م - قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا أَرَأَيْتَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ (...) |
م - قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا
أَرَأَيْتَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صالحوا عليه قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 مَنْ صَالَحَ عَلَى بِلَادِهِ وَمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ أَحْرَزَ لَهُ إِسْلَامُهُ أَرْضَهُ وَمَالَهُ وَأَمَّا أهل العنوة فإنهم وجميع أموالهم للمسلمين فإن أَسْلَمُوا لَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَرْضُهُمْ لِأَنَّهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا وَغَلَبَ أَهْلَهَا فَمَلَكَ رِقَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الْأَحْزَابِ 27 وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ الْمَغْلُوبَةِ عَنْ عَنْوَةٍ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا أعلم بلدا من البلاد التي افتتحها الْمُسْلِمُونَ بِالْإِيجَافِ عَلَيْهَا وَالْمُقَاتَلَةِ لَهَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا مَكَّةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ - فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي قِصَّةِ فَتْحِهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَالْفَتْحَةُ الْغَلَبَةُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أن الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ لَا يُثْبِتُهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَ قَوْلِهِ ((أَتَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا)) قَالُوا وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا دُخِلَتْ عَنْوَةً وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا مِنْ حُكْمُ الْعَنْوَةِ وَلَمْ يُقْتَلْ فِيهَا إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُسْبِ فِيهَا ذُرِّيَّةً وَلَا عِيَالًا وَلَا مَالًا وَإِنَّ أَهْلَهَا بَقُوا إِذْ أَسْلَمُوا عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ دَارٍ وَعَقَارٍ وَلَيْسَ هَذَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ بِإِجْمَاعٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَرَدَّهُمْ إِلَيْهَا وَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْهَا غَنِيمَةً وَلَا فَيْئًا قَالَ فَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَهُ في مكة وليس ذلك جائز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِهَا وَمَكَّةُ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ مِنَ الْبِلَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ رَسُولَهُ مِنَ الْأَنْفَالِ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ ضَعِيفٌ وَهَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الْأَنْفَالِ 41 نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ والرسول) الْأَنْفَالِ 1 وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَفَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وَقَالَ ((مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ)) وَنَهَى عَنِ الْقَتْلِ إِلَّا نَفَرَا سَمَّاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ ((اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ)) وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْهَا فَيْئًا وَلَمْ يَسْبِ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً وَإِنَّمَا دَخَلَهَا صُلْحًا وَقَالَ أَصْحَابُهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ صُلَحًا أَيْ فَعَلَ فِيهَا فِعْلَهُ فِيمَنْ صَالَحَهُ فَمَلَّكَهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَرْضَهُ وَدِيَارَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَمَّنَ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ إِلَّا الَّذِينَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ قَالَ أَبُو عمر ذكر بن إسحاق وجماعة من أهل السير مَعْنَى مَا أَجْمَعَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ مَرَّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِهَا وَكَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ أَتَاهُ بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ بِالْجَحْفَةِ مُهَاجِرًا إِلَيْهِ فَأَمَرَ بِالْعِيَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَقِيَ هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ رَكِبَ الْعَبَّاسُ بَغْلَتَهُ وَنَهَضَ يَرْتَقِبُ وَيَسْتَمِعُ خَبَرًا مِنْ مَكَّةَ أَوْ مَارًّا إِلَيْهَا وَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ فَسَمِعَ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ يُخَاطِبُ رَفِيقَهُ فَقَالَ أَبُو حَنْظَلَةَ فَعَرَفَهُ أَبُو سفيان فقال أبو الفضل ثم اجتمعا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَرَادَ عُمَرُ قَتْلَهُ فَاعْتَرَضَهُ الْعَبَّاسُ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَحْمِلَهُ مَعَ نَفْسِهِ وَيَأْتِيَهُ بِهِ غَدْوَةً فَأَتَى بِهِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ ((مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ)) وَلَمْ يَرَ إِفْرَادَهُ فِي ذَلِكَ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى ((وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 وَعَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلُوا مكة أن لا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إِلَّا نَفَرًا سَمَّاهُمْ فَنَهَضَ بِهَذَا الْأَمَانِ إِلَى مَكَّةَ أَبُو سُفْيَانَ وَنَادَى بِهِ فَهَذَا الْأَمَانُ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمر الظهران فأين العنوة ها هنا مَعَ الْأَمَانِ الْحَاقِنِ لِلدَّمِ وَالْمَالِ لِأَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَطَافَ بِهَا ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً مَحْفُوظَةً أَسْقَطَ فِيهَا كُلَّ دَمٍ ومأثرة ونهى عن تعظيم الآباء والتفاخر بهم وقال ((كلكم بنو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ)) قالوا خير أخ كريم وبن أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ ((اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ)) ثُمَّ جَلَسَ حِينًا فِي الْمَسْجِدِ فَقَضَى أُمُورًا مَذْكُورَةً فِي السِّيَرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدم حدثنا بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا فَقَالَ ((نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ)) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خَبَرِ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَجِيءِ الْعَبَّاسِ بِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَحْوِ مَا فِي السِّيَرِ وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يُحِبُّ الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ ((نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ)) قَالَ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي هريرة أن رسول الله لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ سَرَّحَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْخَيْلِ ثُمَّ قَالَ ((يَا أَبَا هُرَيْرَةَ اهْتِفْ بِالْأَنْصَارِ)) قَالَ ((اسْلُكُوا هَذَا الطَّرِيقَ فَلَا يُشْرِفَنَّ لَكُمْ أَحَدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 إِلَّا أَمَّنْتُمُوهُ)) فَنَادَى مُنَادٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ)) فَعَمَدَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ فَدَخَلُوا الْكَعْبَةَ فَغَصَّ بِهِمْ وَطَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وصلى خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ أَخَذَ بِجَنْبَتَيِّ الْبَابِ فَخَرَجُوا فَبَايَعُوا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ مَكَّةُ عَنْوَةٌ هِيَ قَالَ إِيشِ يَضُرُّكَ مَا كَانَتْ! قَالَ فَصُلْحٌ قَالَ لَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَرَعَ الطَّائِفَتَانِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ دُخِلَتْ عَنْوَةً لِأَمْرِهِ الزُّبَيْرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَخَالِدًا بِقَتْلِ قُرَيْشٍ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَنْ شَرَعَ مَنْ قَالَ لَمْ يَدْخُلْ عَنْوَةً لِأَنَّ فِيهِ النِّدَاءَ بِالْأَمَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ وَلَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَ أَهْلَ مَكَّةَ كُلَّ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ أَوِ الْمَسْجِدَ أَوْ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ أَلْقَى السِّلَاحَ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي وَقْتِ الْأَمَانِ فَمَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ كَانَ أَصَحَّ وَأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ شَهِدَ ما في حديث بن عَبَّاسٍ مِنْ تَأْمِينِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي حِينِ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَدْ شَهِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ أَمَانُهُ لَا يُنْكَرُ أَنْ يُعَادَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ بِذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَمَعْنَى إِرْسَالِهِ الزُّبَيْرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَخَالِدًا قَدْ ظَهَرَ فِي الحديث الآخر لأنه أمر أمراءه أن لا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى لَهُمْ فَهَذَا تَهْذِيبُ الْأَمَانِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ مَعَانِيهَا فِي أَنَّ مَكَّةَ بَلْدَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَقْوَامٍ لَهُ لِعِشْرَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الصُّلْحِ إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ أَمْرُهَا كَانَ لِأَنَّهَا صَالَحَتْ لِمِلْكِ أَهْلِهَا أَنْفُسَهُمْ وَذَرَّارِيهِمْ وأموالهم وهذا أشبه بحكم الصلح منه بحكم الْعَنْوَةِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا هَلْ غَنِمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ شَيْئًا قَالَ لَا وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ يُسْلِمُ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَالٌ وعقار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ إِذَا أَتَى الْحَرْبِيُّ طَالِبًا لِلْأَمَانِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْوَالٌ وَدُورٌ وَامْرَأَةٌ حَامِلٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَأَسْلَمَ ثُمَّ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي بَلَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا مُسْلِمًا فَإِنَّ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ أَحْرَارٌ وَمُسْلِمُونَ وَمَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ لَهُ وَمَا أَوْدَعَهُ حَرْبِيٌّ وَسَائِرُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ فَرَّقُوا بَيْنَ إِسْلَامِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَبَيْنَ إِسْلَامِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الدَّارِ عِنْدَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا أَحْرَزَ مَالَهُ حَيْثُ كَانَ وَصِغَارَ وَلَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ إِسْلَامِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُرَدُّ إِلَيْهِ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ وَذَلِكَ فَيْءٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مِلْكٍ فِي الدَّارَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَيْعِ أَرْضِ مَكَّةَ وَكِرَائِهَا وَدُورِهَا فَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ بُيُوتَ مَكَّةَ وَقَالَ كَانَ عُمَرُ يَنْزِعُ أَبْوَابَ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَكَرِهَ بَيْعَ أَرْضِهَا وَكَرِهَ كِرَاءَ بُيُوتِهَا فِي الْمَوْسِمِ وَمِنَ الرَّجُلِ يَعْتَمِرُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَرَى بِأَخْذِ الْكِرَاءِ مِنْهُ بَأْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْضُ مَكَّةَ وَبُيُوتُهَا وَدِيَارُهَا لِأَرْبَابِهَا مَا بَيْنَ بَيْعِهَا وكرائها وهو قول طاوس وعمل بن الزُّبَيْرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْزِلُ دَارَكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ ((وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ وَكَانَ قَدْ بَاعَهَا فَأَضَافَ الْمِلْكَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنِ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَقَدْ أَضَافَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدِّيَارَ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) الْحَشْرِ 8 وَقَالَ (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) الْحَجِّ 40 وَكَرِهَ عَطَاءٌ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ وَقَالَ إِسْحَاقُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَشِرَاؤُهَا وَإِجَارَتُهَا مَكْرُوهَةٌ ثُمَّ قَالَ شِرَاؤُهَا وَاسْتِئْجَارُهَا أَهْوَنُ مِنْ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ مِنَ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ مُتَبَايِعَانِ فَمَا كَرِهَ الْبَائِعُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْرَهَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَحْوُ مَنْ كَرِهَ بَيْعَ الْمُصْحَفِ وَأَجَازَ شِرَاءَهُ وَقَدْ كُرِهَ في هذا الباب حديث من حديث بن عُمَرَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال ((لا يحل بيع بيوت مكة وَلَا إِجَارَتُهَا)) وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُعْجِبُهُ أَنْ يَتَوَقَّى الْكِرَاءَ فِي الْمَوْسِمِ وَلَا يَرَى بِالشِّرَاءِ بَأْسًا قَالَ وَقَدِ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَارَ السِّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ تَبَايُعُ أَهْلِ مَكَّةَ لِدِيَارِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى ذِكْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ الْهُجَيْنِيُّ وَالْخُزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي ((أَخْبَارِ مَكَّةَ)) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ |