وَفِي هَذَا الْبَابِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بِئْسَ مَا قُلْتَ)) فَقَالَ (...) |
وَفِي هَذَا الْبَابِ
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بِئْسَ مَا قُلْتَ)) فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَحْفَظُ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَدًا لَكِنَّ مَعْنَاهُ مَحْفُوظٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَفَضَائِلُ الْجِهَادِ كَثِيرَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشَارِكُ أَصْحَابَهُ بِنَفْسِهِ فِي جَنَازَتِهِمْ وَحَفْرِ قُبُورِهِمْ وَمُشَاهَدَةِ ذَلِكَ مَعَهُمْ وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا فِي حُضُورِ الْجَنَائِزِ وَمُشَاهَدَةِ الدَّفْنِ فِي الْقَبْرِ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ وَرِقَّةِ الْقُلُوبِ لِيُتَأَسَّى بِهِ وَتَكُونَ سُنَّةً بَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَوْلًا أَنَّهُ يُظْهِرُ قَوْلَهُ فَيُحْمَدُ عَلَى الْمَحْمُودِ مِنْهُ وَيُلَامُ عَلَى ضِدِّهِ حَتَّى يَعْلَمَ مُرَادَهُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَا أَرَادَ مِمَّا يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ دُونَ ظَاهِرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَوْ مِنْ أَفْضَلِ الْفَضَائِلِ إِذَا كَانَ عَلَى سُنَّتِهِ وَمَا يَنْبَغِي فِيهِ وَرَوَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ منه وقال بن مَسْعُودٍ لَأَتَمَتَّعُ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلي من حجة في إثر حجة وقال بن عُمَرَ غَزْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ لِمَنْ أَدَّى مِنَ الْحَجِّ فَرْضَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 وَأَمَّا قَوْلُهُ ((مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا)) فَإِنَّهُ خَرَجَ قَوْلُهُ عَلَى الْبُقْعَةِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ الْقَبْرُ الْمَحْفُورُ وَأَظُنُّهَا بِالْبَقِيعِ وَلَمْ يُرِدِ الْبَقِيعَ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْمَدِينَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ مُهَاجَرِهِ الَّذِي افْتُرِضَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ فِيهِ مَعَ الَّذِينَ أَوَوْهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ وَطَنِهِ وَنَصَرُوهُ حَتَّى ظَهَرَ دِينُهُ وَكَانَ قَدْ عَقَدَ لَهُمْ حِينَ بَايَعَهُمْ أَنَّهُ إِذَا هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يُقِيمُ أَبَدًا مَعَهُمْ فَيَكُونُ مَحْيَاهُ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُ مَمَاتَهُمْ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ وكان من دعائه أَنْ يُحَبِّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ الْمَدِينَةَ كَحُبِّهِمْ لِمَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَكَانَ يَكْرَهُ لِأَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَمُوتُوا فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرُوا مِنْهَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ هَذَا الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَانَتْ عَادَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَكِّدُهُ وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا 13 - |