مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أنه قال قال عمر بن الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ (...) |
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أنه قال قال عمر بن الْخَطَّابِ لَا
تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ وَلِيِّهَا أَوْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ إِنْكَاحُهُ وَنَافِذٌ فِعْلُهُ إِذَا أَصَابَ وَجْهَ الصَّوَابِ مِنَ الْكَفَاءَةِ وَالصَّلَاحِ وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلِيِّهَا أَقْرَبَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَقْعَدَهُمْ بِهَا وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا عَصَبَتَهَا أولو الرَّأْيِ وَإِنْ بَعُدُوا مِنْهَا فِي النَّسَبِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبَ وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ (وَلِيٌّ) قَرِيبٌ وَلَا بَعِيدٌ وَجَعَلُوا قَوْلَ عُمَرَ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ كَنَحْوِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُحَارِبِينَ (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) الْمَائِدَةِ 33 وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْوَلِيِّ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا نُوَضِّحُهُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو عَوَانَةَ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الطُّرُقَ عَنْهُمْ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)) رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ بن جُرَيْجٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عِلَّةً وَرَوَاهُ بن عيينة عن بن جريج بإسناده (مثله) وزاد قال بن جُرَيْجٍ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَلَمْ ير واحد هذا الكلام عن بن جريج في هذا الحديث غير بن عُلَيَّةَ فَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ إِذْ قَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ الَّذِي عَنْهُ رُوِيَ وَطَعَنُوا بِذَلِكَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى فِي حِفْظِهِ قَالُوا لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهِ مَنْ لَمْ يُجِزِ النِّكَاحَ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ثِقَاتٌ قَالُوا وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ وَفَقِيهُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يَضُرُّ إِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ حَفِظَهُ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) الحديث أحفظه إلا من حديث بن لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَرَوَاهُ عَنِ بن لهيعة بن وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ وَالْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)) فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَيْسَ فِي الزُّهْرِيِّ بِحُجَّةٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَيُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ عَنْهُمْ إِذَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ قَدْ رواه بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعُدُولٌ حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ جريج عن بن ابي مليكة عن أبي عمر ومولى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ)) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُنَّ يَسْتَحْيِينَ قَالَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَسُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا)) وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى عِلَلِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَتَصْحِيحِهَا فِي ((التَّمْهِيدِ) بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ الْمَذْكُورَ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْوَلِيُّ مِنَ النَّسَبِ وَالْعَصَبَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْعَصَبَةِ مِثْلِ وَصِيِّ الْأَبِ وَذِي الرَّأْيِ مِنَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَعْدَ عَدَمِ التَّعْصِيبِ تَنْصَرِفُ إِلَى الَّذِي يَقِفُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ وَهُوَ رواية هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا كُفُؤًا جَازَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ فَإِنْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ وَالزَّوْجُ كُفُؤًا أَجَازَهُ الْقَاضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 وَنَحْوَ هَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَمَّا مَالِكٌ فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) هَذِهِ جُمْلَتُهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّرِيفَةَ وَالدَّنِيَّةَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْمُسَالِمَةَ وَمَنْ لَا خَطْبَ لَهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ هَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عن مالك وقال بن الْقَاسِمِ عَنْهُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُعْتَقَةً أَوْ مِسْكِينَةً دَنِيَّةً أَوْ تَكُونُ فِي قَرْيَةٍ لَا سُلْطَانَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ لَهَا حَالٌ وَشَرَفٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا وَلِيُّهَا أَوِ السُّلْطَانُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ بِإِذْنِهَا وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ لِلنَّاكِحِ صَلَاحٌ وَفَضْلٌ هَذَا قَوْلُهُ فِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) وَقَالَ سَحْنُونٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ لَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ أَقْرَبُ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَرَوَى آخَرُونَ أَنَّ لِلْأَقْرَبِ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ إِلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهَا عِنْدَ الزَّوْجِ وَتَلِدَ أَوْلَادًا قَالَ وَهَذَا فِي ذَاتِ الْمَنْصِبِ وَالْقَدْرِ وذكر بن حَبِيبٍ عَنِ الْمَاجَشُونِ قَالَ النِّكَاحُ بِيَدِ الْأَقْعَدِ فَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَالْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَثِيرَةُ الِاضْطِرَابِ وَقَالَ مالك وجمهور أصحابه الأخ وبن الْأَخِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِالْإِنْكَاحِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الجد أولى من الأخ وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الِابْنُ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَقَاوِيلَ يَظُنُّ مَنْ سَمِعَهَا أَنَّ بَعْضَهَا يُخَالِفُ بَعْضًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 قَالَ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَمَرَ بِالنِّكَاحِ وَحَضَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَبِذَلِكَ يَتَوَارَثُونَ ثُمَّ تَكُونُ وِلَايَةٌ أَقْرَبَ مِنْ وِلَايَةٍ كَمَا قَرَابَةٌ أَقْرَبُ مِنْ قَرَابَةٍ فَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِكَلَامٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) أَكْثَرُهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ النِّكَاحُ فَإِنْ دَخَلَ وَفَاتَ الْأَمْرُ بِالدُّخُولِ وَطُولِ الزَّمَنِ وَالْوِلَادَةِ لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ أَوْ يَكُونُ خَطَأً لَا شَكَّ فِيهِ فَأَمَّا مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الرَّأْيُ وَفِيهِ الِاخْتِلَافُ فَلَا يُفْسَخُ قَالَ وَيُشْبِهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَوْتًا وَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ وَلَكِنَّهُ احْتَاطَ فِي ذَلِكَ قَالَ وَالَّذِي يُشْبِهُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يُقَامَ عَلَى ذلك النكاح قال وقد ذكر بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثَ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مَفْسُوخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ طَالَ الْأَمَدُ أَوْ لَمْ يطل ولا يتوارثان إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْوَلِيُّ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ النِّكَاحِ وَلِيُّ الْقَرَابَةِ لِأُولِي الدِّيَانَةِ وَحْدَهَا دُونَ الْقَرَابَةِ ثُمَّ الْوِلَايَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ والأقعد في الأقعد وَلَا مَدْخَلَ عِنْدَهُ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُ سَفِيهًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ انْتِظَارُهُ لِطُولِهَا ولا ولاية عنده لأحد من الأب مع الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَالْجَدُّ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ أَبُوهُ أَبَدًا هَكَذَا وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا تُنْكَحُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُنْكِحُهَا أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَتُنْكَحُ الْبِكْرُ مِنْ بَنَاتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) النُّورِ 32 وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَيَامَى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) النِّسَاءِ 25 وقال تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْأَوْلِيَاءِ (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أزواجهن) البقرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَضْلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَجْعَتَهَا فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيُ الْقَرَابَةِ مِنَ الْعَصَبَةِ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بَوْلِيٍّ إِلَّا لِمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ مِنَ الْعَصَبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْأَوْلِيَاءُ الْعَصَبَةُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلِيٍّ فَلَهُ أَنْ يُنْكِحَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ أَحْتَاطُ لَهَا وَأُجِيزُ طَلَاقَهُ قَالَ إِسْحَاقُ كُلَّمَا طَلَّقَهَا وَقَدْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) (ثَلَاثًا) وَالْبَاطِلُ مَفْسُوخٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى فَسْخِ حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَيْسَ الْوَلِيُّ عِنْدَهُمْ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَلَا مِنْ فَرَائِضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَمَامِ النِّكَاحِ وَجَمَالِهِ لِأَنْ لَا يَلْحَقَهُ عَارُهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا جَازَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 وَقَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا فِي الْإِذْنِ دُونَ الْعَقْدِ قَالُوا وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ قَالُوا وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا قَالُوا وَالْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَكْسَبَهَا مَالًا فَجَازَ أَنْ تَلِيَهُ بِنَفْسِهَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ قَالُوا وَقَدْ أَضَافَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - النِّكَاحَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وَبِقَوْلِهِ (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 وَقَوْلِهِ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وَرَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حدثني بن فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ دَخَلَ بِهَا أَمْضَاهُ قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ قَدْ زَوَّجَهَا خَالُهَا وَأُمُّهَا فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ قَالَ يَحْيَى وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ عَلِيًّا حِينَ أَجَازَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا وَعَقْدِهَا فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ فِي كِتَابِنَا غَيْرُ هَذَا نَذْكُرُهُ هُنَاكَ أَبْلَغُ مِنَ الذِّكْرِ ها هنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي جَوَازِ إِنْكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مَا رَوَاهُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا)) وَلَمَّا لَمْ تَلِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ غَيْرَهَا لَمْ تَلِ عَقْدَ نِكَاحِ نَفْسِهَا أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا خَطَبَ إِلَيْهَا بَعْضُ قَرَابَتِهَا وَبَلَغَتِ التَّزْوِيجَ تَقُولُ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) النُّورِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وَقَالَ (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) النِّسَاءِ 25 وَقَالَ (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الْبَقَرَةِ 221 وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خُوطِبُوا بِإِنْكَاحِهِنَّ وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ (فلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الأيم أحق بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) وَلَمْ يَخُصَّ ثَيِّبًا مِنْ بِكْرٍ وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنَ الْبِكْرِ وَأَنْ لِلْوَلِيِّ فِيهَا حَقًّا لَيْسَ يَبْلُغَ مَبْلَغَ حَقِّهِ فِي الْبِكْرِ لِأَنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِذْنَ دُونَ الْعَقْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ وَكَانَتْ ثيبا وزوجها وأبوها بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَقِيلَ كَانَتْ بِكْرًا وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ وَوُجُوهُهُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَجْعَلُ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا فَيَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وأصحابه في ذلك ففي ((المدونة)) قال بن الْقَاسِمِ وَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَلَمْ يُجِبْنِي عَنْهَا وقال بن الْقَاسِمِ إِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فُسِخَ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ إِذَا كَانَ بِالْقُرْبِ فَإِنْ تَطَاوَلَ الْأَمَدُ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ جاز إذا ذَلِكَ صَوَابًا قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قَالَ سحنون وقال غير بن الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ نكاح عقده غير الولي وذكر بن حبيب عن بن الْمَاجَشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ وقال والفسخ فيه بغير طلاق وذكر بن شعبان عن بن الْمَاجَشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) قَالَ بن شَعْبَانَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا زَوَّجَ الْمَرْأَةَ غَيْرُ وَلِيِّهَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا وَالزَّوْجُ كُفْءٌ وَوَلِيُّهَا قَرِيبٌ فَلَا نَرَى أَنَّ نَتَكَلَّمَ فِي هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا رَوَاهُ بن الماجشون عن مالك في ما ذكره بن حبيب وبن شَعْبَانَ هُوَ الْقَوْلُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)) وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا رواية بن الْقَاسِمِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ نَحْوَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا مضى من هذا الباب إلا أن بن الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ يُجِيزُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إِذَا وَقَعَ وَفَاتَ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالطُّولِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرِيفَةِ ذات الحسب والحال وَبَيْنَ الدَّنِيَّةِ الَّتِي لَا حَسَبَ لَهَا وَلَا مال إلا مالكا في رواية بن الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْوَلِيِّ فَقَالَ جَائِزٌ أَنْ تُنْكَحَ الثَّيِّبُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَالْبِكْرُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا إِلَّا دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ جَاءَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ مَنْ سَلَفَ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لَا أَمْرَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ وَجَائِزٌ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ وَاحْتَجَّ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرزاق قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمرا وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا)) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ خَالَفَ دَاوُدُ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ فِيهَا بِالْمُجْمَلِ وَالْمُفَسِّرِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فَجَعَلَ قَوْلَهُ ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)) مُجْمَلًا وَقَوْلَهُ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) مُفَسِّرَا وَهُمَا فِي الظَّاهِرِ مُتَضَادَّانِ وَأَصْلُهُ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ أَنْ يَسْقُطَا جَمِيعًا كأنهما لم يجبا ويرجعا وَيُرْجَعُ إِلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَسْقَطَ فِيهِمَا الْحَدَثَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا مُجْمَلًا مُفَسَّرًا وَقَالَ بِحَدِيثِ الْإِبَاحَةِ مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَهُ لِشَهَادَةِ أَصْلِهِ لَهُ فَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وخالفه أَصْلًا لَهُ آخَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا اجْتُمِعَ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَرِعَ قَوْلًا ثَالِثًا وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا نِكَاحَ لِلْأَوَّلِ وَمَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كُلُّهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي مَذْهَبِهِ وَجَاءَ دَاوُدُ يَقُولُ بِفَرْقٍ بَيْنَهُمَا بِقَوْلٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهَا مَعَهَا كَمَا زَعَمَ دَاوُدُ وَمُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِأَنْ لَا تُنْكَحَ إِلَّا بِرِضَاهَا خِلَافَ الْبِكْرِ الَّتِي لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَأَنَّ وَلِيَّهَا أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا فَلَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَيِّمُ أَحَقُّ بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وَحَقُّ الْوَلِيِّ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّزْوِيجِ لِقَوْلِهِ ((أَيُّمَا امرأة نكحت بغير ولي ولا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ قَوْلٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَوَاجِدٍ وَكُلِّ نِكَاحٍ وَقَوْلُهُ ((الْأَيِّمُ أَوْلَى بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) وَيَمِيلُ أَنْ لِوَلِيِّهَا فِي إِنْكَاحِهَا حَقًّا وَلَكِنَّ حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا أَكْثَرُ وَهُوَ أَنْ لَا تُزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَلَيُّهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي وِلَايَتِهِ إِلَّا فِي تَوَلِّي الْعَقْدِ عَلَيْهَا إِذَا رَضِيَتْ وَإِذَا كَانَ لَهَا الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَهَذَا وَاضِحٌ عَالٍ وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الْبَقَرَةِ 232 وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَضَلِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أُخْتَهُ عَنْ رَدِّهَا إِلَى زَوْجِهَا كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ بَالِغَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 يُشَاوِرَهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذَا أَنْكَحَ الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةَ فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وَقَالَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ لَا خِيَارَ لَهَا فِي الْأَبِ وَلَا يُزَوِّجُهَا صَغِيرَةً غَيْرُ الْأَبِ قَالَ أَبُو قُرَّةَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا)) أَيُصِيبُ هَذَا الْقَوْلُ الْأَبَ قَالَ لَا لَمْ يَعْنِ الْأَبَ بِهَذَا إِنَّمَا عَنَى بِهِ غَيْرَ الْأَبِ قَالَ وَنِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ وَلَدِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ قَالَ وَلَا يُنْكِحُ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرُ الْأَبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَبِ هَلْ يَجْبُرُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ والشافعي وبن أَبِي لَيْلَى إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا كَانَ لِأَبِيهَا أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا بَيِّنًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وكان لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً إِذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبُكُورَةُ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِدَلِيلِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهَا وَنَظَرِهِ لَهَا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً كَمَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكْرًا بَالِغًا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى إِذْنِهَا فِي الْأَبِ مَا زَوَّجَهَا حَتَّى تَكُونَ مِمَّنْ لَهَا الْإِذْنُ بِالْبُلُوغِ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَهِيَ لَا إِذْنَ لَهَا صَحَّ لَهَا بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا مَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّ الْفَرْقَ إِنَّمَا وَرَدَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ إِلَّا بِإِذْنِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ الْأَبِ تُنْكَحُ لِغَيْرِ إِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ بِكْرًا بِإِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ لَا تُزَوَّجُ إلا بإذنها وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها وَلِمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا)) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا أَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 وَهُوَ الْأَبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْيَتِيمَةُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ)) وَرَوَى محمد بن عمرو بن علقمة عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا)) رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ لَمْ تُكْرَهْ)) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْبَالِغَ مِنْ بَنَاتِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا)) قَالُوا وَالْأَيِّمُ الَّتِي لَا بَعْلَ لَهَا وَقَدْ تَكُونُ بِكْرًا وَثَيِّبًا قَالُوا وَكُلُّ أَيِّمٍ عَلَى هَذَا إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ تَخُصَّ بِذَلِكَ إِلَّا الصَّغِيرَةَ وَحْدَهَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لِمِثْلِهَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ ابْنَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَغِيرَةً وَلَا أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فَخَرَجَ النِّسَاءُ مِنَ الصِّغَارِ بِهَذَا الدَّلِيلِ وقالوا الولي ها هنا كُلُّ وَلِيٍّ أَبٌ وَغَيْرُ أَبٍ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ نَصٌّ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا نَصَّ وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ ذَلِكَ إِلَّا فِي الصَّغِيرَةِ ذَاتِ الْأَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ)) قَالُوا فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ بِكْرٍ إِلَّا الصَّغِيرَةَ ذَاتَ الْأَبِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ)) رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبَانٌ وَهِشَامٌ وَشَيْبَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ هَكَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ)) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ هَكَذَا فِي حَدِيثِ هِشَامٍ الْأَيِّمُ وَقَالَ أَبَانٌ (الْأَيِّمُ) لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ)) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ هَكَذَا فِي حَدِيثِ هِشَامٍ الْأَيِّمُ وَقَالَ أَبَانٌ (الْأَيِّمُ) لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ)) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 قالوا يا رسول الله! وكيف إذنهاقال ((إِذَا سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا)) قَالُوا فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبِكْرَ لَا يُنْكِحُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَسْتَأْمِرَهَا وَيَسْتَأْذِنَهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْبَوَالِغِ وَاحْتَجُّوا أيضا بحديث بن عَبَّاسٍ أَنْ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ هَذَا انْفَرَدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ فِيمَا عَلِمْتُ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ مِمَّنْ يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لَوْ صَحَّ حَدِيثُ جَرِيرٍ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هذه القصة كانت في خنساء بنت خذام وَهِيَ ثَيِّبٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هِيَ الْيَتِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فَيَكُونُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مُفَسِّرًا لِحَدِيثِ يَحْيَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَارَضِ الْحَدِيثَانِ وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَجْمَلَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَفَسَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ هَذَا هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَعَلَيْهِ يُنَاظِرُونَ وهو قول بن الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأصحابه وقول بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ)) قَالُوا وَالصَّغِيرَةُ مِمَّنْ لَا إِذْنَ لَهَا فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَلِأَنَّ مَنْ عَدَا الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا فَكَذَلِكَ فِي بُضْعِهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي الْيَتِيمَةِ تُنْكَحُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهِيَ فِي غَيْرِ فَاقَةٍ شَدِيدَةٍ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ ((اخْتِلَافِ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ)) وَالَّذِي رَوَاهُ عيسى عن بن الْقَاسِمِ قَالَ إِنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ نَزَلَتِ الْمَوَارِيثُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَبْلُغُ بِهِ إِلَى قِطَعِ الْمَوَارِيثِ فِيهِ وَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَجَازَهُ جُلُّ النَّاسِ وَقَدْ زَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَةَ أَخِيهِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ مِنَ ابْنِهِ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ وَعُرْوَةُ مَنْ هُوَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حنبل لا أرى للقاضي ولا للوالي أَنْ يُنْكِحَ الْيَتِيمَةَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ قَالَ فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً دُونَ تِسْعِ سِنِينَ فَلَا أَرَى أَنْ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَخَذَهُ مِنْ نِكَاحِ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا مَعْنَى لِلْجَدِّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ وَلِيُّهَا مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إِذَا بَلَغَتْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وبن شُبْرُمَةَ وَاَلْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لِلصَّغِيرَةِ إِذَا بَلَغَتْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُ من أوليائها وكل هؤلاء يقولون من أجاز أَنْ يُزَوِّجَهَا كَبِيرَةً جَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وَلِيٍّ ثُمَّ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَكَنِكَاحِ الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ السَّيِّدِ أَمْ لَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَوَازِلِ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضِعًا لَهَا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي سُكُوتِ الْيَتِيمَةِ الْبِكْرِ هل يكون رضى مِنْهَا قَبْلَ إِذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَتَفْوِيضِهَا فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْبِكْرَ الْيَتِيمَةَ إِذَا لَمْ تؤذن في النكاح فليس السكوت منها رضى فَإِنْ أَذِنَتْ وَفَوَّضَتْ أَمْرَهَا وَجَعَلَتْ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى وَلِيِّهَا فَأَنْكَحَهَا مِمَّنْ شَاءَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَأْمِرُهَا فَإِنَّ إِذْنَهَا حِينَئِذٍ الصَّمْتُ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ إِذَا اسْتُؤْمِرَتْ وَذُكِرَ لَهَا الرَّجُلُ وَصْفًا وَأُخْبِرَتْ بِأَنَّهَا تُنْكَحُ مِنْهُ وَذُكِرَ لَهَا الصَّدَاقُ وأخبرت بأن سكوتها يعد رضى مِنْهَا فَسَكَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهَا النِّكَاحُ |