مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَتُهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ
فَقَالَ لَهَا إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ فَقَالَ إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا طَهُرَتْ
آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذلك
قال أَبُو عُمَرَ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَتُهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ
فَقَالَ لَهَا إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ فَقَالَ إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا طَهُرَتْ
آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذلك
قال أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ طَلَاقَ السُّنَّةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ
إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً
قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً
وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن أبي سلمة والليث بن سعد وبن حَيٍّ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا أَنَّ
بَعْضَهُمْ يَقُولُ طَلَاقُ السُّنَّةِ
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي وُجُوهِ طَلَاقِ
السُّنَّةِ جَامَعَهُمْ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَلَاقُ السُّنَّةِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لِلْعِدَّةِ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا لَمْ يَمَسَّهَا
فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَلَا حَائِضًا وَلَا نُفَسَاءَ وَسَوَاءٌ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَإِذَا
طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ فَهُوَ مُطَلِّقٌ لِلسُّنَّةِ
قَالَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ
طُلِّقَتْ ثَلَاثًا مَعًا لِلسُّنَّةِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154
لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ وَحِينَ تَطْهُرُ مِنَ
الْمُجَامَعَةِ مِنْ أَوَّلِ الْحَيْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ
وَمِنْ حُجَّةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ مُبَاحٌ وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُوقِعَ وَاحِدَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ
ثَلَاثًا
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهِ وَلَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ
بن مسعود قال ((طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جماع)) ولم يقل واحدة
ولا أَكْثَرَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ
فِيهِ أَوْ يُرَاجِعُهَا - إِنْ شَاءَ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَمَنْ طَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ
وَالثَّوْرِيُّ عِنْدَهُمْ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ وَقَدْ قَالَ الطَّلَاقُ لِلسُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ
جِمَاعٍ
وَلَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدَةً وَلَا أَكْثَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم منهم الحسن وبن سِيرِينَ وَجَابِرُ
بْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْجِمَاعِ طَلْقَةً
وَاحِدَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً قَبْلَ الْجِمَاعِ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كِلَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ طَلَاقُ سُنَّةٍ إِلَّا
أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ عِنْدَهُمْ
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ قَالَ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ طَلْقَةً
وَاحِدَةً ثُمَّ إِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَهُوَ مُطَلِّقٌ
لِلسُّنَّةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ مُطَلِّقًا لِلسُّنَّةِ وَكَيْفَ يَكُونُ مُطَلِّقًا
لِلسُّنَّةِ وَالطَّلْقَةُ الثانية لا يعتد منها إلا بقرءين وَالطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ لَا يُعْتَدُّ مِنْهَا إِلَّا بِقُرْءٍ
واحد
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155
وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ فِي الْعِدَّةِ
وَمَنْ طَلَّقَ لِلسُّنَّةِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ شَهِدَ لَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ طَلَّقَ لِلسُّنَّةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَلَّا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَأَنَّ هَذَا
هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَيَتْرُكَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا
فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَاحِدَةً وَيَدَعَهَا
حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ كَانَ أَيْضًا مُطَلِّقًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ تَارِكًا
لِلِاخْتِيَارِ
وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ
وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ
وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ وَمَوْضِعِهِ فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ مَا
شَاءَ مِنَ الطَّلَاقِ فَهُوَ مُطَلِّقٌ لِلسُّنَّةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ
فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا حَاضَتْ
وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ
قَالَ الْأَعْمَشُ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ عَلِيٍّ
وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ) الطَّلَاقِ 1 أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَوْ
يُرَاجِعَهَا إِنْ شَاءَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الطَّلَاقَ عِنْدَ كل طهر
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156
وَهَؤُلَاءِ مُقَدَّمُونَ فِي حِفْظِ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالْحَدِيثِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَرِوَايَتِهِ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مَا هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَ
جَمَاعَةِ الْأُمَّةِ قَالَ مَا طَلَّقَ أَحَدٌ طَلَاقَ السُّنَّةِ فَنَدِمَ
قِيلَ لَهُ وَمَا طَلَاقُ السُّنَّةِ مَا هُوَ
قَالَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا حِينَ تَطْهُرُ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا
رَاجَعَهَا وإلا شاء خلا سَبِيلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا