مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ
الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ
هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى (...)
 
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ
الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ
هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى مُرْسَلًا وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى إِرْسَالِهِ مِنْهُمُ بن وهب ومطرف
وبن بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ وَأَبُو عُفَيْرٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى كُلُّهُمْ رَوَاهُ كَمَا رَوَاهُ
يَحْيَى لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ
وَوَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ وبن الْقَاسِمِ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَالَا فِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عُمَرَ
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ طَاوُسًا
يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ سَأَلَ حَفْصَةَ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَأَمْهَلَتْهُ
حَتَّى إِذَا لَبِسَ ثِيَابَهُ سَأَلَتْهُ فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتِفٍ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ في
الكلالة) النساء 176 وَقَالَ ((مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا أَعُمَرُ مَا أَظُنُّ أنه يفهمها أو لم تَكْفِيهِ
آيَةُ الصَّيْفِ)) فَأَتَتْ حَفْصَةُ عُمَرَ بِالْكَتِفِ)) فَقَرَأَهُ فَلَمَّا بَلَغَ (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النِّسَاءِ 176
رَمَى بِالْكَتِفِ وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ بَيَّنْتَ لَهُ فَلَمْ تُبَيِّنْ لِي
قَالَ سُفْيَانُ وَآيَةُ الصَّيْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) النساء
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَلَالَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ فِيهِ
خَبَرٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَنِ الرَّسُولِ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ السَّائِلَ عَلَيْهِ وَيَكِلَ فَهْمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ
إِذَا كَانَ السَّائِلُ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ عُمُومِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ
واختلف الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (يُورَثُ كَلَالَةً) النِّسَاءِ 12
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْكَلَالَةُ صِفَةٌ لِلْوِرَاثَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ سُمِّيَتْ تِلْكَ
الْوِرَاثَةُ كَلَالَةً
وَمَنْ قَالَ بِهَذَا جَعَلَ كَلَالَةً نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قَالَ يُورَثُ وِرَاثَةً أَيْ يُورَثُ
بِالْوِرَاثَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا كَلَالَةً كَمَا تَقُولُ قُتَلَ غِيلَةً كَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ
كَلَالَةً
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَصْدَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ أَحَاطَ بِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ الْكَلَالَةُ صِفَةٌ لِلْوَرَثَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ سُمِّيَتِ الْوَرَثَةُ كَلَالَةً
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً وَكَانَ لَا وَلَدَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ يُورِثُ كَلَالَةً بِكَسْرِ الرَّاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَنْ قَرَأَ يُورَثُ كَلَالَةً فَهُمُ الْعَصَبَةُ الرِّجَالُ الْوَرَثَةُ
وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَالَةَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ سُمِّي
الْمَيِّتُ كَلَالَةً إِنْ كَانَ رَجُلٌ أو امرأة كما يقال رَجُلٌ صَرُورَةٌ وَامْرَأَةٌ صَرُورَةٌ فِيمَنْ لَمْ
يَحُجَّ وَمِثْلُهُ رَجُلٌ عَقِيمٌ وَامْرَأَةٌ عَقِيمٌ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354
وَحَجَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ
الْكَلَالَةِ الكلالة من لا ولد له ولا والد
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وزيد وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وقد روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ خَاصَّةً
وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَجَمَاعَةُ
الْفُقَهَاءِ
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدٍ السَّلُولِيِّ قَالَ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ الْكَلَالَةَ
مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي الْكَلَالَةِ أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ
فَقَطْ وَأَنَّهُ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَنْ كَانُوا مَعَ الْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وإنه لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ
فِي أَنَّ الْجَدَّاتِ تُحْجَبُ بِهَا الْإِخْوَةُ وَأَنَّ الْأُمَّ لَا يَحْجُبُهَا عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا
ثَلَاثَةٌ مِنَ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَجِيءَ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا فِي امْرَأَةٍ خَلَّفَتْ مِنَ الْوَرَثَةِ زَوْجًا
وَأَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأَبِ السُّدُسَ وَيَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِأَنَّ
الْأَبَ لَا يَحْجُبُهُ الْبَنُونَ عَنِ السُّدُسِ فَكَيْفَ يَحْجُبُهُ عَنْهُ الْإِخْوَةُ هَذَا لَا يصح عن بن
عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِيهِ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ
الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)
النِّسَاءِ 12 قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ وَلَدٌ
وَلَا وَالِدٌ قَالَ مالك فأما الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فِيهَا (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ
أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النِّسَاءِ 176
قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ
الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ هُنَا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلَمْ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355
يَقُلْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ
لِأَنَّهُ وَغَيْرَهُ وَكُلَّ مِنْ تَكَلُّمٍ فِي الْفَرَائِضِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَخٌ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مَعَ الْوَالِدِ كَمَا لَا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ
وَهَذَا أَصْلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ لَا مَعَ الْأَبِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدْ أَوْضَحْنَاهُ
فِي بَابِ ((مِيرَاثِ الجد))
وقد قال مَالِكٌ فِي بَابِ ((مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ مُوَطَّئِهِ)) أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ
الِابْنِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الأب دينا شَيْئًا
وَبِهَذَا اسْتَغْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَذْكُرَ الْوَالِدَ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُشْكِلُ عَلَى
أَحَدٍ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أن الإخوة للأب والأم لا يرثون إلا من يورث كلالة ولا
يُورَثُ كَلَالَةً إِلَّا مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِ السَّلَفِ
أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - الْكَلَالَةَ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا
وَارِثًا غَيْرَ الْإِخْوَةِ
فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي صَدْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً
أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ
شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النِّسَاءِ 12
فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُنِيَ بِهِمُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ
الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ لَيْسَ مِيرَاثُهُمْ هَكَذَا
وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَسْتَفْتُونَكَ قل الله يفتيكم في
الكلالة إن امرؤا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) إِلَى قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النِّسَاءِ 176
فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لَيْسَ هَكَذَا لِأَنَّ اللَّهَ
- عَزَّ وَجَلَّ - جَعَلَ جَمَاعَةَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ شُرَكَاءَ فِي الثُّلُثِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سواء
وعلم الجميع بذلك أن الْإِخْوَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ
وَدَلَّتِ الْآيَتَانِ جَمِيعًا أَنَّ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ كَلَالَةٌ
وَإِذَا كَانَ الْإِخْوَةُ كلالة فمعلوم أن من كان أبد مِنْهُمْ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ كَلَالَةً وَكُلُّ
مَنْ لَا يَرِثُهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَقَدْ يورث كلالة
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356
قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَلَالَةِ وَصَارَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ مَا خَلَا الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ
قَالَ مَالِكٌ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ
وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ
كَأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ
يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ فَهُوَ
أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخْذَهُ
بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى
بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ هَذَا الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً مَعَ الْجَدِّ بَلْ أَرَادَ
بِذَلِكَ جَمِيعَ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ يَكُونُونَ عَصَبَةً لِلْأَبِ كَانُوا أَوْ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا
لَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَهُمْ فِي امْرَأَةٍ هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا
لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَجَدَّهَا
فَقَالَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَجَعْلَ لِلْجَدِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ الثُّلُثُ
قَالَ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ لَوْ لَمْ أَكُنْ أَنَا كَانَ لِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ شَيْئًا
فَلَمَّا حَجَبْتُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْهُمْ كُنْتُ أَنَا أَحَقَّ بِهِ منهم
وروى بن وَهْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ فِي
امْرَأَةٍ هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا وَجَدَّهَا قَالَ لِلزَّوْجِ
النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ
وَيَحْيَى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي سِتَّةِ إِخْوَةٍ مُعْتَرِفِينَ اثْنَانِ لِأَبٍ وَاثْنَانِ لِأُمٍّ وَاثْنَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ
وَزَوْجٍ وَجَدٍّ يَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَيَشْتَرِكُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ فِي السُّدُسِ وَيَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ
وَعَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَعْرُوفُ أَنَّ السُّدُسَ الْبَاقِيَ لِلْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّ الْجَدَّ
حَجَبَ الْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي الْفَرِيضَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجَدِّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْإِخْوَةِ
وَمَا احْتَجَّ بِهِ فَعَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ ((الْجَدِّ)) قَوْلَ مَنْ حَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ وَقَوْلَ مَنْ قَاسَمَهُمْ بِهِ إِلَى
الثُّلُثِ
وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ فِي مُقَاسَمَتِهِ لِلْجَدِّ بِهِمْ إِلَى السُّدُسِ فَلَا مَعْنَى لإعادة ذلك ها هنا
وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ جَعَلَ الْأَخَ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ وَحَجَبَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ
بَلْ هُمْ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا مِنْ أُصُولِهِمْ
وَذَكَرْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ إِلَّا فِرْقَةً مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ ثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ فَإِنَّهُمْ حَجَبُوا الْجَدَّ
بِالْأَخِ وَرَوَوْا فِيهِ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا لَا يَصِحُّ وَشَذُّوا عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَالَفُوا
سَبِيلَهُمْ فَلَمْ يَنْشَغِلْ بِهِمْ
وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَالِكٍ - رَحْمَهُ اللَّهِ - عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يُرْوَى عَنْ
زَيْدٍ فِي ذَلِكَ