مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال ((لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ))
قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا
يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال ((لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ))
قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا
يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنُ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى
صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا
الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ
تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ بِنَحْوِ مَا فَسَّرَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381
وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ كُلُّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ السَّلَفِ
وَالْخَلْفِ
وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْخِطْبَةَ لِأُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ عَلَى خِطْبَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ حِينَ خَطَبَا فَاطِمَةَ بِنْتَ
قَيْسٍ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاوِرَةً لَهُ فَخَطَبَهَا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
عَلَى خِطْبَتِهَا
وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْعَلُ مَا يَنْهَى عَنْهُ
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ادَّعَى نسخا في أحاديث هذا الباب فدل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا قَالَهُ
الْفُقَهَاءُ مِنَ الرُّكُونِ وَالرِّضَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ
وَجَلَّ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا يَخْطُبُ
أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ
فَإِذَا رَكَنَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا وَوَقَعَ الرِّضَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ حِينَئِذٍ الْخِطْبَةُ عَلَى مَنْ رُكِنَ
إِلَيْهِ وَرُضِيَ بِهِ وَاتُّفِقَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا
وَاخْتَلَفُوا فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ وَسَنَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وقد روى بن وهب عن الليث وبن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول ((الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ
يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ))
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَا جَاءَ عَنِ السلف ما رواه بن وَهْبٍ فِي ((مُوَطَّئِهِ))
قَالَ أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي
ذُبَابٍ أَنَّ جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ أَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنْ دَوْسٍ ثُمَّ
أَمَرَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا بِهِمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَهُمْ لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا
أَدْرِي أَتَلْعَبُ أَمْ أَنْتَ جَادٌّ قَالَ بَلْ جَادٌّ فَنَكَحَتْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ
وَفِي سَمَاعِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ أَكْرَهُ إِذَا بَعَثَ الرَّجُلُ
رَجُلًا يَخْطُبُ لَهُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَأَرَاهَا خِيَانَةً
وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امرأة وركنت إليه واتفقا عَلَى صَدَاقٍ مَعْلُومٍ حَتَّى
صَارَتْ مِنَ اللَّائِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى
خِطْبَةِ أَخِيهِ))
قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ هَكَذَا فَمَلَكَهَا زَوْجٌ آخَرُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ دَخَلَ بِهَا مَضَى النِّكَاحُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً فِي حَالِ نَهْيِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِيمَنْ خَطَبَ بَعْدَ الركون
على خطبة أخيه أنه يُفْسَخَ نِكَاحُهُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ نَكَحَ لَمْ يُفْسَخْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا يفعله
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِعَاصٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا وَغَيْرَ مُتَأَوِّلٍ
وَقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ نكاحه على كل حال
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383
وقال بن الْقَاسِمِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَنْ رَكَنَتْ إِلَى غَيْرِهِ فَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ
يَتَحَلَّلُ الَّذِي خَطَبَهَا عَلَيْهِ وَيُعَرِّفُهُ بِمَا صَنَعَ فَإِنْ حَلَّلَهُ وَإِلَّا فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ
وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا وَقَدْ أَثِمَ فِيمَا فَعَلَ
قَالَ بن وَهْبٍ إِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ الْأَوَّلُ فِي حِلٍّ مِمَّا صَنَعَ فَلْيُطَلِّقْهَا فَإِنْ رَغِبَ فِيهَا الْأَوَّلُ
وتزوجها فقد بريء هَذَا مِنَ الْإِثْمِ وَإِنْ كَرِهَ تَزْوِيجَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا الَّذِي فَارَقَهَا بِنِكَاحٍ
جَدِيدٍ وَلَيْسَ يُقْضَى عَلَيْهِ بالفراق
وقال بن الْقَاسِمِ إِنَّمَا مَعْنَى النَّهْيِ فِي أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي رَجُلَيْنِ
صَالِحَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي خَطَبَهَا أَوَّلًا فَرَكَنَتْ إِلَيْهِ رَجُلَ سُوءٍ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ
يَحُضَّهَا عَلَى تَزْوِيجِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُعَلِّمُهَا الْخَيْرَ وَيُعِينُهَا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((أن يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ
أَخِيهِ أَوْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)) وَالْبَيْعُ عِنْدَهُمْ (مَكْرُوهٌ) غَيْرُ مَفْسُوخٍ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ
لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بُضْعَهَا بِالرُّكُونِ دُونَ الْعَقْدِ وَلَا كَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ زَوْجَةً يَجِبُ بَيْنَهُمَا
الْمِيرَاثُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَضَى مَالِكٌ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ
وَفَسْخُ النِّكَاحِ عِنْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ بَابِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِيُدْرِكَ الْعَمَلَ عَلَى
سُنَّتِهِ وَكَمَالِ حُسْنِهِ
وَالرُّكُونُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ السُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ بِالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِ وَنَقِيضُهُ
النُّفُورُ عَنْهُ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) هُودٍ 113
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ تَشْدِيدٌ وَتَغْلِيظٌ رَوَاهُ بن السَّرْحِ عَنْ
حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ زِيَادَ بْنَ عُيَيْنَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ
لَئِنْ يَجْمَعُ الرَّجُلُ حَطَبًا حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْجَبَلِ ثُمَّ يُوقِدُهُ بِالنَّارِ فَإِذَا احْتَرَقَ اقْتَحَمَ فِيهِ
حَتَّى يَصِيرَ رَمِيمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ إِحْدَى ثَلَاثٍ
يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ أَوْ يُصِرُّ لِقْحَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَكَمُلَ النِّكَاحُ لَهُ ارْتَفَعَ الْوَعِيدُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً
فَمَغْفُورٌ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ