قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ
جَاءَتِ

امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوَفِّيَ
عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا (...)
 
قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ
جَاءَتِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229
امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوَفِّيَ
عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحُلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((لَا)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ ((لَا)) ثُمَّ قَالَ ((إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ))
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ
كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا
وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا
تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ
مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ
قَالَ مَالِكٌ والحفش البيت الرديء وتفتض تمسح بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ مَالِكٌ
وَلَا الثَّوْرِيُّ وَهُمَا يَرْوِيَانِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بن محمد قال قال شعبة سألت عاصم الأحوال عَنِ الْمَرْأَةِ
تُحِدُّ فَقَالَ قَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَتَبَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ إِلَى حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ
بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
قَالَ شُعْبَةُ قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ أَنْتَ قُلْتُ نَعَمْ وَهُوَ ذَاكَ حَيٌّ
قَالَ شُعْبَةُ وَكَانَ عَاصِمٌ يَرَى أَنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ شُعْبَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ أَنْتَ قُلْتُ نعم من طُرُقٍ
أَمَّا الْإِحْدَادُ فَتَرْكُ الْمَرْأَةِ لِلزِّينَةِ كُلِّهَا من اللباس والطيب والحلي وَالْكُحْلِ وَمَا تَتَزَيَّنُ
بِهِ النِّسَاءُ مَا دُمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ يُقَالُ لَهَا حِينَئِذٍ امْرَأَةٌ حَادٌّ وَمُحِدٌّ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَحَدَّتِ
الْمَرْأَةُ وَحَدَّتْ تُحِدُّ فَهِيَ حَادٌّ وَمُحِدٌّ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230
فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ المجتمع عليها
وقد شذ الحسن عنها وَحْدَهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَا
وَمَعْنَى إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ تَرْكُ الزِّينَةِ الرَّاغِبَةِ إِلَى الْأَزْوَاجِ
وَذَلِكَ لِبَاسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ لِلزِّينَةِ وَلِبَاسُ الرَّقِيقِ الْمُسْتَحْسَنِ مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَلَا
تَلْبَسُ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا مِنَ الْحُلِيِّ وَلَا تَمَسُّ أَحَدًا مِنْ طِيبٍ
وَجَائِزٌ لَهُنَّ لِبَاسُ الْغَلِيظِ الْخَشِنِ مِنْ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَتَلْبِسُ الْبَيَاضَ كُلَّهُ وَالسَّوَادَ
الَّذِي لَيْسَ بِزِينَةٍ وَيَبِتْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدَّهِنَ مِنَ الْأَدْهَانِ بِمَا لَيْسَ بِطِيبٍ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ
فَقَالَ مَالِكٌ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ
وَهُوَ قول أصحابه إلا بن نَافِعٍ وَأَشْهَبَ فَإِنَّهُمَا قَالَا لَا إِحْدَادَ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْكَافِرَةِ
كَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ الْكَبِيرَةِ جَعَلُوهُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَحَفِظِ النَّسَبَ كَالْعِدَّةِ وَقَالُوا تَدْخُلُ
الصَّغِيرَةُ وَالْكَافِرَةُ فِي الْإِحْدَادِ فَالْمَعْنَى كَمَا دَخَلَتِ الْمُسْلِمَةُ الْكَبِيرَةُ بِالنَّصِّ وَكَمَا دَخَلَ
الْكَافِرُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَامَ عَلَى سَوْمِهِ وَإِنَّمَا في الحديث ((لا يبيع أَحَدُكُمْ عَلَى
بَيْعِ أَخِيهِ)) وَ ((لَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ))
وَكَمَا يُقَالُ هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَلَكَهُ غَيْرُهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ليس على الصغيرة ولا على الْكَافِرَةِ وَلَا عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ الْإِحْدَادُ
كَهُوَ عَلَى الْحُرَّةِ بِالْعِدَّةِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْأَمَةُ عَلَيْهَا مَا عَلَى الْحُرَّةِ مِنْ تَرْكِ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا إِلَّا الْخُرُوجَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي الْخُرُوجِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ عَلَيْهِمَا الْإِحْدَادُ وَكَذَلِكَ
الصَّغِيرَةُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا فِي الصَّغِيرَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ مَنْ قَالَ لَا إِحْدَادَ إِلَّا عَلَى مُسْلِمَةٍ مُطَلَّقَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ((لَا تَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)) فَعُلِمَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَهُوَ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ
دُونَ الْكَافِرَةِ وَالصَّغِيرَةِ
وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْنَا مِمَّا نَدْعُو بِهِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِطَابَ فِيهِ تَوَجُّهٌ إِلَى
الْمُؤْمِنَاتِ وَدَخَلَتِ الذِّمِّيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ
كَالْمُسْلِمَةِ وَكَذَلِكَ تَكُونُ فِي الْإِحْدَادِ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا إِحْدَادَ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
فِي ذَلِكَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ الْإِحْدَادُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ مُتَوَفَّى عَنْهَا حُرَّةٍ أو مملوكة مسلمة أو
ذمية صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ إِلَّا مَا ذكرنا عن بن نَافِعٍ وَأَشْهَبَ
وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ مَالِكٌ تُحِدُّ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي عدتها
وقال بن الْمَاجِشُونِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا
وَأَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلا إِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَعَطَاءٍ
وَالْحُجَّةُ لَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا يَحْلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ))
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِحْدَادَ هُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى وَالْمُطَلِّقُ حَيٌّ فَلَا إِحْدَادَ عَلَى امْرَأَتِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232
وَاجِبٌ وَهِيَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي عِدَّةٍ يُحْفَظُ بِهَا النَّسَبُ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يسار وبن سِيرِينَ
وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَوْكَدُ وَأَشَدُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَبْتُوتَةِ الْإِحْدَادَ وَأَنْ لَا يَتَبَيَّنَ لِي أَنْ أَوْجِبَهُ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا قَوْلُهُ ((لَا يَحْلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ)) وَلَيْسَ فِيهِ لَا تَحِلُّ لَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَى حَيٍّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَدَخَلَتْ حفشا فقد فسره مالك الحفش أنه البيت الرديء
وقال بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْحِفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ
وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحِفْشُ الدُّرْجُ وجمعه أحفاش شبه به الْبَيْتُ الصَّغِيرُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَفْتَضُّ بِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَمْسَحُ بِهِ كَالنُّشْرَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ تَمْسَحُ بِيَدَيْهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ
وَقَالَهُ بن وَهْبٍ
وَقَالَ غَيْرُهُ الِافْتِضَاضُ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْعَذْبَ أَشَدُّ فِي الِإِنْقَاءِ مِنْ
غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ
غَمْرٌ عَذْبٌ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ - أَيْ مِنْ
وَسَخِهِ))
وَقَالَ الْخَلِيلُ الْفَضَضُ مَاءٌ عَذْبٌ يَقُولُ افْتَضَضْتُ بِهِ إِذَا اغْتَسَلْتُ بِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ
الْمَرْأَةَ تَتَمَسَّحُ بِشَيْءٍ كَالنُّشْرَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدُ فَتَسْتَسْقِي وَتَسْتَنْظِفُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ حَتَّى
تَصِيرَ كَالْفِضَّةِ ثُمَّ تُؤْتَى بِبَعْرَةٍ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ فَتَرْمِي بِهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ
إِحْلَالًا لَهَا بَعْدَ السَّنَةِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ وَفِيهِ قَدْ كَانَتْ
إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا فِي بَيْتِهَا إِلَى الْحَوْلِ فَإِذَا كَانَ الْحَوْلُ ومر كلب رمته
ببعرة ثم خرجت فلأربعة أشهر وعشر
قَالَ وَالْأَحْلَاسُ جَمْعُ حِلْسٍ فَهُوَ كَالْمَسْحِ مِنَ الشَّعْرِ مِمَّا يَلِي ظَهْرَ الْبَعِيرِ فَكَانَتْ تَرْمِي
الْكَلْبَ بِالْبَعْرَةِ بَعْدَ اعْتِدَادِهَا عَلَى زَوْجِهَا عَامًا كَامِلًا
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ لَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ
وَهُمُ رَبِيعٌ لِلْمُجَاوِرِ فِيهِمُ وَالْمُرْمِلَاتِ إِذَا تَطَاوَلَ عَامُهَا
وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً
لِأَزْوَاجِهِمْ متعا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) الْآيَةَ الْبَقَرَةِ 240 ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
(يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) الْبَقَرَةِ 234
وَهَذَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَكَيْفَ لَا تَصْبِرُ إِحْدَاكُنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَقَدْ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
تَصْبِرُ حَوْلًا))
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ
كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَمْكُثُ حَوْلًا)) بَيَانٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الْحَوْلَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى
عَنْهَا مَنْسُوخٌ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ
وَهَذَا مَعَ وُضُوحِهِ فِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمَنْقُولَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ إِجْمَاعٌ مِنْ عُلَمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ لَا خِلَافَ فِيهِ
وَهَذَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَنْسُوخِ فِي الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنَّ الْحَوْلَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا
مَنْسُوخٌ إِلَى أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية
لأزوجهم متعا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) مَنْسُوخٌ كُلُّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فِي نَسْخِ
الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى لِلزَّوْجَاتِ فِي الْحَوْلِ إِلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً مَهْجُورَةً جَاءَتْ عن أبي نجيح
عن مجاهد لم يتابع بن أَبِي نَجِيحٍ عَلَيْهَا وَلَا قَالَ بِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ
وَالْعَشْرِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
الْخَالِفِينَ فِيمَا عَلِمْتُ
وَأَمَّا سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234
الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ مُقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ والحمد
لله
وقد روى بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ
وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بَحْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ قَالَ حَدَّثَنِي سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ
بن جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متعا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) الْبَقَرَةِ 240
قَالَ كَانَ مِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مَنْ زَوْجِهَا مَنْ رَبْعِهِ أَنْ تَسْكُنَ إِنْ شَاءَتْ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ
زَوْجُهَا إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ نَسَخَهَا مَا جَعَلَ اللَّهُ لها من الميراث
قال بن جُرَيْجٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ سُكْنَى الْحَوْلِ ثُمَّ نُسِخَ
وَبِهِ عَنْ سُنَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي
سَلَمَةَ قَالَتْ تُوَفِّيَ زَوْجُ امْرَأَةٍ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا
تَسْأَلُهُ عَنِ الْكُحْلِ فَقَالَ لَهَا ((قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا إِذَا
تُوُفِّيَ زَوْجُهَا مَكَثَتْ فِي بَيْتِهَا حَوْلًا وَإِذَا مَرَّ بِهَا الْكَلْبُ رَمَتْهُ بِالْبَعْرَةِ أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا))
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الْأَسْوَدُ الْعِجْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنِي أبو الأمحوص عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ
وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متعا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ
إِخْرَاجٍ) الْبَقَرَةِ 240 نَسَخَتْهَا أَرْبَعَةُ أشهر وعشر
قال قلنا لسماك عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عِكْرِمَةُ كُلُّ شَيْءٍ أُحَدِّثُكُمْ به في القرآن فهو
عن بن عَبَّاسٍ
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن
عَبَّاسٍ قَالَ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متعا إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ) وَنَسَخَ الْوَصِيَّةَ لِلزَّوْجَاتِ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ لِمَا فَرَضَ اللَّهُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235
لَهَا مِنَ الرُّبُعِ أَوِ الثُّمُنِ وَنَسَخَ أَجَلَ الْحَوْلِ بِأَنْ جَعَلَ أَجَلَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
هذا حديث ثابت صحيح عن بن عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ
قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ وَصِيَّةً
لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا كَانَ
لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ حَوْلًا كَامِلًا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَا لَمْ تَخْرُجْ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فَجَعَلَ
عِدَّتَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَنَسَخَ النَّفَقَةَ فِي الْحَوْلِ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهَا مِنَ الثُّمُنِ أَوِ
الرُّبُعِ مِيرَاثًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْحَوْلُ فَمَنْسُوخٌ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشَرُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ رَأَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْمِيرَاثِ وَهُمْ
أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَذَلِكَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُمْ بِالسُّنَّةِ بِأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَمَا فِي الْوَجْهَيْنِ
كَانَ النَّسْخُ فَهُوَ إِجْمَاعٌ على ما رواه بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ
لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ