مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى
يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا

قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
مُسْلِمٍ (...)
 
مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى
يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى
مَاتَ دَخْلَ النَّارَ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنَ الْمَيْتَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ فِي ((مُوَطَّئِهِ)) مَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنَ الْمَيْتَةِ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَسُدُّ
الرَّمَقَ وَالنَّفْسَ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْمُضْطَرُّ يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ
وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ فَإِذَا
أَكَلَ مِنْهَا مَا يُزِيلُ الْخَوْفَ فَقَدْ زَالَتِ الضَّرُورَةُ وَارْتَفَعَتِ الْإِبَاحَةُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهَا
وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَيْسَ مِمَّنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) الْبَقَرَةِ 173 وَقَالَ (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الْأَنْعَامِ
119
فَإِذَا كَانَتِ الْمَيْتَةُ حَلَالًا لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهَا أَكَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ حَتَّى يَجِدَ غَيْرَهَا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ
قَالَ الْحَسَنُ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ مِنْهَا قُوتَهُ
وَقَدْ قِيلَ مَنْ تَغَدَّى لَمْ يَتَعَشَّ مِنْهَا وَمَنْ تَعَشَّى لَمْ يَتَغَدَّ مِنْهَا
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ
تَغْتَبِقُوا
وَالصَّبُوحُ الْغَدَاءُ وَالْغَبُوقُ الْعَشَاءُ وَنَحْوُ هَذَا
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) الْبَقَرَةِ 173
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَادٍ قَاطِعِ سَبِيلٍ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) الْبَقَرَةِ 173 قَالَ
غَيْرَ قَاطِعِ سَبِيلٍ وَلَا مُفَارِقِ الْأَئِمَّةِ وَلَا خَارِجٍ فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ
يُرَخَّصْ لَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَالَ هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَلَيْسَ
لَهُ رُخْصَةٌ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِلَى الْمَيْتَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لِلَّهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِحَالٍ لِأَنَّ
اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ لِلضَّرُورَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ
وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا تَحِلُّ لَهُ الْخَمْرُ وَلَا يَشْرَبُهَا وَلَا تَزِيدُهُ إِلَّا
عَطَشًا
وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ
ذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ بُرْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ لَا يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا لَا
تَزِيدُهُ إِلَّا عَطَشًا
وَرَوَى جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ قَالَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى الْخَمْرِ فَلَا يَشْرَبْهَا
فَإِنَّهَا لا تزيده إلا عطشا
وروى بن وهب عن يونس أنه سأل بن شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى شُرْبِ الْخَمْرِ
هَلْ فِيهِ رُخْصَةٌ قَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ لِأَحَدٍ وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ تَعَالَى
لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ عِكْرِمَةُ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَالَ يَتَعَدَّى فَيَزِيدُهُ عَلَى مَا يُمْسِكُ نَفْسَهُ
وَالْبَاغِي كُلُّ ظَالِمٍ فِي سَبِيلِ الْغَيْرِ مُبَاحَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ قَالَ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَالَ غَيْرُ باغ فيها يأكلها وهنو
غَنِيٌّ عَنْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ شُرْبَ الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
ذَكَرَ الرُّخْصَةَ لِلْمُضْطَرِّ مَعَ تحريم الخمور وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ
وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَلَمْ يُذَكِّرْ مَعَ ذَلِكَ رُخْصَةَ لِلْمُضْطَرِّ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى
الظَّاهِرُ إِلَى غَيْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308
زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنَّ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْغَنَمِ
يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ
مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يأكل الميتة
وإن هو خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ
خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ
مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرُّ إِلَى الميتة يريد اسْتِجَازَةَ أَخَذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ
بِدُونِ اضْطِرَارٍ
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَرَأَى
لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَشْبَعَ وَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِلَّا مَا
يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا كَأَنَّهُ رَأَى الْمَيْتَةَ أُطْلِقَ أَكْلُهَا لِلْمُضْطَرِّ وَجَعَلَ قَوْلَهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ ((أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)) يَعْنِي أَمْوَالُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَعَمُّ وَأَشَدُّ
وَهَذَا يُخَالِفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) وَلِأَنَّ الْمُوَاسَاةَ فِي الْعُسْرَةِ
وَتَرْمِيقَ الْمُهْجَةِ مِنَ الْجَائِعِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِإِجْمَاعٍ فَكِلَاهُمَا حَلَالٌ فِي الْحَالِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ
عَنْ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ أَصَابَتْنِي سَنَةٌ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَعَرَكْتُ
سُنْبُلًا فَأَكَلْتُ وَحَمَلْتُ فِي ثَوْبِي فَجَاءَ صَاحِبُهُ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ((مَا عَلَّمْتَ إِذْ كَانَ جَاهِلًا وَلَا أَطْعَمْتَ إِذْ كَانَ
جَائِعًا)) أَوْ قَالَ ((سَاغِبًا)) وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي وَأَعْطَانِي وَسْقًا أَوْ نِصْفَ وَسْقٍ مِنْ
طَعَامٍ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309
رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَلَمْ يَلْقَ أَبُو بِشْرٍ
صَاحِبًا غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ
وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلْيَحْتَلِبْ فَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي التَّمْرِ وَالزَّرْعِ وَالْغَنَمِ أَنَّهُ يُقْطَعُ إِذَا عُدَّ سَارِقًا فَهَذَا لَا يَكُونُ فِي زَرْعٍ
قَائِمٍ وَلَا ثَمَرٍ فِي شَجَرٍ وَلَا غَنَمٍ فِي سَرْحِهَا لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا
الْقَطْعُ فِي الزرع إذا صار في الأندر وصار التمر فِي الْجَرِيسِ وَالْغَنَمِ فِي الدَّارِ
وَالْمَرَاحِ وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْحِرْزِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ
وَالَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِيَارٌ وَاسْتِحْبَابٌ وَاحْتِيَاطٌ عَلَى السَّائِلِ
وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَحَلَالٌ لِلْمُضْطَرِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا دَامَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ بِإِجْمَاعٍ
وَكَذَلِكَ أَكْلُهُ زَرْعَ غيره أوإطعام غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَهُ حَلَالٌ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ
حَالَهُ تِلْكَ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ مَا يُمْسِكُ بِهِ رَمَقَهُ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ قِيَامُهُ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَرْضًا عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فَإِنْ
قَامَ به من قام منهم سقط ذلك الغرض عَنْهُمْ وَلَا يَحِلُّ لِمَنِ اضْطُرَّ أَنْ يَكُفَّ عَمَّا
يُمْسِكُ رَمَقَهُ فَيَمُوتُ
وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ مَسْرُوقٌ إِنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَأْكُلْهَا وَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ
فَرْضٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فِيهِ
وَهَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَكَلَ شَيْئًا لَهُ بَالٌ وَقِيمَةٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ هَلْ عَلَيْهِ
ثَمَنُ ذَلِكَ أَمْ لَا
فَقَالَ قَوْمٌ يَضْمَنُ مَا أَحْيَا بِهِ نَفْسَهُ
وَقَالَ الْأَكْثَرُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَائِطَ فَيَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ أَوْ يَجِدُهُ
سَاقِطًا قَالَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ نَفْسَ صَاحِبِهِ تَطِيبُ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مُحْتَاجًا فَلَا
يَكُونُ عَلَيْهِ شيء
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310
وَفِي ((التَّمْهِيدِ)) بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ مِنَ الثِّمَارِ فِي أَسْفَارِهِمْ - يَعْنِي بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يُفْسِدُ وَلَا يَحْمِلُ وَسَنَزِيدُ هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا عِنْدَ قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ))
فِي بَابِ الْغَنَمِ مِنَ الْجَامِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311