مالك عن عبد الله بن الفضل عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((الْأَيِّمُ (1) أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)) قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ رَفِيعٌ (...) |
مالك عن عبد الله بن الفضل عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((الْأَيِّمُ (1) أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)) قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ رَفِيعٌ صَحِيحٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ أَشْرَافٌ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْجُلَّةِ منهم شعبة وسفيان الثوري وبن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ)) وَاخْتَلَفَ رُوَاتُهُ فِي لَفْظِهِ فَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ فِيهِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَقَالَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَمِمَّنْ قَالَ بذلك بن عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)) وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ صَمْتُهَا إِقْرَارُهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ فِيهِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا جَاءَ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى عِنْدَهُ وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الَّتِي آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَهِيَ الثَّيِّبُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ مِنْهُنَّ أَيِّمُ) يَقُولُ لَيْسَ مِنْهُنَّ مَنْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ حِينَ تَأَيَّمَتِ ابْنَتُهُ حَفْصَةُ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ الْحَدِيثَ وَبِحَدِيثِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ آمَتْ حَفْصَةُ مِنْ زَوْجِهَا وآمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ الْحَدِيثَ قَالُوا فَالْأَيِّمُ هُنَا الثَّيِّبُ وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَيِّمًا فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاتِّسَاعِ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ عَدَمُ الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَالُوا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى الْأَيِّمُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُجْمَلٌ وَالْمَصِيرُ إِلَى الرِّوَايَةِ الْمُفَسِّرَةِ أَشْهَرُ فِي الْحُجَّةِ وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ وَسَعِيدٌ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ جبير بن مطعم عن بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الثَّيِّبُ أَوْلَى بِأَمْرِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا)) قَالُوا وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الثَّيِّبُ كَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فَذَكَرَ الْبِكْرَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَيِّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا الثَّيِّبُ قَالُوا وَلَوْ كَانَتِ الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا مِنَ النِّسَاءِ لَبَطَلَ قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إِلَّا بِوَلِيٍّ)) وَلَكَانَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ رَدَّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وردا لقوله تعالى (فبلغن أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 يُخَاطِبُ الْأَوْلِيَاءَ بِذَلِكَ وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) دَلَّ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّهَا حَقًّا لَكِنَّهَا أَحَقُّ مِنْهُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ عَلَى الْبِكْرِ فَوْقَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُنْكِحُ الثَّيِّبَ إِلَّا بِأَمْرِهَا وَيُنْكِحُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا وَاسْتِئْمَارُهَا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْوَلِيَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْأَبُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُنْكِحُ الثَّيِّبَ مِنْ بَنَاتِهِ إِلَّا بِأَمْرِهَا وَلَهُ أَنْ يُنْكِحَ الْبِكْرَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِضُرُوبٍ مِنَ الْحُجَجِ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا)) دَلَائِلُ وَمَعَانٍ وَفَوَائِدُ أَحَدُهَا أَنَّ الْأَيِّمَ إِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا فَغَيْرُ الْأَيِّمِ وَلِيُّهَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَتَا جَمِيعًا أَحَقَّ بِأَنْفُسِهِمَا مِنْ وَلِيِّهِمَا لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْأَيِّمِ مَعْنًى وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الدَّلَائِلِ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) الطَّلَاقِ 6 دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ إذا لم يكمن أولات حمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ)) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي (إِذَا) بِيعَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّتِي يُخَالِفُهَا وَلَيُّهَا أَحَقُّ بِهَا وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَتُسْتَأْمَرُ الْبِكْرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)) دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إِذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَالَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلَامُ وَالْآخَرُ أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنَ الْوَلِيِّ قَالَ وَالْوَلِيُّ ها هنا الْأَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَلَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَذَلِكَ لِلْأَبِ فِي بَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بَوَالِغَ أَوْ غَيْرِ بَوَالِغَ وَهُوَ الْمُطْلَقُ الْكَامِلُ الْوِلَايَةِ لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْوَلَاةَ إِلَّا بِهِ وَقَدْ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَهُوَ يَنْفَرِدُ بِهَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ اسْمُ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا وَذَكَرَ حَدِيثَ خنساء بنت خدام أن رسول الله رَدَّ نِكَاحَهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا إِذْ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا قَالَ وَأَمَّا الِاسْتِئْمَارُ لِلْبِكْرِ فَعَلَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَرَجَاءِ الْمُوَافَقَةِ وَخَوْفِ مُوَافَقَةِ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آلِ عِمْرَانَ 159 وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ رَدُّ مَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن ليفتدي بِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى آثَارٌ ذَكَرْنَاهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ ((جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ)) وَكَانَ هَذَا الْبَابُ أَوْلَى بِهِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَقَالَ آخَرُونَ الْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا واستشهدوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ (فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي ... وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّمُ) أَيْ تَبْقِينَ بِلَا زَوْجٍ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّمَّاخِ (يُقِرُّ بِعَيْنِي أَنْ أُنَبَّأَ أَنَّهَا ... وَإِنْ لَمْ أَنَلْهَا أَيِّمٌ لَمْ تَزَوَّجْ) وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ (لِلَّهِ دَرُّ بَنِي عَلِيٍّ ... أَيِّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحِ) (إِنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تَحْجُرُ كُلَّ نَائِحِ) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بَالِغًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا قَالَ وَلَمْ يَدْخُلِ الْأَبُ فِي جُمْلَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي وَلَدِهِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَا يُشْبِهُونَهُ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَحْكَامُهُ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَيِّمَ كُلُّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية النُّورِ 32 يَعْنِي كُلَّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا قَالَ وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَيَامَى كُلَّهُنَّ أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِنَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِنَّ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ تَعْلِيمُ النَّاسِ كَيْفَ يَسْتَأْذِنُونَ الْبِكْرَ وَأَنَّ إِذْنَهَا صُمَاتُهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِي أَنْ تُجِيبَ بِلِسَانِهَا قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ إِذَا بَلَغَتْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لَهَا فِي نَفْسِهَا خِيَارٌ إِذَا بَلَغَتْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ لِدُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ الْأَيَامَى وَلَوْ كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْذَنَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ تَأَمَّلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحْتِجَاجِ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْقَوِيُّ فِيهِمَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ |