابِهِ لَهُ كَمَا يُعَادُ خَلْقُهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلٌ خَرَجَ عَلَى الْمَجَازِ فَكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنِ الأعمال والثياب كما
يقال طاهر الثَّوْبِ وَنَقِيُّ الْجَيْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَجَازِ مَرْوِيٌّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً غُرْلًا وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى
إِبْرَاهِيمُ))
فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْعَثَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ وَشَكٍّ وَإِخْلَاصٍ وَنَحْوِ
ذَلِكَ
وَالْحَقِيقَةُ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الَّذِي
يُعِيدُهُ خَلْقًا سَوِيًّا يُعِيدُ ثِيَابَهُ - إِنْ شَاءَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98
وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ خَبَرٌ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ مَنْ يَغْزُو ويلتمس
الدنيا بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْجِهَادِ
وَالْغَزْوِ فَقَالَ ((يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو إِنْ قَاتَلْتَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا بَعَثَكَ اللَّهُ صَابِرًا
مُحْتَسِبًا وَإِنْ قَاتَلْتَ مُكَاثِرًا بَعَثَكَ اللَّهُ مُرَائِيًا مُكَاثِرًا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلَى أَيِّ
حَالٍ قَاتَلْتَ أَوْ قُتِلْتَ بَعَثَكَ اللَّهُ تَيْكَ الْحَالِ))
وَقَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يذهبون إلى أن لا عَمَلَ عَلَى الشَّهِيدِ الْمَقْتُولِ فِي
الْمَعْرَكَةِ وَغَيْرِهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَجَائِزٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ مَنْ خَصَّ قَتْلَ الْكَفَّارِ فِي الْمَعْرَكَةِ