وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ
كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ
حَيْثُ شَاءَ فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وأمه والجريء يقاتل عما لا يؤوب بِهِ إِلَى رَحْلِهِ
 
وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ
كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ
حَيْثُ شَاءَ فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وأمه والجريء يقاتل عما لا يؤوب بِهِ إِلَى رَحْلِهِ
وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ فمن قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أتقاكم) الحجرات وأما قَوْلُهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحَسَبَ الرفيع حقيقة الدين
فيمن انْتَسَبَ إِلَى أَبٍ ذِي دِينٍ فَهُوَ الْحَسَبُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ عَلَى
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114
مَنِ انْتَسَبَ إِلَى أَبٍ كَافِرٍ يَفْخَرُ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَلَى ذِكْرِ الْكَفَرَةِ
يَنْتَسِبُونَ إِلَى حُمَمٍ مِنْ حُمَمِ جَهَنَّمَ وَأَنَّ مَنِ الْجُعْلُ بِأَنْفِهِ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((ثَلَاثٌ لَا تَزَالُ فِي أُمَّتِي النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَوْتَى وَالِاسْتِمْطَارُ بِالْأَنْوَاءِ
وَالتَّفَاخُرُ بِالْأَحْسَابِ خَرَجَ أَيْضًا عَلَى حِسَابِ الذَّمِّ وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَحْسَابَ أُمَّتِي الَّتِي يَنْتَمُونَ إِلَيْهَا الْمَالُ هَذَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ
لِأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ وَفِتْنَةُ أُمَّتِيِ الْمَالُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تُنْكَحُ
الْمَرْأَةُ عَلَى حَسَبِهَا وَعَلَى مَالِهَا وَعَلَى جَمَالِهَا وَعَلَى دِينِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ وَأَمَّا
قَوْلُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ فَمِنْ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ
مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ أَوْ قَالَ حُسْنُ الْأَخْلَاقِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ حَسَنَ الْخُلُقِ إِلَّا ذَا مُرُوءَةٍ
وَصَبْرٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَقَدْ تَذَاكَرَ الْمُرُوءَةَ عِنْدَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ مُرُوءَتُنَا أَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ
ظَلَمَنَا وَنُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَقَدْ روي أنه فِي حِكْمَةِ
دَاوُدَ الْمُرُوءَةَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ وَغِنَى النَّفْسِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَأَمَّا
قَوْلُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَلَا شَرْحٍ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ
ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فقال عمر للقوم مَا تَرَوْنَ الشُّهَدَاءَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ مَنْ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْمَغَازِي
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115
فَقَالَ إِنَّ شُهَدَاءَكُمْ إِذًا لِكَثِيرٌ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْجُبْنَ غَرَائِزُ فِي
الناس فالشجاع يقاتل من وراء أن لا يبالي أن لا يؤوب بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَالْجَبَانُ فَارٌّ
عَنْ حَلِيلَتِهِ وَلَكِنَّ الشَّهِيدَ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ وَالْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ
وَالْمُسْلِمَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
قَالَ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ عَنْ قَائِدٍ الْعُبَيْسِيِّ
قَالَ قَالَ عُمَرُ الشَّجَاعَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ فِي الرِّجَالِ فَيُقَاتِلُ الشجاع عن من يعرف
وعن من لَا يَعْرِفُ وَيَفِرُّ الْجَبَانُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جَابِرٍ قَالَ
قَالَ عُمَرُ الشَّجَاعَةُ وَالْجُبْنُ شِيمَةٌ وخلق في الرجال فيقاتل الشجاع عن من لا يبالي
أن لا يؤوب بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَيَفِرُّ الْجَبَانُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ
بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ حَسَّ مِنْ نَفْسِهِ جُبْنًا فَلَا يَغْزُ
قَالَ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لِلْجَبَانِ أَجْرَانِ))
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((الشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ)) فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ مَا يُفَسِّرُ قَوْلَهُ هَذَا
رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن بن شِهَابٍ قَالَ أُصِيبَتْ سَرِيَّةٌ عَلَى
عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهَا فَقَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً أَوْ يُقَاتِلُ رياء ويقاتل شَجَاعَةً وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِنِيَّاتِهِمْ
وَمَا قُتِلُوا عَلَيْهِ وَمَا أَحَدٌ هُوَ أَعْلَمُ مِمَّا يُفْعَلُ بِهِ إِلَّا هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَنْ لَا يُقْطَعَ بِفَضْلِ فَاضِلٍ عَلَى مِثْلِهِ فِي
ظَاهِرِ أَمْرِهِ وَأَنْ يُسْكَتَ فِي مِثْلِ هَذَا