مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْفِدْيَةَ (...) |
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا
بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْفِدْيَةَ وَالصُّلْحَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ إِذَا كَانَ مِقْدَارَ الصَّدَاقِ فَمَا دُونَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ مِنْهُ بِهَا وَلَا إِسَاءَةٍ إِلَيْهَا إِلَّا بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ فَإِنَّهُ شَذَّ فَقَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الْبَقَرَةِ 229 مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زوج وءاتيتم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النِّسَاءِ 20 إِلَى قَوْلِهِ (مِيثَاقًا غَلِيظًا) النِّسَاءِ 21 وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ مَا أَعْطَاهَا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَلَا يَنْبَغِي لِعَالِمٍ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا إِلَّا بِتَدَافُعٍ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ وَتَخْصِيصِهِ وَإِذَا جَهِلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الْبَقَرَةِ 229 أَنْ يَرْضَى مِنْهُمَا وَجَعَلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) عَلَى أَنَّهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَعَلَى كُرْهٍ مِنْهَا وَإِضْرَارٍ بِهَا صَحَّ اسْتِعْمَالُ الْآيَتَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ قِصَّةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَامْرَأَتِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَحْجُوجٌ بِهِمْ وَهُمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْإِطْبَاقُ وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى تَحْرِيفِ الْكِتَابِ وَجَهْلِ تَأْوِيلِهِ وَيَنْفَرِدُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ امْرَأَتِهِ لِاخْتِلَاعِهَا مِنْهُ فَقَالَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ثَابِتٍ وَقَوْلِ امْرَأَتِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَأْخُذَهُ مِنْهَا وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِنَ الْفِدْيَةِ حَتَّى يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ يُظْهِرَ لَهَا الْبَغْضَاءَ وَتُسِيءَ عِشْرَتَهُ وَتُظْهِرَ لَهُ الْكَرَاهَةَ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا لا يَحِلُّ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا وَلَا يَزْدَادَ قَالُوا وَالزِّيَادَةُ فِي الْقَضَاءِ جَائِزَةٌ وَإِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ فَعَلَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ فِي الْقَضَاءِ قَوْلُ الْمُحَالِ وَالْخَطَإِ وَكَرِهَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أعطاها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْقُضَاةُ لَا يُجِيزُونَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إِلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ مَا أَرَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا وَلَكِنْ لِيَدَعْ لَهَا شَيْئًا وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ لَهُ أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها إذا كَانَ النُّشُوزُ وَالْإِضْرَارُ مِنْ قِبَلِهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا أنه إِذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُ في ((الموطأ)) وروى بن الْقَاسِمِ عَنْهُ مَثَلَهُ وَزَادَ قَالَ إِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ حَلَّ لَهُ مَا أَعْطَتْهُ عَلَى الْخُلْعِ إِذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْهُ بِهَا وَقَالَ اللَّيْثُ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِشْرَةِ جَازَ الْخُلْعُ بِالنُّقْصَانِ مِنَ الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا جَاءَ الْخُلْعُ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا وَلَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ مِنَ الْمَهْرِ وَلَا أَقَلَّ قَالَ وَإِنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا كَانَتْ نَاشِزًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَاشِزًا رَدَّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ قَالَ وَلَوِ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهَا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا بِقَلِيلٍ وَلَا كثير وَإِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِهَا وَالتَّعْطِيلُ لَحِقَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِنْ أَبْغَضَتْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةَ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا حلت الفدية للزوج قال وإذا أحل لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا عَلَى غَيْرِ فِرَاقٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ نَفْسًا وَيَأْخُذَ عِوَضًا بِالْفِرَاقِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفحشة مُبَيِّنَةٍ) النِّسَاءِ 19 وَلِهَذَا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبِذَاءِ وَالْجَفَاءِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَذِيءِ فَاحِشٌ وَمُتَفَاحِشٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَوِ اطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى الْفَاحِشَةِ كَانَ لَهُ لِعَانُهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَأَمَّا أَنْ يُضَارَّ بِهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا وَيُسِيءَ إِلَيْهَا حَتَّى تَخْتَلِعَ مِنْهُ إِذَا وَجَدَهَا تَزْنِي غَيْرَ أَبِي قِلَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الْبَقَرَةِ 229 يَعْنِي فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَقِيَامِهِ بِحَقِّهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النِّسَاءِ 4 فهذه الآيات أصل هذا الباب ومنها قامت مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ وَالْفِدْيَةُ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ الْعِصْمَةُ مِنَ الزَّوْجِ لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا صُلْحًا عَلَى ذَلِكَ وَافْتِدَاءً وَاخْتِلَاعًا مِنْهُ وَهِيَ أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانٍ مُتَّفَقَةٌ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُوقِعُ الْخُلْعَ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَالصُّلْحَ عَلَى الْبَعْضِ وَالْفِدْيَةَ عَلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا أُصُولَ مَذَاهِبِهِمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ |