قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ
الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ (...)
 
قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ
الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا
مُكَايَسَةَ فِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْحَوَالَةَ بِالطَّعَامِ إِذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ لَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ
مَنْ قَرْضَ جَازَ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى
عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى مَنِ ابْتَاعَهُ لَا مِنْ مِلْكِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِأَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)) أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْبِضَهُ
فَخَصَّ مُبْتَاعَ الطَّعَامِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ لَا فِي ضَمَانِهِ وَجَازَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ
قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى غَيْرِهِ
وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي الْقَرْضِ فَلَمْ يَرَ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُسْتَقْرِضِ
وَأَمَّا الْحَوَالَةُ بِهِ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ إِنْ كَانَتْ نَقْلَ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ وتحول ما
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405
عَلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِرِضَا الْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ
لأن البيع كل ما تعارض عَلَيْهِ الْمُتَعَاوِضَانِ فَلَمْ تَجُزِ الْحَوَالَةُ فِي الطَّعَامِ لِمَنِ ابْتَاعَهُ
كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَحَالَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ
أَنَّ أَصْلَ مَا كَانَ لَهُ بَيْعٌ وَإِحَالَتُهُ بِهِ بَيْعٌ مِنْهُ لَهُ بِالطَّعَامِ الَّذِي عَلَيْهِ بِطَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَا بَأْسَ عِنْدِهِمْ بِالْحَوَالَةِ فِي السَّلَمِ كُلِّهِ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ وَجَائِزٌ عِنْدَهُمْ لِلْمُسَلَّمِ أَنْ يَسْتَحِيلَ بِمَا سَلَّمَ فِيهِ عَلَى مَنْ
أَحَالَهُ عَلَيْهِ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا وَكَفَلًا وَأَخْرَجُوا الْحَوَالَةَ مِنَ الْبَيْعِ
كَمَا أَخْرَجَهَا الْجَمِيعُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمِنْ بَابِ الْبَيْعِ أَيْضًا
وَلَوْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْبَيْعِ مَا جَازَ أَنْ يَسْتَحِيلَ أَحَدٌ بِدَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ
مِنْ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاءَ وَهَاءَ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي
الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ
وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي عَصْرِهِ أَوْ شُيُوخَهُ الَّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ
وَأَمَّا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الشَّرِكَةَ وَلَا التَّوْلِيَةَ فِي الطَّعَامِ لِمَنِ ابْتَاعَهُ قبل
أن يقبضه فأن الشركة والتوالية بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ قَالَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ
بِمُعَارَضَةٍ وَلَا بَدَلٍ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إِحْسَانٌ لَا عِوَضَ مِنْهُ إِلَّا الشُّكْرُ وَالْأَجْرُ
وَأَمَّا السَّلَفُ الَّذِي هُوَ الْقَرْضُ فَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا فِيهِ أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ
أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً وَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ إِذَا اشْتُرِطَتْ رِبًا وَلَيْسَ هَكَذَا سَبِيلُ الْبُيُوعِ وَالْعَرَايَا
بَيْعٌ مَخْصُوصٌ فِي مِقْدَارٍ لَا يُتَعَدَّى
وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ الْبُيُوعِ
وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْعَرَايَا مِمَّا أَغْنَى عَنْ تكراره ها هنا والحمد لله
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ كَسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى
أَنْ يُعْطَى بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ يُعْطَى بِذَلِكَ طَعَامًا يُرِيدُ الْكَسْرَ
كَذَلِكَ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ
وَهَذَا بَيِّنٌ فِي مَذْهَبِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ بِبَعْضِ دِرْهَمٍ طَعَامًا قَبَضَهُ عَلَى أَنْ
يُعْطِيَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ بِالْكَسْرِ مِنَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا وَالدِّرْهَمُ لَمْ يَكُنْ يَتَبَعَّضُ عِنْدَهُمْ وَلَا
يَجُوزُ كَسْرُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فِي
مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ فِي ذَلِكَ الْكَسْرِ طَعَامًا عِنْدَ الْأَجَلِ بِهَذَا لَا
يُجِيزُكَ أَحَدٌ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ وَذِكْرُ الْكَسْرِ مِنَ الدِّرْهَمِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ قد
شرط أن يعطيه فيه طعاما عِنْدَ الْأَجَلِ فَكَانَ ذِكْرُهُ لَغْوًا وَكَانَ فِي مَعْنَى الْحِيلَةِ أَوِ
الذَّرِيعَةِ إِلَى بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً
هَذَا كُلُّهُ أَصْلُ مَالِكٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي الَّذِي يَبِيعُ سِلْعَتَهُ بِدَنَانِيرَ عَلَى
أَنْ يُعْطِيَهُ بِالدَّنَانِيرِ كَذَا وكذا درهما أن بيعه لِسِلْعَتِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالدَّرَاهِمِ
وَذِكْرُ الدِّينَارِ لَغْوٌ فَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْكَسْرِ مِنَ الدِّرْهَمِ هُنَا لَغْوٌ وَهُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة فهو عندهما مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا بَيْعُ
الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً
قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكَسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطَى
دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً مِنَ السِّلَعِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكَسْرَ الَّذِي عَلَيْهِ
فِضَّةً وَأَخَذَ بِبَقِيَّةِ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ لَا يَدْخُلُهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْمَكْرُوهِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ بِرُبْعٍ أَوْ بِثُلْثٍ
أَوْ بِكَسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ
مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ
مَعْلُومٍ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْجَهْلِ بِمَبْلَغِ مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ بِسِعْرِهِ لِانْخِفَاضِ
الْأَسْعَارِ وَارْتِفَاعِهَا
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا
فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ
الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ وَإِلَى مَا يُكْرَهُ فَلَا يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ
إِذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ التَّمْرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ
عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ التَّمْرِ
وَقَالَ آخَرُ إِنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ
وَالصُّبْرَةُ عِنْدَهُ وَالْجِزَافُ مِنَ الطَّعَامِ كُلِّهِ كَثَمَرَةِ الْحَائِطِ سَوَاءٌ فِي بَيْعِ ذَلِكَ قبل قبضه
كالعروض
وقد مضى القول بما لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ بَائِعَ الطَّعَامِ جِزَافًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ طَعَامًا بِطَعَامٍ مِثْلِهِ كَيْلًا فَرَآهُ مِنَ الْخَطَرِ
وَالْقِمَارِ وَالْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمِ الْبَاقِي الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ الْأُولَى
وَهَذَا مَا كَرِهَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي
الثُّلُثِ فَمَا دُونَ وَلَمْ يُجِزْهُ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ هُنَالِكَ
وَقَدْ سَأَلَ يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا
فَقَالَ عِيسَى مَعْنَى هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ أَنْ يَعِيبَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعَاوَضَةً مِنَ
الثَّمَنِ فَإِذَا بَانَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ قَدْ غَابَ عَلَيْهِ فَابْتَاعَهُ
مِنْهُ كُلَّهُ مُعَاوَضَةً بِنَقْدِ الثَّمَنِ فَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ
فِي السَّلَفِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي غَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408
رَدَّهُ إِلَيْهِ وَيَزِيدُهُ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِمَنِ اشْتَرَى طَعَامًا جِزَافًا أَنْ
يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ بِمَا يَقْبِضُ لَهُ مِثْلَهُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَازَ عِنْدَهُمَا لِمَنِ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مَا شَاءَ عَلَى سُنَّةِ
الْبُيُوعِ إِنْ كَانَ بِطَعَامٍ يَدًا بِيَدٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا
بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَكَيْفَ شَاءَ المتبايعان على سنة البيوع وما غاب عَلَيْهِ
الْمُبْتَاعُ مَعَ مَا وَصَفْنَا وَمَا لَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ بن القاسم وأشهب في بيع التمر في رؤوس النَّخْلِ بِطَعَامٍ حَاضِرٍ مِنْ
غَيْرِ جِنْسِهِ
فَقَالَ بن الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ قبل أن يفترقا
وقال سحنون إذا يَبِسَ التَّمْرُ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَائِهِ بِالطَّعَامِ نَقْدًا وَإِنْ تَفَرَّقَ قَبْلَ الْجَذِّ لِأَنَّ
الْعَقْدَ فِيهَا قَبْضٌ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا جَائِحَةٌ إِذَا يَبِسَتْ
قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي أَشْهَبُ