مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ
أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ
قَدْ سَمَّيْتُ فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ قَالَ لَهُ قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ
أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ
قَدْ سَمَّيْتُ فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ قَالَ لَهُ قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ
وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَمْدًا لَمْ
تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ تِلْكَ
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي خَبَرِهِ هَذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَذْبَحَهَا وَرَاجَعَهُ بِمَا لَمْ يُصَدِّقُهُ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْفَى عَنْهُ ذَلِكَ لقربه
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249
وَعِلْمَ مُعَانَدَتَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُجِيبُهُ بِقَوْلِهِ قَدْ سَمَّيْتُ وَلَا يُسَمِّي وَلَوْ قَالَ فِي مَوْضِعِ قَوْلِهِ
قَدْ سَمَّيْتُ بِاسْمِ اللَّهِ اكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْهُ فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ عَمْدًا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا فلم يستحل
أكلها
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الصَّيْدِ أَوِ الذَّبِيحَةِ
عَامِدًا
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ أَوْ عَلَى الْإِرْسَالِ عَلَى الصَّيْدِ
عامدا أو ناسيا
فقال مالك والثوري وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِنَّ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تُؤْكَلِ
الذَّبِيحَةُ وَلَا الصَّيْدُ وَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي ذَلِكَ أُكِلَتْ
وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِيهَا فَقَدِ اسْتَبَاحَ
بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ فَصَارَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ فَلَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا قِيلَ فِي ذَبِيحَةِ مِنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِمَّنْ
لا يؤمن بالله
وللكلام في ذلك موضع غَيْرُ هَذَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ تُؤْكَلُ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا تَعَمَّدَ فِي ذَلِكَ أو
نسيه
وهو قول بن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد
وعكرمة وَعَطَاءٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَطَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
وَقَتَادَةَ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِمَّنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الصَّيْدِ أَوِ الذَّبِيحَةِ إِلَّا
بن عمر والشعبي وبن سِيرِينَ
وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا
غَيْرَ اللَّهِ
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَجُوسِيَّ وَالْوَثَنِيَّ لَوْ سَمَّى اللَّهَ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ
وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ ذَبَحَ بِدِينِهِ
وروي عن بن عباس وأبى وائل - شقيق بن سلمة - وبن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي
ذَلِكَ إِذَا ذَبَحْتَ بِدِينِكَ فَلَا يَضُرُّكَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ بِأَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ الْمَجُوسِيُّ لَوْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى لَمْ تَنْفَعْ
تَسْمِيَتُهُ شَيْئًا لَأَنَّ الْمُرَاعَاةَ لِدِينِهِ كَانَ الْمُسْلِمَ إِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا لَا يضره لأن
المراعاة لدينه
وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِنَّمَا ذَبَحْتَ بِدِينِكَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكِ
وَعَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ
قَالَ بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ لَوْ أَنَّ ذَابِحًا ذَبَحَ ذَبِيحَتَهُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهَا اسْمَ اللَّهِ أَيَأْكُلُهَا
قال نعم سبحان الله أو كل مَنْ ذَبَحَ يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ
قَالَ عَطَاءٌ كُلُّ مُسْلِمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيَّةٍ ذَبَحَ فَكُلْ مِنْ ذَبِيحَتِهِ وَلَا تَأْكُلْ
مِنْ ذَبِيحَةِ مَجُوسِيٍّ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وَلَا
صَيْدُهُ
وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ رَوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ مِمَّنْ يُخْتَلَفُ عَنْهُ فِيهِ إِلَّا مُحَمَّدَ بن
سيرين ونافعا مولى بن عُمَرَ
وَهَذَانَ يَلْزَمُهُمَا أَنْ يَتَّبِعَا سَبِيلَ الْحُجَّةِ الْمُجْتَمَعَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ