قَالَ أَبُو عُمَرَ وَفِي هَذَا الْبَابِ
مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ ((هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ)) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَلَسْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ (...)
 
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَفِي هَذَا الْبَابِ
مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ ((هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ)) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَلَسْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي)) فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ
قَالَ أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي انْقِطَاعِهِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104
وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا مِنْ وُجُوهٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ
وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ
مِنْهَا حَدِيثُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى
الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ ((أَنَا فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ
لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ
وَإِنِّي - وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا
فِيهَا))
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ فَذَكَرَهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لِشُهَدَاءِ أحد هؤلاء أشهد عليهم)) يقول ((أنا شهيد
لَهُمْ)) وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى لَهُمْ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَيَكُونُ لَهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا يَقُولُ أَنَا
شَهِيدٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَدَقُوا بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَطَاعَتِهِ
وَطَاعَةِ رَسُولِهِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَتُهُ فَقَدْ وَعَدَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَاللَّهُ
لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
فَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَهُمْ قَاطِعَةٌ بِالْجَنَّةِ وَيُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ إِنَّهُمْ (أَحْيَاءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آلِ عِمْرَانَ 69
وَفِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالشَّهَادَةُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ مَا لَا خِلَافَ وَلَا شَيْءَ فِي
مَعَانِيهِ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا ذَابِّينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ هِيَ النِّهَايَةُ فِي
الْفَصْلِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَمُوبِقَاتِ الذُّنُوبِ الَّتِي أَكْثَرُ أَسْبَابِهَا الْإِفْرَاطُ
فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَالْمُنَافِسَةُ فِيهَا
وَلِشُهَدَاءِ أُحُدٍ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ مَاتَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا
فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَوْ سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا
وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ فِي عُصَارَةِ إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره ممن لم
يتلبس مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُدَنِّسُهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ ((بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي)) فَإِنَّ الْخِطَابَ
تَوَجَّهَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ
الْكَائِنِينَ بَعْدَهُ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ بَدْرِ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَنْ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بالجنة
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105
فَقَالَ ((لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ)) كَمَا شَهِدَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا
بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ((أَنَا شَهِيدٌ لِهَؤُلَاءِ))
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْقَطْعِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشُّهَدَاءِ مِثْلُ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِمَّنْ مَوْتُهُمْ قَبْلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَشَهِدَ بِالْجَنَّةِ لَهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ
بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الذين قَالَ فِيهِمْ ((أَلَا لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي وَخَافَ عَلَيْهِمْ مِنَ
الْفِتْنَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا مَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ))
وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ أَوْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَعْنِي مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَفْضَلُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَسْتَثْنُوا مَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا يَصِحُّ فِي التأمل والنظر وصحيح
الاعتبار والأثر مما شَهِدَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْأُصُولُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ السَّابِقِينَ
الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ ثُمَّ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ أَفْضَلُ مِنْ
كُلِّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الْمَشَاهِدَ وَلَمْ يَشْهَدْهَا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَنْ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَضْلِ وَقَالَ ((لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ))
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ))
وَحَسْبُكَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ
أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما
تعملون خبير) الحديد
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيمَنْ مَاتَ شَهِيدًا فِي حَيَاتِهِ وَمَنْ مَاتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَاضٍ عَنْهُ
وَأَمَّا الْبَاقُونَ بَعْدَهُ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الْقَوْلِ عَامَّةٌ فِيهِمْ مَعَ ثَنَاءِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَيْهِمْ
بِأَنَّهُمْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكَفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ رَضُوا عَنْهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَحَسْبُكَ بِهَذَا
وَأَمَّا التَّعْيِينُ فِيهِمْ وَتَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا لَا يَصِحُّ فِي نَظَرٍ وَلَا اعْتِبَارٍ وَلَا
يُحِيطُ بِذَلِكَ إِلَّا الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْمُطَّلِعُ عَلَى النِّيَّاتِ الْحَافِظُ لِلْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ جَاءَ فِيهِ
أَثَرٌ صَحِيحٌ بِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ
الَّذِينَ شَارَكُوهُ فِي مِثْلِ فَضْلِهِ ذَلِكَ وَمَنْ فضله رسول الله بِخَصْلَةٍ وَشَهِدَ لَهُ بِهَا جَازَ
أَنْ يُفَضَّلَ بِهَا فِي نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ
وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِفَضَائِلَ وَخَصَائِلَ
مِنَ الْخَيْرِ كَثِيرَةٍ أَثْنَى بِهَا عَلَيْهِمْ وَوَصَفَ كُلَّ وَاحِدٍ منهم بخصلة منها أفرده بها ولم
يشرك مَعَهُ غَيْرَهُ فِيهَا
وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ تَجِبُ الْحُجَّةُ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ قَالَ
فَلَانٌ أَفْضَلُ مِنْ فُلَانٍ إِذَا كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ وَذَلِكَ مِنْ أَدَبِهِ
وَمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُومِئَ لِلْمَفْضُولِ بِغِيبَةٍ ويحطه في نفسه
فيخرجه وَيُخْزِيهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ دِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ غَيْبِ أُمُورِهِمْ وَحَقَائِقِ
شَأْنِهِمْ إِلَّا مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذلك وكان لا يتقدم بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ
مِنْ دِينِهِ لَأَفْشَاهُ إِنْ عَلِمَهُ وَمَنْ أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَبْلِيغِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ
عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ فَلَانٌ أَفْضَلُ مِنْ فُلَانٍ بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِدِينٍ وَلَا شَرِيعَةٍ
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْأَلُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْحِسَابِ مَنْ أَفْضَلُ
عِبَادِي وَلَا هَلْ فَلَانٌ أَفْضَلُ مِنْ فُلَانٍ وَلَا ذَلِكَ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ أَحَدٌ فِي الْقَبْرِ ولكن
رسول الله قَدْ مَدَحَ خِصَالًا وَحَمِدَ أَوْصَافًا مَنِ اهْتَدَى إليها جاز الْفَضَائِلَ وَبِقَدْرِ مَا
فِيهِ مِنْهَا كَانَ فَضْلُهُ فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنَلْهَا وَمَنْ قَصَّرَ عَنْهَا لَمْ يَبْلُغْ مِنَ
الْفَضْلِ مَنْزِلَةَ مَنْ نَالَهُ
هَذَا طَرِيقُ التَّفْضِيلِ فِي الظَّاهِرِ عِنْدَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَلَا تَرَى الْحُكَّامَ إِنَّمَا يَقْضُونَ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ عِنْدَ الشَّهَادَاتِ بِمَا
يَظْهَرُ وَيَغْلِبُ وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى غَيْبٍ فِيمَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ يَقْضُونَ وَلَمْ يُكَلَّفُوا إِلَّا الْعِلْمَ
الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجل
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107
وَفِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا
تَسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الْبَقَرَةِ 134
وَقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ علمها عند ربي) طه 51 52 ما يعاضد
مَا ذَكَرْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنِ بن الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنَ ((الْمُدَوَّنَةِ)) قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا
وَسُئِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ فَقَالَ ((مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا اقْتُدِيَ بِهِ فِي دِينٍ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا
عَلَى صَاحِبِهِ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي
خيثمة قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ لَا أُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْعَشْرَةِ وَلَا
غَيْرَهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَانَ يَقُولُ هَذَا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ أَدْرَكْتُ شُيُوخَنَا بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا رَأْيُهُمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ نافع عن بن عُمَرَ
كُنَّا نُقَاتِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ
عُثْمَانُ ثُمَّ يَسْكُتُ فَلَا يُفَضِّلُ أَحَدًا وَكَانَ أَفْهَمَ النَّاسِ لِنَافِعٍ وَأَعْلَمَهُمْ بِحَدِيثِهِ وَكَانَ نَافِعٌ
عِنْدَهُ أَحَدَ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي دِينِهِ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عنده صحيحا من حديث
نافع عن بن عُمَرَ مَا قَالَ قَوْلَهُ هَذَا
وَهُوَ حَدِيثٌ شَاذٌّ لَا يُعَضِّدُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُصُولِ وَكُلُّ حَدِيثٍ لَا أَصْلَ لَهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ
وَقَدْ مَالَتِ الْعَامَّةُ بِجَهْلِهَا إِلَيْهِ وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ نَقَضُوهُ
مَعَ قَوْلِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ عَلِيًّا فِي التَّفْضِيلِ رَابِعُ الْأَرْبَعَةِ
وَفِي حديثهم عن بن عُمَرَ أَنَّهُمْ لَا يُفَضِّلُونَ أَحَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ وَأَنَّهُمْ يَسْكُتُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثَةِ عَنْ تَفْضِيلِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَقَدْ نَقَضُوا مَا أَبْرَمُوا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى جَهْلِ
عَامَّةِ هَذَا الزَّمَانِ
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قَالُوا حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ سَمِعْتُ
هَارُونَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ مَنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَرَفَ لِعَلِيٍّ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَمَنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَهُوَ عَارِفٌ لِعُثْمَانَ سَابِقَتَهُ وفضله فهو
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108
صَاحِبُ سُنَّةٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَيَسْكُتُونَ فَتَكَلَّمَ
فِيهِمْ بِكَلَامٍ غَلِيظٍ
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ
وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ لَيْسَ
مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِينَ مَضَوُا التَّفْضِيلُ بَيْنَ الناس
ذكر الْمَغَامِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِهِ ((فَضَائِلُ مَالِكٍ))
وَقَدْ عورض حديث بن عُمَرَ هَذَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبَى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْمُدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَهَذَا عِنْدِي حيث فِيهِ تَصْحِيفٌ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ هَكَذَا
وإنما المحفوظ فيه عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَمْضَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَكَذَا مِنَ الْقَضَاءِ لَا مِنَ الْفَضْلِ
وَقَدْ عَارَضُوا حَدِيثَ عُمَرَ أَيْضًا بِقَوْلِ حُذَيْفَةَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا نُفَيْرُ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ لَقَدْ
عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن بن مَسْعُودٍ أَقْرَبُهُمْ عِنْدَ
اللَّهِ وَسِيلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْ حُذَيْفَةَ عَنْ جِلَّةِ الصَّحَابَةِ أنهم يعلمون أن بن مَسْعُودٍ أَقْرَبُهُمْ وَسِيلَةً
عِنْدَ اللَّهِ
وَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَهُ بِالنِّهَايَةِ فِي الْفَضْلِ وَذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِ بن عُمَرَ كُنَّا نُفَاضِلُ فَنَقُولُ
الْحَدِيثَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كُلُّ مَنْ رَدَّ حَدِيثَ جَابِرٍ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ((كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) وَلَمْ يَقْبَلْهُ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ قَوْلَ
بن عُمَرَ ((كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) وَلَا يَقْبَلُهُ بَلْ
قول بن عُمَرَ أَوْلَى بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَظْرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو
الشَّعْبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بكار
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109
قال حدثني إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِينَ
مَضَوْا أَنْ يُفَاضِلُوا بَيْنَ النَّاسِ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ
قَالَ سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْوَلِيدِيَّ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الَّذِينَ
أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا يُفَضِّلُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْعَشْرَةِ لَا مالك ولا غيره
وقال بن أَبِي خَيْثَمَةَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ يَقُولُ لَا أَشْهَدُ لِأَحَدٍ بِالْجَنَّةِ غَيْرَ
الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقْدِيمُ الشَّيْخَيْنِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو
بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَأَلْتُ مَالِكًا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَنْ تُقَدِّمُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُقَدِّمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْآثَارِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَتَوَلِّي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذِكْرِ مَحَاسِنِهِمْ وَنَشْرِ
فَضَائِلِهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافُهُ والحمد لِلَّهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْرُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُغِيثٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَرْبٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا بن المبارك قال
حدثنا بن لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ الْيَزَنِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ عُقْبَةَ
بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ
بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ ((إِنِّي بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَنَا فِي مَقَامِي
هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ
تَتَنَافَسُوا فِيهَا))
قَالَ عُقْبَةُ فَكَانَتْ آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110
وبهذا الإسناد عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ مَا هُوَ كَائِنٌ
بَعْدَكُمْ)) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ ((هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ)) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِخْوَانُنَا
أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا كَمَا هَاجَرْنَا وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا وَمَضَوْا عَلَى آجَالِهِمْ
وَبَقِينَا فِي آجَالِنَا فَبِمَ تَجْعَلُهُمْ خَيْرًا مِنَّا فَقَالَ ((إِنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَأْكُلُوا
مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَأَنَا عَلَيْهِمْ شَهِيدٌ)) أَوْ قَالَ ((فَأَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّكُمْ قَدْ أَكَلْتُمْ مِنْ
أُجُورِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي))
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي))
مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو حازم عن سهل بن سعد قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنِّي
فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ
أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ)) قَالَ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ
هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ سَهْلٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ
يَزِيدُ فِيهَا فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي! ! فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا
لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي))
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بن عمر قال حدثني بن أَبِي مُلَيْكَةَ
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ
مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيُقَالُ هَلْ تَعْرِفُ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ ما برحوا يرجعون على
أعقابهم))
فكان بن أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا
وَرَوَى الزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ محمد بن علي بن حسين عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ رَهْطٌ من أصحابي فيحلؤون عَنِ الْحَوْضِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا
عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111
وروى يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحَادِيثَ الْحَوْضِ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ وَتَقَصَّيْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا فِي بَابِ خُبَيْبِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ كِتَابِ ((التَّمْهِيدِ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ