مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عَبِيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ ((أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
حَرَامٍ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا تَرْجَمَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ وَمَا رُسِمَ فيه من

 
مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عَبِيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ ((أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
حَرَامٍ))
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا تَرْجَمَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ وَمَا رُسِمَ فيه من
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي
نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ لَا نَهْيُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ كَمَا زَعَمَ أكثر أصحابنا ويشذ
ذَلِكَ قَوْلُهُ
وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
رَوَى هَذَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ عَلَيْهِ ((الْمُوَطَّأَ)) وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا
رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي السِّبَاعِ لَا لِلُحُومِهَا وَلَا لِجُلُودِهَا كَمَا
قَالَ لَا تَعْمَلُ فِي الْخِنْزِيرِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ لَفْظٍ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَمَا تَرْجَمَ
عَلَيْهِ مَالِكٌ هَذَا الْبَابَ
وَأَصْلُ النَّهْيِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا وَرَدَ مِنْهُ وَطَرَأَ عَلَى مِلْكِكَ أَوْ عَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ
فَمَا كَانَ مِنْهُ وَارِدًا عَلَى مِلْكِكَ فَهُوَ يَمِينُ آدَابٍ وَإِرْشَادٍ وَاخْتِيَارٍ وَمَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِكَ
فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ
وَعَلَى هَذَا وَرَدَ النهي في القرآن والسنة لا لِمَنِ اعْتَبَرَهُمَا
أَلَّا تَرَى إِلَى نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن اجتناب الْأَسْقِيَةِ وَالْأَكْلِ مِنْ
رَأْسِ الصَّحْفَةِ وَالْمَشْيِ فِي نعل واحد وأن يقرن بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ مَنْ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ
وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ دُونَ الشِّمَالِ وَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ دُونَ الْيَمِينِ وَالتَّيَامُنِ فِي لِبَاسٍ النِّعَالِ
وَفِي الشَّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ
فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ نَهْيُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَى مَا فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ فَمَنْ
وَاقَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا لِبَاسِهِ
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنِ الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَعَنْ قَلِيلِ مَا
أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ حَبَلَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ
فَهَذَا كُلُّهُ طَرَأَ عَلَى شَيْءٍ مَحْظُورٍ اسْتِبَاحَتُهُ إِلَّا عَلَى سُنَّتِهِ
فَمَنْ لَمْ يَسْتَبِحْهُ عَلَى سُنَّتِهِ حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ فِي مُلْكِهِ
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَمَنْ وَطِئَهَا لَمْ تَحْرُمْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ
امْرَأَتُهُ وَلَا سَرِيَّتُهُ
قِيلَ لَهُ لَوْ تَدَبَّرْتَ هَذَا لَعَلِمْتَ أَنَّهُ مِنَ الْبَابِ الْوَارِدِ عَلَى مَا فِي مَلِكِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا
لَأَنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَصْلُهَا
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288
الْحَظْرُ ثُمَّ وَرَدَتِ الْإِبَاحَةُ فِيهَا بِشَرْطٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَدَّى وَلَا يُسْتَبَاحَ إِلَّا بِهِ لِأَنَّ
الْفُرُوجَ مَحْظُورَةٌ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَلَمْ تَرِدِ الْإِبَاحَةُ فِي نِكَاحِ مَا طَابَ لَنَا مِنَ
النِّسَاءِ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا إِلَّا مَقْرُونَةً لِأَنَّ الْحَائِضَ لَا تُوطَأُ حَتَّى تَطْهُرَ كَمَا وَرَدَ
تَحْرِيمُ الْحَيَوَانِ فِي أنه لا يستباح إلا بالذكاة فوطء الْحَائِضِ وَاسْتِبَاحَةُ الْحَيَوَانِ مِنَ
الْقِسْمِ الثَّانِي لَا مِنَ الْأَوَّلِ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ الْإِبَاحَةُ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقَةً بِغَيْرِ
شَرْطٍ وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ محتملا لِلْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا افْتَتَحَ مَالِكٌ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَابَ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ فِي لَفْظِ النَّهْيِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ
لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ ((الْمُوَطَّأِ)) تَقْدِيمُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَعْنَى فِيِ ذَلِكَ وَاحِدٌ لِأَنَّ
الْبَابَ جَمَعَهَا فِيهِ وَالنَّهْيُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَهُوَ مُجْمَلٌ وَالتَّحْرِيمُ إِفْصَاحٌ فَهُوَ تَفْسِيرٌ
لِلْمُجْمَلِ
وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ نَهْيُ تنزيه
وتعذر
وَهَذَا لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَإِنْ أَرَادَ التَّقَذُّرَ مِنَ الْقَذَرِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ فَلَا خِلَافَ فِي
تَحْرِيمِ ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ النَّجَاسَاتِ وَلَا اسْتِبَاحَةُ شَيْءٍ منها ويلزم
التَّنَزُّهُ عَنْهَا لُزُومَ فَرْضٍ
فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ فَهُوَ عَلَى مَا وصفنا وإنما احتج الأبهري
لرواية بن الْقَاسِمِ فَقَوْلُهُ إِنَّ الذَّكَاةَ عَامِلَةٌ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَأَنَّ لُحُومَهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ
عَلَى آكِلِهَا إِذَا ذُكِّيَتْ وَإِنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ تَنَاقَضَ بن الْقَاسِمِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ
هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّذْكِيَةَ فِي جُلُودِ الْحَمِيرِ تَعْمَلُ شَيْئًا وَلَا
تَحِلُّ جُلُودُ الْحَمِيرِ عِنْدَهُ إِلَّا بِالدِّبَاغِ كَجُلُودِ الْمَيْتَاتِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ أَعَمُّ وَأَظْهَرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ
قِيلَ فِي الْحُمُرِ إِنَّمَا نُهِيَ مِنْهَا عَنِ الْجَلَّالَةِ
وَقَالَ لِبَعْضِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْهَا كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتِ الْعُلَمَاءُ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ
الْآثَارِ لِضَعْفِ مَخَارِجِهَا وَطُرُقِهَا مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا جُمْلَةً وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ
أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السباع
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289
ومن لم ير بن عَبَّاسٍ حُجَّةً فِي إِبَاحَتِهِ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ
خِلَافُ ثَابِتِ السنة كقول من ليس في المنزلة من أهل العلم مثله أخرى أَنْ يُتْرَكَ
فِي لُحُومِ السِّبَاعِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِهَا وَتَحْرِيمِهِ لَهَا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي عَوْفٍ عَنِ
الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ((أَلَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ
ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ))
وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ مَنْ أَجَازَ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (قُلْ
لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الْآيَةَ الْأَنْعَامِ 145
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) مِنْهَا أَنَّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ
مَكِّيَّةٌ وَمَفْهُومٌ فِي قَوْلِهِ (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) الْأَنْعَامِ 145 أَيْ شَيْئًا
مُحَرَّمًا وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهَا قُرْآنٌ كَثِيرٌ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَشْيَاءَ مُحَرَّمَةٍ وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ
بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ مِنْ آخِرٍ مَا نَزَلَ وَفِيهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّبَا وَحَرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبُيُوعِ أَشْيَاءَ
يَطُولُ ذِكْرُهَا
وأجمعوا أَنَّ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ
السِّبَاعِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ
رَوَاهُ عَنْهُ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ منهم أبو هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَصْحَبُوهُ
إِلَّا بِالْمَدِينَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا)) الْأَنْعَامِ 145
فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ فِيمَا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَقْتِي هَذَا غَيْرَ ذَلِكَ
وَقِيلَ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ يُرِيدُ الْعَرَبَ
وَقِيلَ إِنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى جَوَابِ سَائِلٍ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَأْكَلِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ فِيمَا
سَأَلْتُمْ عَنْهُ شَيْئًا مُحَرَّمًا إِلَّا كَذَا وَلَمْ تَسْأَلُوا عَنْ ذِي النَّابِ وَحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَقَدْ أَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ تَحْرِيمَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُنْخَنِقَةِ وَمَا ذَكَرْنَا مَعَهَا وَأَشْيَاءَ يَطُولُ ذِكْرُهَا
وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الْحَشْرِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290
أَلْزَمَ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ الِانْتِهَاءَ عَنْ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ
مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَحْرِيفُ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَهُمُ الْجُمْهُورُ الَّذِي يَلْزَمُ مَنْ شَذَّ عَنْهُمُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ عَلَى غَيْرِ
التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ خَارِجًا بِدَلِيلِهِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْجُمْلَةِ
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى
خَالَتِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)
النِّسَاءِ 45 يُعَارِضُ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ نَهْيَهُ عَنْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَعَلَى خَالَتِهَا
زِيَادَةَ بَيَانٍ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَكْلُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
حَرَامٌ))
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ هَذَا مَا كَانَ يَعَدُو
عَلَى النَّاسِ مِثْلَ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَالنَّمِرِ الْعَادِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا الْأَغْلَبُ فِي
طَبْعِهِ أَنْ يَعْدُوَ وَمَا كَانَ الْأَغْلَبُ فِي طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَعْدُو فَلَيْسَ مِمَّا عَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ هَذَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الضَّبُعِ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَهِيَ سَبُعٌ
وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
الضَّبُعِ أَأْكُلُهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتَ أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نعم
قالوا وإن كان هذا الحدبث انْفَرَدَ بِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَقَدْ
وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ ثِقَةٌ مَكِّيٌّ
وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِجَازَةُ أَكْلِ الضِّبَاعِ قَالُوا وَالضَّبُعُ
سَبُعٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أكلها
علمنا أن
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291
نَهْيَهُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا أَبَاحَهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ آخَرُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ فِيهِ الْعَدَاءُ عَلَى النَّاسِ
هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ذُو النَّابِ الْمُحَرَّمِ أَكْلُهُ هُوَ الَّذِي يَعْدُو عَلَى النَّاسِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ
قَالَ وَيُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ
وَهُوَ قول الليث
وروى معمر عن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ الثَّعْلَبُ سَبُعٌ لَا يُؤْكَلُ
قَالَ مَعْمَرٌ وَقَالَ قَتَادَةُ لَيْسَ بِسَبُعٍ
وَرَخَّصَ فِي أَكْلِهِ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُؤْذِي
قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ من سباع الوحش كلها ولا الهر والوحشي وَلَا
الْأَهْلِيِّ لِأَنَّهُ سَبُعَ
قَالَ وَلَا يُؤْكَلُ الضَّبُعُ وَلَا الثَّعْلَبُ وَلَا شَيْءَ مِنْ سِبَاعِ الْوَحْشِ
وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ
زَادَ بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَكُلُّ مَا يَفْتَرِسُ وَيَأَكُلُ اللَّحْمَ وَلَا يَرْعَى الْكَلَأَ فَهُوَ
سَبُعٌ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ يُشْبِهُ السِّبَاعَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ
أَكْلِهَا
وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْفِيلِ إِذَا ذُكِّيَ
قَالَ بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا بِأَرْضِنَا يَنْهَى
عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ
قال بن وَهْبٍ وَكَانَ اللَّيْثُ يَقُولُ يُؤْكَلُ الْهِرُّ وَالثَّعْلَبُ
وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ
يَخُصُّوا سَبُعًا مِنْ سَبُعٍ فَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ سَبُعٌ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْيِ عَلَى مَا
يُوجِبُهُ الْخِطَابُ وَتَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فِي مُخَاطَبَتِهَا
وَلَيْسَ حَدِيثُ الضَّبُعِ مِمَّا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
لِأَنَّهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ بِنَقْلِ الْعِلْمِ وَلَا مِمَّنْ
يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا خَالَفَهُ مِنْ هُوَ أُثْبِتُ مِنْهُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292
وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ - أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - فَقَالُوا ذُو النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ الْمَنْهِيُّ عَنْ أَكْلِهِ
الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ وَالْكَلْبُ وَالسِّنَّوْرُ البري والأهلي والوبر
قالوا وبن عُرْسٍ سَبُعٌ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ
وَكَذَلِكَ الْفِيلُ وَالدُّبُّ وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَأَمَّا الْوَبَرُ فَلَا أَحْفَظُ فِيهِ شَيْئًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ
الْأَرْنَبِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَلِفُ إِلَّا الْبُقُولَ وَالنَّبَاتَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي السِّنْجَابِ وَفِي الْفَنَكِ والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وبن
عُرْسٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الضَّبُّ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجَازَةُ أَكْلِهِ وَفِي
ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبُعٍ يَفْتَرِسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ بن الْمُسَيِّبِ لَا بَأْسَ بِالْوَرَلِ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْوَرَلُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالضَّبِّ
وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الْفِيلِ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَهُمْ لِلْأَسَدِ أَشَدُّ كَرَاهَةً
وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ أَكْلَ الْكَلْبِ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ أَنَّهُ قَالَ ((طُعْمَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وقد أغنى
الله عنها))
وروي عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ الضَّبُعَ لَا يَصْلُحُ أَكْلُهَا
وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِأَكْلِ الْيَرْبُوعِ بَأْسًا
وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ
وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ أَجَازَ أَكْلَ الْوَبْرِ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَحْمِ الْقِرْدِ
وكرهه بن عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَيْسَ الْقِرْدُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا أَنَّ الْقِرْدَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا منفعة فيه وذو
الناب مثله عِنْدِي
وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي حُجَّةِ غَيْرِهِ
وأما جلود السباع المذكاة لجلودها فاختلف الصحابة في ذلك
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293
فروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السِّبَاعَ إِذَا ذَكِّيَتْ مِنْ أَجْلِ جُلُودِهَا حَلَّ بَيْعُهَا وَلِبَاسُهَا
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الذَّكَاةُ عِنْدَهُ فِي السِّبَاعِ لِجُلُودِهَا أَكْمَلُ طَهَارَةً
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الدِّبَاغِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ
وَهُوَ قَوْلُ بن القاسم
وقال بن حَبِيبٍ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي السِّبَاعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا لُبْسُهَا وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهَا
وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا إِذَا ذُكِّيَتْ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ
قَالَ بن حَبِيبٍ وَلَوْ أَنَّ الدَّوَابَّ الْحَمِيرَ وَالْبِغَالَ إِذَا ذُكِّيَتْ لِجُلُودِهَا لَمَا حَلَّ بَيْعُهَا وَلَا
الِانْتِفَاعُ بِهَا وَلَا الصَّلَاةُ فِيهَا إِلَّا الْفَرَسَ فَإِنَّهُ لَوْ ذُكِّيَ يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ
لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي تَحْرِيمِهِ
وَقَالَ أَشْهَبُ أَكْرَهُ بَيْعَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَإِنْ ذَكِّيَتْ مَا لَمْ تُدْبَغْ
قَالَ وَأَرَى أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِيهَا وَيُفْسَخَ ارْتِهَانُهَا وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ
يُعْذَرَ بِالْجَهَالَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
فَالذَّكَاةُ فِيهَا لَيْسَتْ بِذَكَاةٍ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ
قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ أَتَرَى مَا دُبِغَ مِنْ جُلُودِ الدَّوَابِّ طَاهِرًا فَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِي جُلُودِ
الْأَنْعَامِ
فَأَمَّا جُلُودُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ جِلْدُهُ طَاهِرًا إِذَا دُبِغَ وَهُوَ مِمَّا لَا ذَكَاةَ فِيهِ
وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي جِلْدِ
مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبِّاغِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمَ بْنَ خُلْدٍ
قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي جِلْدِ شَاةٍ مَاتَتْ ((أَلَا دَبَغْتُمْ جِلْدَهَا)) وَنَهَى
عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294
قَالَ فَلَمَّا رُوِيَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْكَلَامَيْنِ جَمِيعًا لَوْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ كَانَ كَلَامًا صَحِيحًا وَلَمْ يَتَنَاقَضْ
وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ فِي جِلْدِ خِنْزِيرٍ وَإِنْ دُبِغَ فَلَمَّا كَانَ الْخِنْزِيرُ حَرَامًا لَا
يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ ذُكِّيَ وَكَانَتْ السِّبَاعُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ ذُكِّيَتْ كَانَ حَرَامًا أَنْ يُنْتَفَعَ
بِجِلُودِهَا وَإِنْ دُبْغَتْ قِيَاسًا عَلَى ما أجمعوا عليه من الخنزير إذ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً
هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ
وَذَكَرَ هُشَيْمُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الْبِغَالِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ صَحِيحٌ فِي الذَّكَاةِ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا
أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((كُلُّ إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)) وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ جِلْدٍ إِلَّا أَنَّ
جُمْهُورَ السَّلَفِ أَجْمَعُوا أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لَا يَدْخُلُ في ذلك فخرج بإجماعهم
وحديث أبي ثَوْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ ذَبَائِحَ وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ نَهَى عَنْهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَتِ الْآثَارُ عَلَيْهِ
وَالْحَدِيثُ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ
قَالَ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنِ بْنِ أَبِي عَرُوَبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي
الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ
السِّبَاعِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَكَاهُ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَجُوزُ تَذْكِيَةُ السِّبَاعِ وَإِنْ ذُكِّيَتْ
لِجُلُودِهَا لَمْ يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ جُلُودِهَا إِلَّا أَنْ تُدْبَغَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قول بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ
وَالْأَثَرِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْقُلَهُ غَيْرُهُ
وَلِوُضُوحِ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ إِلَّا بِمُذَابَحَةِ الْمُحْرِمِ أَوْ ذَبْحٍ فِي الْحَرَمِ أَنَّ
ذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَكَاةً لِلْمَذْبُوحِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا
تَعْمَلُ فِي جِلْدِهِ الذَّكَاةُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مِنَ الْأُهُبِ فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ