مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وهو بالكوفة

عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إن بن
مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا (...)
 
مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وهو بالكوفة
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456
عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إن بن
مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الربائب
فرجع بن مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ
فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ
(وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ
23
فَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الِابْنَةُ بَعْدَ مَوْتِ
الْأُمِّ أَوْ فِرَاقِهَا إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ حَتَّى فَارَقَهَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُ
الرَّبِيبَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23 شَرْطٌ
صَحِيحٌ فِي الرَّبَائِبِ اللَّاتِي فِي حُجُورِهِمْ
وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ تَكُنِ الرَّبِيبَةُ فِي حِجْرِهِ بِمَا سَنُورِدُهُ بَعْدُ فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
وَاخْتَلَفُوا فِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ هَلْ دَخَلْنَ فِي شَرْطِ الدُّخُولِ أَمْ لَا
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْأُمُّ وَالرَّبِيبَةُ سَوَاءٌ لَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُخْرَى
وَتَأَوَّلُوا عَلَى الْقُرْآنِ مَا فِي ظَاهِرِهِ فَقَالُوا الْمَعْنَى وأمهات نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
وَزَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) رَاجِعٌ إِلَى الْأُمَّهَاتِ
وَالرَّبَائِبِ
وَإِلَى هذا كان بن مَسْعُودٍ يَذْهَبُ فِيمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْكُوفَةِ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ نُبِّهَ
عَلَى غَفْلَتِهِ فِي ذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْهُ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ رَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشيباني عن بن مَسْعُودٍ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ فاستفتى بن
مَسْعُودٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا إِنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا
ثم أتى بن مَسْعُودٍ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى
الْكُوفَةِ قَالَ لِلرَّجُلِ إِنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ فَفَارِقْهَا
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457
وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - فِيمَا أَحْسَبُ - هُوَ
الذي رد بن مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هذا القول الذي كان بن مَسْعُودٍ أَفْتَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ
وَلَمْ يختلف عن بن الزُّبَيْرِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِيهَا
رَوَى سِمَاكُ بْنُ الفضل أن بن الزُّبَيْرِ قَالَ الرَّبِيبَةُ وَالْأُمُّ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِمَا إِذَا لَمْ
يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرزاق عن بن جريج وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن بن
جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فقال أريد بهما جميعا الدخول
قال بن جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ
يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهُ ينكح أمها - إن شاء
قال بن جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ
أَبِيهِ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بن علية عن بن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ
الْمَرْأَةَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أيتزوج أمها قال قال هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيبَةِ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ
رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أمها قال علي هي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ
يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا إِنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَإِنْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا
ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ - أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ
الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَصْحَابِهِمُ الْفَتْوَى
وَالْحَدِيثُ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خِلَاسًا يَرْوِي عَنْ
عَلِيٍّ مَنَاكِيرَ وَلَا يُصَحِّحُ رِوَايَتَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَمُرْسَلُ قَتَادَةَ عَنْهُ أضعف
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458
وجابر بن عبد الله وبن عَبَّاسٍ مُخْتَلِفٌ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ عَنْ مَنْ لَمْ
يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ إِلَّا بن الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَفِرْقَةٌ قَالَتْ بِذَلِكَ لَيْسَ لَهَا حُجَّةٌ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ فَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ
عنه
وقد قال بن جريج قلت لعطاء أكان بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ) فلم يعرف ذلك
قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا أَتَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا
قَالَ لَا هِيَ مُرْسَلَةٌ
وَرَوَى هُشَيْمٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ
فَأَرْسِلُوا مَا أَرْسَلَ اللَّهُ وَمَا بَيَّنَ فَاتَّبِعُوهُ فَكَانَ يَكْرَهُ الْأُمَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُرَخِّصُ فِي
الرَّبِيبَةِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَيَقُولُ أَرْسَلَ اللَّهُ هَذِهِ وَبَيَّنَ هَذِهِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ قَالَ هِيَ مُبْهَمَةٌ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ
وَهُوَ قول بن عمر وبن مَسْعُودٍ
وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ طاوس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ
وَقَدْ رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا
تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا))
وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ
رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ
زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ طَلَاقًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا - إِنْ شَاءَ -
وَإِنْ مَاتَتْ فَأَصَابَ مِيرَاثَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459
وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ
ويحتمل أن يكون ما ذكرناه عن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوْتَ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الطَّلَاقَ وَهُوَ عِنْدِي قَوْلٌ لَا حَظَّ لَهُ مِنَ
النَّظَرِ لِأَنَّ إِصَابَتَهُ الْمِيرَاثَ لَيْسَ بِدُخُولٍ وَلَا مَسِيسٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَطَ الدُّخُولَ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَجْمَعَ العلماء على أن من وطىء امْرَأَتَهُ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا وَأُمُّهَا وَأَنَّهُ قد
اسْتَوْفَى مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النِّسَاءِ 23
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ مِثْلَ اللَّمْسِ وَالتَّجْرِيدِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِ
شَهْوَةٍ هَلْ ذَلِكَ كَالْوَطْءِ الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ
عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا وَإِلَى مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ هَلْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ الِابْنَةَ وَالْأُمَّ أَمْ
لَا
وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ لَمْ
تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي
تَحْرِيمِ مَنْ حَرَّمَ مِنَ النِّسَاءِ (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23
فَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتِ الْأُمُّ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا مِنْ
أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا بِالسُّنَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْهُمْ فِي أَنَّ الْآيَةَ مُبْهَمَةٌ فِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ دَخَلَ بِهِنَّ
أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِذَا أَصَابَ الْأُمَّ بِذَلِكَ النِّكَاحِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الِابْنَةُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ كان
العقد فاسدا لأن غيرنا يحرمه بالزنى فَتَحْرِيمُهُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَهْرُ
الْمِثْلِ أَوْلَى
وَقَدْ كَانَتِ الْأُمُّ مُحَرَّمَةً بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَةِ فَمِنْ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا جَمِيعًا
وَحَرُمَتَا عَلَيْهِ أَبَدًا فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ إِلَّا بِشُبْهَةِ ذَلِكَ النِّكَاحِ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ نِكَاحٌ
فَاسِدٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَقَرَّ مَعَ امرأته
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الرَّبِيبَةِ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَأَمَّا بِنْتُ الرَّبِيبَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهَا
فَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا كَبَنَاتِ الْبَنَاتِ وَكَالْأُمَّهَاتِ وَأُمَّهَاتِ الْأُمَّهَاتِ
وَإِنْ عَلَوْنَ
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَيَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ تَزَوُّجُ ابْنَةِ الرَّبِيبَةِ حَلَالٌ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَجَعَلُوهَا كَابْنَةِ
الْعَمِّ وَابْنَةِ الْخَالَةِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا كَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ إِذَا بَيَّنَ وَأَحَلَّ بَنَاتِهِمَا
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - حِينَ حَرَّمَ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ قَالَ (وَأُحِلَّ لَكُمْ
مَا وراء ذالكم) النِّسَاءِ 24
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ
وَالْقَوْلُ فِي بِنْتِ الرَّبِيبَةِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ وَبِهِ أَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهُ لَا
تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا ولا تحل لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
فَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يُغْنِي عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَلَا
لِأَبِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ
مِنَ النِّسَاءِ) النِّسَاءِ 22
وَلَمْ يَخُصَّ نِكَاحًا فَاسِدًا مِنْ صَحِيحٍ فَكُلُّ نِكَاحٍ يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَيَلْزَمُ فِيهِ الصَّدَاقُ يُحَرِّمُ
مِنَ الْأُمِّ وَالِابْنَةِ عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ مَا يُحْرِّمُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ
سَوَاءٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ مَالِكٌ فأما الزنى فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ
(وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) النِّسَاءِ 23 فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تحريم الزنى فَكُلُّ
تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَّالِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461
فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ جَوَّدَ مَالِكٌ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ العلماء في
التحريم بالزنى وَهَلْ يُحَرِّمُ الْحَرَامُ حَلَالًا أَمْ لَا فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ
الْمَسِيسِ هَلْ تَحِلُّ لَهُ الْأُمُّ أَمْ لا
فقال بن الْقَاسِمِ فِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) إِذَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ مَعًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ
يَمَسَّهَا حَتَّى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا تَزَوَّجَ الْأُمَّ إِنْ شَاءَ
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَتَزَوَّجُهَا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي فِيهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَإِنْ مَسَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَفِي ((الْمُدَوَّنَةِ)) لِابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ
حَرُمَتْ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَبَدًا وَيَتَزَوَّجُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا إِنْ شَاءَ كَانَتِ الْأُمَّ أَوْ
الِابْنَةَ
وَفِي ((الْعُتْبِيَّةِ)) رَوَى أَصْبَغُ عَنِ بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا عَلَيْهِ
جَمِيعًا أَبَدًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالِابْنَةِ تزوجها إن شاء الله
وَهَذَا أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ