مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ (...) |
مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ)) فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أن أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا)) فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ((هل معك من القرآن شيئ)) فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسِوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) الأحزاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَالْمَوْهُوبَةُ بِلَا صَدَاقٍ خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الْأَحْزَابِ 50 يَعْنِي مِنَ الصَّدَاقِ فَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَاقٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عَلَى حَسَبِ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّحْدِيدِ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قنطارا) النِّسَاءِ 20 وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بيعه والبدل منه والمعارضة عَلَيْهِ جَازَتْ هِبَتُهُ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَصَّ النِّسَاءَ بِالْمُهُورِ الْمَعْلُومَاتِ ثَمَنًا لِأَبْضَاعِهِنَّ قال الله عز وجل (وءاتوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النِّسَاءِ 4 قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِهَا دُونَ جَبْرٍ وَحُكُومَةٍ قَالَ وَمَا أُخِذَ بِالْحُكَّامِ فَلَا يُقَالُ لَهُ نِحْلَةً وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُخَاطِبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْآبَاءُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَأْثِرُونَ بِمُهُورِ بَنَاتِهِمْ وقال سعيد بن المسيب ومكحول وبن شِهَابٍ لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ له ذكره بن أبي شيبة والشافعي وغيرهما عن بن عُيَيْنَةَ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَوْ رَضِيَتْ بِسَوْطٍ كَانَ مَهْرَهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قبلكم إذا ءاتيتموهن أُجُورَهُنَّ) الْمَائِدَةِ 5 يَعْنِي مُهُورَهُنَّ وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ (فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النِّسَاءِ 25 يَعْنِي صَدُقَاتِهِنَّ وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا وُهِبَ لَهُ دُونَ رَقَبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ بِغَيْرِ صَدَاقٍ مُسَمًّى دَيْنًا أَوْ نَقْدًا وَأَنَّ الْمُفَوَّضَ إِلَيْهِ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُسَمِّيَ صَدَاقًا فَإِنْ وَقَعَ الدُّخُولُ فِي ذَلِكَ لَزِمَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ ابْنَتِي أَوْ وَلِيَّتِي وَسَمَّى صَدَاقًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ النِّكَاحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِهِبَتِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ قَدْ أَنَكَحْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُكَ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةَ قَالَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الهبة وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أَبِي سَلَمَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إِذَا أَرَادُوا النِّكَاحَ وَفَرَضُوا الصَّدَاقَ وَالثَّانِي كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَرَبِيعَةَ وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تَحِلُّ الْهِبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ إِيَّاهَا لَيْسَتْ عَلَى نِكَاحٍ وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا قال بن الْقَاسِمِ وَإِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ أَهَبُ لَكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ قَالُوا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ ابْنَتِي عَلَى دِينَارٍ جَازَ وَكَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عَلَيْهِ وَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ سَمَّى وإن لم يسم لها مَهْرُ مِثْلِهَا وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالتَّصْرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ قَالُوا فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ قَالُوا وَالَّذِي خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرِّي الْبُضْعِ مِنَ الْعِوَضِ لَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ هِبَةٌ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَجَبَ أَلَّا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ النِّكَاحُ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّصْرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يقاس عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ بِقَوْلِهِ قَدْ أَحْلَلْتُ وَقَدْ أَبَحْتُ لَكَ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ الصَّدَاقِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَازَاتُ وَالْبِيَاعَاتُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْخِدْمَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كما أنهم قد اخْتَلَفُوا فِي النِّكَاحِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَذْكُرُ ذلك كله ها هنا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مِقْدَارِ مَبْلَغِ الصَّدَاقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وأصحابه حاشا بن وَهْبٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كيلا من الورق أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ الَّتِي يَجُوزُ مِلْكُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَيْلًا قِيَاسًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ وَكَذَلِكَ قَاسَهُ مَالِكٌ عَلَى مَا تُقْطَعُ الْيَدُ عِنْدَهُ فِيهِ وَقَالَ له الدراوردي تعرفت فِيهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ذَهَبْتُ فِيهَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَالِكٍ وَاحْتَجُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبُضْعَ عُضْوٌ مُسْتَبَاحٌ بِبَدَلٍ مِنَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا قِيَاسًا عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا شَرَطَ عَدَمَ الطَّوْلِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَأَبَاحَهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوْلَ لَا يَجِدُهُ كُلُّ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ الْفِلْسُ وَالدَّانِقُ وَالْقَبْضَةُ مِنَ الشَّعِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَوْلًا لَمَا عَدِمَهُ أَحَدٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوْلَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْمَالُ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ عِنْدَهُمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ طَوْلًا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي مَبْلَغِ أَقَلِّ الصَّدَاقِ بَيْنَ صَدَاقِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 وَإِنَّمَا شَرَطَ الطَّوْلَ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ كَمَا لَا يُجِيزُونَ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بِأَقَلِّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ فَقَدْ عَارَضَهُمْ مُخَالِفُوهُمْ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ أَذْكُرُهُ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا حُجَّةُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ((لَا صَدَاقَ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ)) فَلَا مَعْنَى لَهَا لِأَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَمَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا صَدَاقَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّمَا يَرْوِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ منقطع عندهم ضعيف وقال بن شُبْرُمَةَ أَقَلُّ الْمَهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي ذَلِكَ تُقْطَعُ الْيَدُ عِنْدَهُ وَعَنِ النَّخَعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَلَكِنِ الْعَشْرَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالثَّالِثُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُ النَّخَعِيِّ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِمَّا اخْتَارَهُ وَكَذَلِكَ مِمَّا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ لَا حَدَّ فِي مَبْلَغِ الصَّدَاقِ وَيَجُوزُ بِمَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بن الحسن وعمرو بن دينار وبن جُرَيْجٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بن حي وبن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ كُلُّهُمْ يُجِيزُ النِّكَاحَ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ويجيزه بدرهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كُلُّ نِكَاحٍ وَقَعَ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهُ لَا يَنْقُضُهُ قَاضٍ قَالَ وَالصَّدَاقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا كَانَ ثَمَنًا لِشَيْءٍ أَوْ أُجْرَةً جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ وَأَنْكَحَ ابْنَتَهُ بِصَدَاقٍ دِرْهَمَيْنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْفِلْسُ صَدَاقٌ يَجِبُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَكِنِّي أَسْتَقْبِحُ صَدَاقَ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى درهم وقال أبو الزناد وبن أَبِي ذِئْبٍ الْمَهْرُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ وَهُوَ قَوْلِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ الثَّوْبُ وَالسَّوْطُ وَالنَّعْلَانِ صَدَاقٌ إِذَا رَضِيَتْ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يَنْقُصَ الصَّدَاقُ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَيُجِيزُهُ بِدِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَقَدْ قال بن الْقَاسِمِ لَوْ أَصْدَقَهَا دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَّا بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بن أبي دكيم قال حدثني بن وَضَّاحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُولُ كَانَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ يَرَى التَّزْوِيجَ بِدِرْهَمٍ أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ قَالَ حدثني سليمان بن زكريا قال حدثني حشيش بْنُ أَصْرَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حدثني عمر أن بن مُوسَى زَكَرِيَّا قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى مَوْزَةٍ إِذَا هِيَ رَضِيَتْ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَرْدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيُسْرِيُّ قَالَ جَاءَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ قَالَ سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ إِنْ تَرَاضَوْا عَلَى دِرْهَمٍ فِي الْمَهْرِ فَجَائِزٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَحْدِيدَ فِي مَبْلَغِ الصَّدَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنْ لَا حَدَّ وَلَا تَوْقِيتَ فِي أَكْثَرِهِ فَكَذَلِكَ لَا حَدَّ فِي أَقَلِّهِ وَلَا تَوْقِيتَ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ((إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ خَادِمًا قَبْضَتْهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِمِلْكٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) الْمُؤْمِنُونَ 5 - 7 وَهَذَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وطىء جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا بِمَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ مِنْ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إِلَّا نِصْفَهُ وَأَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ سَلَّمَ الصَّدَاقَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا أَوْ نَامِيًا وَالتَّمَامُ وَالنُّقْصَانُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَتْ بِهِ أَيْضًا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ كُلَّهُ بِالْعَقْدِ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الصَّدَاقَ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ إِذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا وَلَا يُقَالُ لِلزَّوْجِ أَدِّ الزَّكَاةَ عَنْهَا وَكَذَلِكَ تُدْخُلُ بِامْرَأَتِكَ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِ ذَوْدٍ إِلَّا نِصْفُ شَاةٍ فَلَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهَا شَاةً عُلِمَ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى مِلْكِهَا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَاعْتَلُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا قَبَضَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي غَيْرِ ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَهَكَذَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الصَّدَاقَ لَوْ كَانَ أَبُوهَا عُتِقَ عَلَيْهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَنْظُرِ الدخول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 وَقَدْ زِدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا وَاعْتِلَالًا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنَ الْحَدِيدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ لِبَاسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ منهم عبد الله بن مسعود وبن عُمَرَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ظَهَرَتْ كَفٌّ فيها خاتم من حديد وروى بن عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَمِنْ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خاتما من حديد فقال له ((مالي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ)) وَمَنْ لَمْ يُصِحَّ هَذِهِ الْآثَارَ فَقَالَ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَصِحَّ الْحَظْرُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ - أَيْضًا - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِأَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)) فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ ((هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَذَكَرَ لَهُ سِوَرًا فَقَالَ ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَكُونُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ مَهْرًا وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْمُزَنِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْأَمْوَالِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الطَّوْلَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّوْلُ الْمَالُ وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَكَادُ يُضْبَطُ فَأَشْبَهَ الشَّيْءَ الْمَجْهُولَ قَالُوا وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((قَدْ أَنَكَحْتُكَ عَلَى مَا مَعَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 مِنَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لِلْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَهْرٌ وَإِنَّمَا زَوَّجَهُ إِيَّاهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَكَانَ الْمَهْرُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ أَوْ سُورَةٍ مِنْهُ مَهْرًا وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ نِكَاحٌ جَائِزٌ وَكَانَ أَحْمَدُ يَكْرَهُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ التَّعْلِيمِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ الرَّبِيعُ فِي ((الْمُوَطَّأِ إِنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّ تَعْلِيمَ النصف لا يوقف على حد وَمِنَ الْحُجَّةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا قَالُوا وَلَا مَعْنَى لِمَا اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ مِنْ دَفْعِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسَاقَتَهُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ فِيهِ الصَّدَاقَ بِالْإِزَارِ وَخَاتَمِ الْحَدِيدِ ثُمَّ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ الْقُرْآنِ فِي الصَّدَاقِ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ مُضَرَ حَدَّثَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ ذَلِكَ فِي أُجْرَتِهِ عَلَى تعليمها ما معه من القرآن وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي هَذَا النِّكَاحِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَكُونُ لَهَا بَعْدَ الدخول صداق المثل قال بن الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ بِقَصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ سَحْنُونٌ النِّكَاحُ جَائِزٌ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى خِدْمَةِ سَنَةٍ إِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَهَا خِدْمَتُهُ سَنَةً وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ إِنْ كَانَ حُرًّا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يحجبها ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لنصف حجبها مِنَ الْحُمْلَانِ وَالْكُسْوَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى الْخِدْمَةِ إِذَا كَانَ وَقْتًا مَعْلُومًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ كَلُّ عَمَلٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُعَلِّمَهَا قُرْآنًا أَوْ يعلم لها عبدا عملا وقال بن حَبِيبٍ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَهَا نَفْسَهُ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْئًا يَكُونُ قَدْرَ رُبُعِ دِينَارٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ فِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ هَذَا الباب ((ألتمس شيئا وهل عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ أَنَّهُ أَرَادَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُقَدِّمُهُ إِلَيْهَا مِنْ صَدَاقِهَا لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ أَنْ يُقَدِّمُوا مِنَ الصَّدَاقِ بَعْضَهُ لَا أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ ما يقدمه قبل الدخول ربع دينار وَهَذَا خِلَافُ مَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِلُ الْحَدِيثَ وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَيَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ قَالُوا وَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ وَجَدَهُ يَكُونُ ثَمَنًا لِشَيْءٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَخْذِ الْبَدَلِ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ فِي كُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهُ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَنَزَلُوا بِحَيٍّ فَسَأَلُوهُمُ الْكِرَاءَ أَوِ الشِّرَاءَ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَلُدِغَ سَيِّدُ الْحَيِّ فَقَالَ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ فَقَالُوا لَا حَتَّى تَجْعَلَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فبرأ فَذَبَحُوا وَشَوَوْا وَأَكَلُوا فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ((وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 رُقْيَةٌ مَنْ أَخَذَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَخَذْتُمْ بِرُقْيَةِ حَقٍّ اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ)) وَرَوَاهُ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قُتَّةَ وَأَبُو نَضْرَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْرٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْأَلُ مِنْهُ شَيْئًا يَقْرَأُهُ وَأَنْ يُعَلِّمَهُ لِمَنْ سَأَلَهُ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَشْغَلَهُ عَنْ مَعِيشَتِهِ وَاعْتَلُّوا بِأَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ كُلِّهَا ضَعِيفَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُرْهَمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هَكَذَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي جُرْهَمٍ وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو جُرْهَمٍ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ وَأَبُو الْمُهَزَّمِ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ فِي الْمُعَلِّمِينَ قَالَ دِرْهَمُهُمْ حَرَامٌ وَقَوْلُهُمْ سُحْتٌ وَكَلَامُهُمْ رِبًا وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ عَنِ الْأُسُودِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى إليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 قَوْسًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُطَوِّقَكَ اللَّهُ بِهِ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهُ)) وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَرَوَاهُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب وهو منقطع ومن حديث بن شِبْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال ((أقرؤوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ)) وبحديث عبد الله بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) فَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ فَرْضٌ وَبِأَحَادِيثَ مِثْلِ هَذِهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُصَلِّي بِالنَّاسِ مَكْتُوبَةً بِأُجْرَةٍ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُسْتَأْجَرُ فِي رَمَضَانَ يَقُومُ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ كَانَ بِهِ بَأْسٌ فَعَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ وَرَوَى عنه بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَهُ قَالَ وَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الْأَذَانَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضًا مُتَعَيِّنًا وَفَرْضًا عَلَى الدَّارِ وَمَنْ جَعَلَهُ نَافِلَةً وَجَعَلَ الْأَمْرَ بِهِ نَدْبًا وَمِنْ جَعَلَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي الْجَمَاعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَوْلَى مَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ أَعْمَالُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ إِذَا لَمْ يَلْزَمِ الْمَرْءَ الْقِيَامُ بِهَا لِنَفْسِهِ كمراقبة شهود الجماعة والتزام الإمامة والأذان للصلاة وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رِجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا قَالَ لَا صَلَاةَ لَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ عِوَضًا وَلِذَلِكَ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِلَالٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ |