مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مُرْهُ (...) |
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)) هَكَذَا رَوَى هَذَا الحديث نافع عن بن عُمَرَ قَالَ بِهِ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عمر وأيوب وبن جُرَيْجٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عن نافع عن بن عُمَرَ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ عن نافع وكذلك رواه بن شهاب عن سالم عن بن عُمَرَ قَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ نَافِعٌ ((حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ)) وَلَمْ يُخْتَلَفْ على بن شِهَابٍ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلْقَمَةُ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ فِيهِ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ قبل أن يمس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وكذلك روى عطاء الخرساني عن بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلَ رِوَايَةِ بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو الزبير كلهم عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ)) لَمْ يَقُولُوا ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ وَكَذَلِكَ رواه منصور عن أبي وائل عن بن عُمَرَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن عن سالم عن بن عُمَرَ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرَ الْحَامِلِ فَقَالَ فِيهِ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَوْ حَامِلًا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ إِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا طَلَاقُ سُنَّةٍ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَأَنَّ الْحَمْلَ كُلَّهُ مَوْضِعٌ للطلاق قال بن أَبِي ذِئْبٍ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ حَمْلُهَا كُلُّهُ وَقْتٌ لِطَلَاقِهَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا حَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَوْلَى آلِ طلحة عن سالم عن بن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)) قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَ إِلَى مَا رَوَاهُ نَافِعٌ فُقَهَاءُ الْحِجَازِيِّينَ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَقَالُوا فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا إِنَّهُ يُرَاجِعُهَا ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ إِلَى مَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا يُرَاجِعُهَا فَإِنْ طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُزَنِيُّ - صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ - فَقَالُوا إِنَّمَا أُمِرَ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ بِالْمُرَاجَعَةِ لِأَنَّ طَلَاقَهُ ذَلِكَ أَخْطَأَ فِيهِ السُّنَّةَ فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيُخْرِجَهَا مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ الْخَطَأِ ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا إِنْ شَاءَ طلاقا صوابا ولم يرو لِلْحَيْضَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنًى وَصَارُوا إِلَى رواية من روى ذلك عن بن عُمَرَ وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي أَنَّهَا تَطْهُرُ ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ فَقَالُوا الطُّهْرُ الثَّانِي وَالْحَيْضَةُ الثَّانِيَةُ وُجُوهٌ وَمَعَانٍ حِسَانٌ مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُهِيَ عنه لأن لا تَطُولَ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ أُمِرَ بِمُرَاجَعَتِهَا لِيُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى سُنَّتِهِ وَلَا يُطَوِّلَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَلَوْ أُتِيحَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى فَأَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاةَ الْحَائِضِ بِالْوَطْءِ فَإِذَا وَطِئَهَا فِي الطُّهْرِ لَمْ تَتَهَيَّأْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُهِيَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ ثُمَّ تَطْهُرَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْنِ وَقِيلَ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي جُعِلَ لِلْإِصْلَاحِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك أن أرادوا إصلحا) الْبَقَرَةِ 228 لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَجِعِ أَنْ لَا يَرْجِعَ رَجْعَةَ ضِرَارٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) الْبَقَرَةِ 231 قَالُوا فَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ فِيهِ الْإِصْلَاحُ بِالْوَطْءِ فإذا وطىء لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ إِنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا وَقِيلَ إِنَّ مُرَاجَعَتَهُ لَهَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا إِلَّا بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِي مِنَ النِّكَاحِ وَالْمُرَاجَعَةِ فِي الْأَغْلَبِ وَكَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ مَوْضِعًا لِلْوَطْءِ الَّذِي تَسْتَعِينُ بِهِ الْمُرَاجَعَةُ فَإِذَا مَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سُبُلٌ إِلَى طَلَاقِهَا فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّهَا فِيهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَانَ مُطَلِّقًا لِغَيْرِ الْعِدَّةِ فَقِيلَ لَهُ دَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تُطَلِّقَ وَإِنْ شِئْتَ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 وَقَدْ جَاءَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الوجوه منصوصا في حديث بن عُمَرَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي دَمِهَا حَائِضٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِذَا طَهُرَتْ مَسَّهَا حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ آخِرًا فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَقِيلَ إِنَّهُ لَوْ أُتِيحَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ أَمِنَ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيُطَلِّقَهَا فَاشْتَبَهَ النِّكَاحَ إِلَى أَجَلٍ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَطَأَ وَقِيلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ مَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ مُرَادُ مَعْنَى تَوْجِيهَاتِهِمْ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ أَوْقَعَهُ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ تَغَيُّظُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم على بن عُمَرَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ قَالَ حَدَّثَنِي يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)) وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُطْلِّقَ فِي الْحَيْضِ بِالرَّجْعَةِ فَقَالَ قَوْمٌ عُوقِبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَدَّى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ فَعُوقِبَ بِإِمْسَاكِ مَنْ لَمْ يُرِدْ إِمْسَاكَهُ حَتَّى يُطَلِّقَ كما أمر للعدة وقال آخَرُونَ إِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ قَطْعًا لِلضَّرَرِ فِي التَّطْوِيلِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ فَقَدْ طَلَّقَهَا فِي وَقْتٍ لَا تَعْتَدُّ بِهِ مِنْ قُرْئِهَا الَّذِي تَعْتَدُّ بِهِ فَتَطُولُ عِدَّتُهَا فَنَهَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْهَا وَأَمَرَ أَلَّا يُطَلِّقَهَا إلا عند استقبال عدتها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وكذلك كان بن عُمَرَ يَقْرَأُ ((فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ)) وَفِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِمُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا حَائِضًا دَلِيلٌ يُبَيِّنُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ وَاقِعٌ لَازِمٌ لِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الطَّلَاقُ وَاقِعًا لَازِمًا مَا قَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ لَا يُقَالُ لَهُ رَاجِعْ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ فِي عِصْمَتِهِ لَمْ يُفَارِقْهَا رَاجِعْهَا بَلْ كَانَ يُقَالُ لَهُ طَلَاقُكَ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَامْرَأَتُكَ بَعْدَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ وَنَحْوُ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الْبَقَرَةِ 228 يَعْنِي فِي الْعِدَّةِ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ فِي الزَّوْجَاتِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وإن كَانَ الطَّلَاقُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فِي الْحَيْضِ مَكْرُوهًا بِدْعَةً غَيْرَ سُنَّةٍ وَلَا يُخَالِفُ الْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْلِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ غَيْرَ وَاقِعٍ وَلَا لَازِمٍ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهَذَا شُذُوذٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العلم لما روي ولأن بن عُمَرَ الَّذِي عُرِضَتْ لَهُ الْقَضِيَّةُ احْتَسَبَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ وَأَفْتَى بِذَلِكَ وَهُوَ مِمَّا لَا يُدْفَعُ عِلْمُهُ بِقِصَّةٍ عَرَضَتْ لَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بن سيرين عن بن عُمَرَ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي - وَهِيَ حَائِضٌ - فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إِنْ شَاءَ إِذَا طَهُرَتْ)) فَقَالَ لَهُ أُنْسٌ أَفَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ قَالَ نَعَمْ وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَسِّرِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي الْمَرْوَزِيُّ قال حدثني أبو السائب سالم بن جنادة قال حدثني بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَحْيَى بن سعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمُرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)) قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا فَعَلَ تِلْكَ التَّطْلِيقَةُ فَقَالَ اعْتَدَّ بِهَا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَى نَافِعٍ لِيَسْأَلَهُ هَلْ حَبَسَ التَّطْلِيقَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ وَرَوَى أَيُّوبُ السختياني وسلمة بن علقمة عن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي غَلَّابٍ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قال فسألنا بن عُمَرَ قُلْتُ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ فَقُلْتُ فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ فَقَالَ فَمَهْ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ فَاسْتَحْمَقَ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ مَنْ طُرُقٍ فِي ((التمهيد)) ومعنى قول بن عُمَرَ فِيهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ بُدٌّ أَرَأَيْتَ لَوْ تَعَاجَزَ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يُقِمْهُ أَوِ اسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَكَانَ يُعْذَرُ فِيهِ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ شَذَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا والدليل على ذلك مذهب بن عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي الْحَيْضِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَلَاثًا كَانَتْ أَوْ وَاحِدَةً أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَخَلَفُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ إِذَا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ وَعَصَيْتَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى سُنَّتِهَا وَإِنَّمَا هِيَ زَوَالُ عِصْمَةٍ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَكَيْفَمَا أَوْقَعَهُ عَلَى سُنَّتِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهِ وَقَعَ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ مَا أَوْقَعَ مِنْهُ وَمُحَالٌ أَنْ يلزم المطيع المتبع للسنة طلاقه ولا يَلْزَمُ الْعَاصِيَ الْمُخَالِفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْمُطِيعَ لَمْ يَكُنِ الْعَاصِي لَكَانَ الْعَاصِي أَحْسَنَ حَالًا وَأَحَقَّ مِنَ الْمُطِيعِ وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَازِمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطَّلَاقِ 1 يَقُولُ عَصَى رَبَّهُ وَفَارَقَ امْرَأَتَهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ حَائِضًا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا إِنْ أَبَى ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا إِذَا طَلَّقَهَا وَفِي الْحَيْضِ أَوْ فِي دَمِ النِّفَاسِ حَمَلُوا الْأَمْرَ وَذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَاسُوا النِّفَاسَ عَلَى الْحَيْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وإسحاق وبن شُبْرُمَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ دَاوُدُ كُلُّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا نُفَسَاءَ لَمْ يُجْبَرْ على رجعتها قال أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إِذَا انْقَضَتْ عَدَّتُهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى رَجْعَتِهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمُرَاجَعَتِهَا نَدْبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ يُجْبَرُ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا وَفِي الطُّهْرِ بَعْدَهَا وَفِي الْحَيْضَةِ بَعْدَ الطُّهْرِ وَفِي الطُّهْرِ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلَّا أَشْهَبَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْحَيْضَةِ الْأُولَى مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا فَإِذَا صَارَتْ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ طَلَاقُهَا فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَمَسُّهَا فِيهِ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَهُ ثُمَّ طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ قَدْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ سُنَّةٍ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ وَيُؤْمَرُ إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)) فَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي طُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ وَمَوْضِعٌ يَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ عِدَّتِهَا وَيَسْتَقْبِلُهَا مِنْ حِينِئِذٍ وَكَانَ هَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطَّلَاقِ 1 وَقَدْ قُرِئَتْ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ أَيْ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ وَنَهَى عَنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ لَا يُجْزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنَ الثَّلَاثِ حِيَضٍ عِنْدَهُ حَتَّى تَسْتَقْبِلَ حَيْضَةً بَعْدَ طُهْرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عُمَرَ عَنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرَارِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى ((الْأَقْرَاءِ)) التي عناه الله عز وجل بقوله (ثلثة قُرُوءٍ) الْبَقَرَةِ 228 فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْأَطْهَارُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْحِيَضُ وَقَالَ آخَرُونَ وَهُمْ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعْنَاهُ الْأَطْهَارُ وَالطُّهْرُ مَا بَيْنَ الْحَيْضَةِ وَالْحَيْضَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ يَكُونُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ حَيْضَةً وَيَكُونُ طُهْرًا وَلَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عَزَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 وجل (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قُرُوءٍ) الْبَقَرَةِ 228 عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أن في حديث بن عُمَرَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ الطُّهْرُ وَيَدُلُّ مِنَ السُّنَّةِ أَيْضًا أَنَّهُ الْحَيْضُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ ((اتْرُكِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ)) وَالصَّلَاةُ لَا تَتْرُكُهَا إِلَّا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَقَدْ أَوْرَدْنَا مِنْ شَوَاهِدِ أَشْعَارِ الْعَرَبِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا مَا فِيهِ بَيَانٌ وَكِفَايَةٌ فِي التَّمْهِيدِ)) وَذَكَرْنَا - أَيْضًا - قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُرْءَ الْوَقْتُ وَشَاهِدَهُ مِنَ الشِّعْرِ أَيْضًا وَاجْتَلَبْنَا أَقْوَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ هُنَاكَ في الأقراء وما لوحنا به ها هنا كَافٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَمِنْ شَاهِدِ الشِّعْرِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ قَوْلُ الْأَعْشَى (وَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عزائكا) مررثة مَالًا وَفِي الْحَمْدِ رِفْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا) يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْ نِسَاءَهُ فِي أَقْرَائِهِنَّ يَعْنِي أَطْهَارِهِنَّ وَمِنْ شَاهِدِ هَذَا الشِّعْرِ فِي أَنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضُ قَوْلُ الْآخَرِ يَا رُبَّ ذِي ظَعْنٍ عَلَى فَارِضٍ لَهُ قُرْءٌ كَقُرْءِ الْحَائِضِ وَقَدْ رُوِيَ يَا رُبَّ ذِي ضَبِّ وَالضَّبُّ الْعَدَاوَةُ وَالظَّعْنُ مِثْلُهُ يَقُولُ إِنَّ عَدَاوَتَهُ تَهِيجُ حِينًا بَعْدَ حِينٍ كَمَا يَهِيجُ الْحَيْضُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقُرْءَ وَقْتُ الْحَيْضِ وَوَقْتُ الطُّهْرِ اسْتَشْهَدَ بَقَوْلِ الْهُذَلِيِّ كَرِهْتُ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلٍ إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 يَعْنِي لِوَقْتِهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ حَسَّانَ النَّحْوِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ الْعَرَبُ تُسَمِّي الطُّهْرَ قُرْءًا وَتُسَمِّي الْحَيْضَ قُرْءًا وتسمي الحيض مع الظهر جَمِيعًا قُرْءًا وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُ الْقُرْءِ الْوَقْتُ يُقَالُ أَقَرَأَتِ النُّجُومُ إِذَا طَلَعَتْ لِوَقْتِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُرْءَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْقُرْءَ مَهْمُوزٌ وَهَذَا غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْأَقْرَاءِ فَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ |