مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ
وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنَ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الحبلة

وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ
 
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ
وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنَ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الحبلة
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420
وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ
وَتَفْسِيرُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ تَرْجَمَةُ الْبَابِ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ
وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُ بَيْعُ الْأَجِنَّةِ وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ أَوْ لَا بَيْعُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ
وَيُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ وَالتَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا
وَالْأَظْهَرُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْبُيُوعِ إِلَى الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ لِقَوْلِهِ فِيهِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ
الَّتِي فِي بَطْنِهَا
وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَكَفَى
بِالْإِجْمَاعِ عِلْمًا وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ فَمَا
كَانَ مَعْلُومًا مِنَ الْآجَالِ لَا يَخْتَلِفُ مَجِيئُهُ وَلَا يُجْهَلُ وَقْتُهُ فَجَائِزٌ الْبَيْعُ إِلَيْهِ لَا خِلَافَ
بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ بَيْعُ وَلَدِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ هَذَا قَوْلُ أَبِي عبيد
قال أبو عبيد عن بن عُلَيَّةَ هُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ
وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَالتَّأْوِيلَاتُ جَمِيعًا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا لَا خِلَافَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه نهى عن بيع الْمَجْرِ وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي
بُطُونِ الْإِنَاثِ وَنَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَضَامِينُ مَا فِي الْبُطُونِ وَهِيَ الْأَجِنَّةُ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ
وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَاسْتَشْهَدَ أَبُو عُبَيْدٍ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
مَلْقُوحَةً فِي بَطْنِ نَابٍ حَائِلِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421
وَفِي الْبَيْتِ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ ((مَلْقُوحَةً)) وَكَانَ وَجْهُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ أَنْ يَقُولَ مَضْمُونَةً
فِي بَطْنِ الْحَامِلِ
وَقَالَ غَيْرُهُ الْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي بُطُونِ الإناث
وذكر المزني عن بن هِشَامٍ شَاهِدًا بِأَنَّ الْمَلَاقِيحَ مَا فِي الْبُطُونِ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ
مَنَّيْتَنِي مَلَاقِحًا فِي الْأَبْطُنِ تُنْتَجُ مَا تَلْقَحُ بَعْدَ أَزْمُنِ
وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بُيُوعِ
الْأَعْيَانِ وَلَا فِي بيوع الْآجَالِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ في رواية بن عُمَرَ لِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا يَرُدُّ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ تَجْوِيزِ ذَلِكَ الْبَيْعِ إِلَى الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ بلغني أن بن عُمَرَ كَانَ يَبْتَاعُ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وَلَا يُسَمِّي إِلَى أَجَلٍ
قَالَ وَأَخْبَرَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ يَعْقُوبَ
أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ مِنْهُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ وَلَا يُسَمِّي أَجَلًا
قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ
كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَدْرِي هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ
عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا بَيْعُ الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ وَغَيْرِ الْغَائِبِ أَيْضًا عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ لَزِمَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا
خِيَارَ لِلرُّؤْيَةِ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422
وَالثَّانِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ جَائِزٌ وَلِلْمُبْتَاعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ
فَإِذَا رآه ورضيه تمت الصفقة وصح البيع
هذا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَا عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ إِلَّا
بَيْعُ عَيْنٍ مَرْئِيَّةٍ أَوْ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا النَّقْدُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَ الَّذِي لَهُ كَرِهَهُ
لِأَنَّ مَا كَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ فِي بَابِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ
وَذَكَرَ بن المواز عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ مِثْلَ الْبَرِيدِ أَوِ الْبَرِيدَيْنِ فَلَا
بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهِ
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ طَعَامًا
قَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ
وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يَجُزِ النَّقْدُ فِيهِ كَانَ الْمَبِيعُ ضَارًّا أَوْ ما كان من شيء
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَخَالَفَهُ فَلَمْ يَرَ النَّقْدَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ
وَأَجَازَ بن الْقَاسِمِ النَّقْدَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الصِّفَةِ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إِذَا كَانَ عَلَى
الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ النَّقْدَ فِي الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ
التَّغْيِيرُ مَا لَا يُسْرِعُ إِلَى غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَكَانَ عِنْدَهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إِذَا نَقَدَ
فِيهِ يَدْخُلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْأَغْلَبِ السُّرْعَةُ تُغَيِّرُهُ وَلَيْسَ الْعَقَارُ كَذَلِكَ
وَعِلَّةُ أَشْهَبَ فِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ مَا جَعَلَهُ مَالِكٌ عِلَّةً فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ
يُوجَدْ عَلَى الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدِ انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا فَإِنَّهُ أَرَادَ السَّلَمَ الْمَعْرُوفَ عَلَى
شُرُوطِهِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423