ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامِ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا (...) |
ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامِ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي فِي رَأْسِهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ((نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ (2) مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ)) (يَشُكُّ إِسْحَاقُ) قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا يُضْحِكُكَ قَالَ ((نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ)) كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ ((أَنْتَ مِنَ الْأَوَّلِينَ قَالَ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 قال أبو عمر قال بن وَهْبٍ أُمُّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَقِيلُ عِنْدَهَا وَيَنَامُ فِي حَجْرِهَا وَتَفْلِي رَأْسَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْلَا أَنَّهَا كَانَتْ مِنْهُ ذَاتَ مَحْرَمٍ مَا زَارَهَا وَلَا قَامَ عِنْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ من حديث عمر وبن عَبَّاسٍ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْهُ ذَاتَ مَحْرَمٍ)) عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ لَيْسَ كَغَيْرِهِ وَلَا يُقَاسُ بِهِ سِوَاهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ أَكْلِ مَا قَدَّمَتْهُ الْمَرْأَةُ إِلَى ضَيْفِهَا فِي بَيْتِهَا مِنْ مَالِهَا وَمَالِ زَوْجِهَا لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ مَا فِي الْبَيْتِ مِنَ الطَّعَامِ هُوَ لِلرَّجُلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُؤْتَمَنَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُسَرُّ بِمَا يَفْعَلُهُ فِي مَالِهِ جَازَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ كَانَ يَسُرُّهُ أَنْ يُبَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ فَلِذَلِكَ أَذِنَتْ أُمُّ حَرَامٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا عُبَادَةَ وَأَطْعَمَتْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَأْذَنَ لِرَجُلٍ فِي بَيْتِهَا وَزَوْجُهَا غَائِبٌ كَارِهٌ)) وَإِسْنَادُهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْآثَارُ المرفوعة منها ما رواه بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلِيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ قَالَ ((ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْكِ)) وَرَوَى الْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إذا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرٌ بِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرٌ بِمَا اكْتَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا)) وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمُخَالِفُ لِغَيْرِهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ ((إِنِ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)) وَفِيهِ ((لَا تنفق امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا)) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَا الطَّعَامَ قَالَ ((ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا)) وَمَنْ أَجَازَ لِلصَّدِيقِ الْأَكْلَ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ صَدِيقِكُمْ) النُّورِ 61 فَإِنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ مَا لَا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فِيهِ وَمَا تَسْخُو النُّفُوسُ بِهِ لِلْإِخْوَانِ فِي الْأَغْلَبِ وَأَمَّا ((ثَبَجُ الْبَحْرِ)) فَهُوَ ظَهْرُ الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن حبان عن أنس بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ قَالَتْ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلًا فِي بَيْتِي اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ مِمَّ تَضْحَكُ قَالَ ((عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ)) الْحَدِيثَ وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ سُرُورًا مِنْهُ مِمَّا يُدْخِلُهُ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الْأَجْرِ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَإِنَّمَا رَآهُمْ عَلَى الْأَسِرَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَرُؤْيَاهُ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ (عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) يس 56 وَقَوْلُهُ ((أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ)) شَكٌّ مِنَ الْمُحَدِّثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ فَقَالَ فِيهِ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهَذَا الْخَبَرُ إِنَّمَا وَرَدَ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْلِ الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ إِبَاحَةُ النساء للجهاد وَقَدْ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنداوي الجرحى وَنُمَرِّضُ الْمَرْضَى وَكَانَ يَرْضَخُ لَنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِسْهَامِ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فقال بن وَهْبٍ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ النِّسَاءِ هَلْ يُحْذَيْنَ مِنَ الْمَغَانِمِ فِي الْغَزْوِ قَالَ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ لَا سَهْمَ لِامْرَأَةٍ وَيُرْضَخُ لَهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهَا وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَخَذَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَنَا قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا كتب به بن عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ الْخَارِجِيِّ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يُضْرَبْ فِيهِ بِسَهْمٍ وَفِيهِ إِبَاحَةُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلنِّسَاءِ وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْحَجَّ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ فِي الْجِهَادِ كَذَلِكَ أَكْرَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكَادُ تَغُضُّ بَصَرَهَا عَنِ الرَّاكِبِينَ فِيهِ عَنِ الْمَلَّاحِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَتِرُونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ كُلُّ امْرَأَةٍ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الِاسْتِتَارِ فِي الْمَرْكَبِ فِي الرِّجَالِ وَنَظَرُهَا إِلَى عَوْرَاتِ الرِّجَالِ وَنَظَرُهُمْ إِلَيْهَا حَرَامٌ فَلَمْ يَرَ اسْتِبَاحَةَ فَضِيلَةٍ بِمُدَافَعَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ مَعَ زَوْجِهَا وَكَانَ النَّاسُ خِلَافَ مَا هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ إِذَا رَكِبَ لِلْجِهَادِ فَرُكُوبُهُ لِلْحَجِّ أَوْلَى إِذَا كَانَ فِي أَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ طُولَ حَيَاتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 فَلَمَّا مَاتَ اسْتَأْذَنَ مُعَاوِيَةُ عُثْمَانَ فِي رُكُوبِهِ فَأَذِنَ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى كَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ رُكُوبِهِ فِي أَيَّامِهِ ثُمَّ رُكِبَ بَعْدُ إِلَى الْآنِ هَذَا لِمَا كَانَ مِنَ الْعُمَرَيْنِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - فِي التِّجَارَةِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا وَالِاسْتِعْدَادِ مِنَ الْمَالِ وَالتَّكَاثُرِ مُعْرِضِينَ عَنِ الْآخِرَةِ وَعَنْ جِهَادِ الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ فَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَدَاءِ فَرِيضَةِ اللَّهِ فَلَا قَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِإِبَاحَةِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْجِهَادِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْحُجَّةُ وَفِيهَا الْأُسْوَةُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْبَحْرَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ رُكُوبُهُ في حين ارتجاجه ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ ((لَا يَسَلُنِي اللَّهُ عَنْ جَيْشٍ ركبوا البحر أبدا)) يعني التغرير وفيه التَّحَرِّي بِالْإِتْيَانِ بِأَلْفَاظِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ ذهب إلى هذا جَمَاعَةٌ وَرَخَّصَ آخَرُونَ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَعَانِي وَإِنْ خَالَفُوا فِي الْأَلْفَاظِ وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ تَحْتَ رَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ أَوْ جَائِرٍ مَاضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى الْآخِرِينَ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا رَأَى الْأَوَّلِينَ وَلَا نِهَايَةَ لِلْآخِرِينَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) الْوَاقِعَةِ 39 40 وَهَذَا عَلَى الْآيَةِ وَفِيهِ فَضْلٌ لِمُعَاوِيَةَ إِذْ جَعَلَ مَنْ غَزَا تَحْتَ رَايَتِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْجِهَادِ وَغَيْرِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِاسْتِيقَاظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَرَحًا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَإِبَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ وَجَعَلْنَا الْمُبَاحَ فِيمَا رُكِبَ فِيهِ الْبَحْرُ قِيَاسًا عَلَى الْغَزْوِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْقَتْلُ سَوَاءً فِي الْفَضْلِ لِأَنَّ أُمَّ حَرَامٍ لَمْ تُقْتَلْ وَإِنَّمَا مَاتَتْ مِنْ صَرْعَةِ دَابَّتِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) الْآثَارَ الشَّوَاهِدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَاخْتِلَافَهَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهَا ما ذكره بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حدثنا المسعودي عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ ((مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُرِيقُ دَمُهُ)) وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ قَالَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّمْلِيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَالْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ)) وَالْآثَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا كَثِيرَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْمَقْتُولِ وَالْمَيِّتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا) الْحَجِّ 58 فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهَا غَزَاةُ مُعَاوِيَةَ هَذِهِ وَقَدْ غَزَا مَعَهُ ((عُبَادَةُ وَزَوْجَتُهُ ((أُمُّ حَرَامٍ)) كَانَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ لَا فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ الْبَحْرَ غَازِيًا بِالْمُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ لَا فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ الْبَحْرَ غازيا بالمسلمين في خلافة عثمان إلى قبرص وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ زَوْجُ عُبَادَةَ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ فَرَكِبَتْ بَغْلَتَهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ السَّفِينَةِ فصرعت فماتت وذكر خليفة عن بن الْكَلْبِيِّ قَالَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرَظَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَمَعَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَامْرَأَتُهُ أُمُّ حرام بنت ملحان الأنصارية فأتى قبرص فَتُوُفِّيَتْ أُمُّ حَرَامٍ وَقَبَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ |