مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ نَافِعٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ فِي (...)
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ نَافِعٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ
فَلَفْظُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ كَلَفْظِ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءٌ بِلَفْظٍ
وَاحِدٍ
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ)) لَمْ يَخُصَّ وَلِيمَةً مِنْ غَيْرِهَا
هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
((إذا دعا أحدكم أخاه فليجيب عُرْسًا كَانَ أَوْ دَعْوَةً))
وَرَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فَظَاهِرُهُ يُوجِبُ إِتْيَانَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ دُونَ غَيْرِهَا
وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ يَشْتَمِلُ كُلَّ دعوة إلا أنه مجمل محتمل التأويل
وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَالزُّبَيْدِيِّ قَدْ بَانَ فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْيَانِ الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ لَا خِلَافَ
أَلْفَاظُ ظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِتْيَانُهُ مِنَ الدَّعَوَاتِ عَلَى مَا
نَذْكُرُهُ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى
وأما حديث بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ
الْوَلِيمَةِ))
فَظَاهِرُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ
فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَقْضِي بِرَفْعِهِ عِنْدَهُمْ
وَقَدْ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ)) الْحَدِيثَ فَرَفَعَهُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن جريج عن بن شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ
الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن بن الْمُسَيَّبِ وَالْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا قَالَ شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى الْغَنِيُّ وَيُمْنَعُ الْمِسْكِينُ وَهِيَ حَقٌّ مَنْ يَرُدُّهَا فَقَدْ عَصَى
ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَهَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ وَرَسُولَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ خَرَّجَ أَهْلُ التَّصْنِيفِ فِي ((الْمُسْنَدِ)) حَدِيثَ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530
وكذلك خرجوا في ((المسند)) حديث بن شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَلِيمَةِ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ إِلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ
إِشْكَالٍ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَجِبُ إِتْيَانُهُ مِنَ الدَّعَوَاتِ إِلَى الطَّعَامِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ إِتْيَانُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَلَا يَجِبُ غَيْرُهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَاجِبَةٌ وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِ غَيْرِهَا مِنَ الدَّعَوَاتِ
الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ وَلِيمَةٍ كَالْإِمْلَاكِ وَالنِّفَاسِ وَالْخِتَانِ وَحَادِثِ سُرُورٍ وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ
يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ
قَالَ وَمَنْ أَجَابَ وَهُوَ صَائِمٌ دَعَا وَانْصَرَفَ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ الْقَاضِي إِجَابَةُ كُلِّ دَعْوَةٍ اتخذها صَاحِبُهَا لِلْمَدْعُوِّ
فِيهَا طَعَامًا وَاجِبَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ))
وَقَدْ رُوِيَ عُرْسًا كان أو غيره
ولحديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ
وَعُودُوا الْمَرِيضَ))
وَلِحَدِيثِ الْبَرَاءِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا إِجَابَةَ الدَّاعِي
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَجِدْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا - يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا
فِي إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ
قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ إِنَّمَا هُوَ طَعَامُ الْعُرْسِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَقَدْ أَوْلَمَ إِذَا أَطْعَمَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)) فَإِذَا وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يُولِمَ وَيَدْعُوَ وَجَبَتِ الْإِجَابَةُ
وَفِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله ورسوله بيان في تأكيد إيجاب إتيان
الْوَلِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السلف من الصحابة وَالتَّابِعِينَ فِي الْقَوْلِ بِالْوَلِيمَةِ وَإِجَابَةِ مَنْ
دُعِيَ إِلَيْهَا
وَأَمَّا طَعَامُ الْخِتَانِ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إِلَى خِتَانٍ
فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ وَقَالَ كُنَّا على عهد ر سول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَأْتِي
الْخِتَانَ وَلَا نُدْعَى إِلَيْهِ
وَلَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ قال كان بن عُمَرَ يُطْعِمُ عَلَى خِتَانِ الصِّبْيَانِ
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مِنْ وُجُوهٍ
وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى إِيجَابِ الْإِجَابَةِ لِكُلِّ دَعْوَةٍ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ
الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ ((أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ))
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ لِي كِرَاعٌ لَقَبِلْتُ))
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَيَحْتَمِلُ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ الْحَدِيثَ النَّدْبَ وَالِاسْتِحْبَابَ لِمَا فِي إِجَابَةِ
دَعْوَةِ الدَّاعِي مِنَ الْأُلْفَةِ وَفِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ مِنْ فَسَادِ النُّفُوسِ وَتَوْلِيدِ الْعَدَاوَةِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِجَابَةُ دَعْوَةِ الدَّاعِي إِلَى الطَّعَامِ حَسَنَةٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا
هَذَا أَقَلُّ أَحْوَالِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْمَنَاكِرِ الْمُحَرَّمَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِهَا
وَلِأَهْلِ الظَّاهِرِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ دَعْوَةٍ قَوْلَانِ فِي أَكْلِ
الْمَدْعُوِّ الْمُجِيبِ إِذَا كَانَ مُفْطِرًا
وَقَدْ رُوِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثٌ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يُجِيبَ فَيَدْعُوَ وَيَنْصَرِفَ
وَعَلَى الْمُفْطِرِ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ
مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ (1) يَقُولُ فَلْيَدْعُ الْآخَرُ
وَالْآخَرُ أَنَّ عَلَى مَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ إِذَا كَانَ مُفْطِرًا
عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ طُرُقٍ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِجَابَةِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ إِذَا رَأَوْا فِي
مَوْضِعِ الطَّعَامِ مُنْكَرًا أَوْ عَلِمُوهُ
فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنِّي أَرَاهُ خَفِيفًا
وَقَالَهُ بن الْقَاسِمِ
وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ
قَالَ وأخبرني بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ
لَعِبٌ
وَقَالَ الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي
الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَمْ
أُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ
قَالَ وَضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا حَضَرَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ فِيهَا اللَّعِبَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِذَا كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ الضَّرْبُ بِالْعُودِ وَاللَّهْوُ فَلَا يَنْبَغِي أن يشهدها
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533
وروي أن الحسن وبن سِيرِينَ كَانَا فِي جِنَازَةٍ وَهُنَاكَ نَوْحٌ فَانْصَرَفَ بن سِيرِينَ فَقِيلَ
لِلْحَسَنِ ذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كُنَّا مَتَى رَأَيْنَا بَاطِلًا تَرَكْنَا لَهُ حَقًّا أَسْرَعَ ذَلِكَ فِي دِينِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَحُجَّتُهُ حَدِيثُ سَفِينَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ دَعَوَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَاهُ لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِمَا فَأَتَاهُ فَرَأَى فِرَاشًا
فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَانْصَرَفَ وَقَالَ لَيْسَ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ أَوْ قَالَ بَيْتًا
مُزَوَّقًا
قَالُوا فَقَدِ امْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّخُولِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَا قَدْ
نَهَى عَنْهُ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كان مثله من المناكير
ورجع بن مَسْعُودٍ إِذْ دُعِيَ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ))
ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه بن عُمَرَ فَرَأَى مِثْلَ ذَلِكَ
وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى لَعِبَ الْحَبَشَةِ
وَوَقَفَ لَهُ وَأَرَاهُ عَائِشَةَ وَأَنَّهُ ضُرِبَ عِنْدَهُ فِي الْعِيدِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حتى أكون أنا التي أستأم
فأقدروا وأقدر الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ
وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ أَصْوَاتَ نَاسٍ مِنَ
الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((أَتُحِبِّينَ أَنْ تَرَيْ لَعِبَهُمْ)) قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤوا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَوَضَعَ كَفَّهُ عَلَى الْبَابِ وَمَدَّ يَدَهُ وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى يَدِهِ
وَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ وَأَنَا أَنْظُرُ وَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((حَسْبُكِ))
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ! حَسْبُكِ)) فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ فَانْصَرَفُوا
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ الْخَلِيلِ فِي الْوَلِيمَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ هُوَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْإِمْلَاكِ خَاصَّةً
قَالَ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلنُّفَسَاءِ الْخَرْصُ وَالْخُرْصَةُ - يُكْتَبُ بِالسِّينِ وَبِالصَّادِّ
وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخِتَانِ الْإِعْذَارُ وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ
النَّقِيعَةُ وَالطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ بِنَاءِ الدَّارِ الْوَكِيرَةُ
وَأَنْشَدَ خَلَفٌ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ
(كُلُّ الطَّعَامِ يَشْتَهِي رَبِيعَةُ ... الْخَرْصُ وَالْإِعْذَارُ وَالنَّقِيعَةُ)
قَالَ ثَعْلَبٌ الْمَأْدُبَةُ وَالْمَأْدَبَةُ كُلُّ ما دعي إليه من الطعام تفتح الذال وَتُضَمُّ فِي الْمَأْدُبَةِ
قَالَ وَيُقَالُ هَذَا طَعَامٌ أُكِلَ عَلَى ضَفَفٍ إِذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَكَانَ قَلِيلًا
وَاخْتَلَفُوا فِي نَهْبِهِ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ وَسَائِرِ مَا يُنْثَرُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْخِتَانِ وَأَضْرَاسِ
الصِّبْيَانِ
فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَأَكَرَهُ أَنْ يُؤْكَلَ شَيْءٌ مِمَّا يَأْخُذُهُ الصِّبْيَانُ اخْتِلَاسًا عَلَى
تِلْكَ الْحَالِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُزَنِيِّ لَوْ تُرِكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَا يَبِينُ لِي أَنَّهُ حَرَامٌ إِذَا أَذِنَ فِيهِ
صَاحِبُهُ
وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْهُ أَكْرَهُهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ رُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِمَنْ غَلَبَ فِيهِ وَقَوِيَ عَلَيْهِ
بِمَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِنُهْبَةِ السُّكَّرِ وَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ إِذَا أَذِنَ
أَهْلُهُ فيه
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535
وهو قول أبي يوسف
وقال بن أَبِي لَيْلَى نَثْرُ السُّكَّرِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ
شَيْءٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحُجَّةُ مَنْ كَرِهَ النُّهْبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ أَصَابَ
النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَصْلُحُ النُّهْبَةُ)) وَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ
وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ
مِنَّا))
وَفِي حَدِيثِ الصَّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
أَنْ لَا نَنْتَهِبَ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا لإذن صاحبه فمن حجته عن حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَحَرَ بُدْنًا لَهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ
النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ