مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَوَاهُ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَمَّا بُيُوعُ الْغَرَرِ فَإِنَّهَا لَا يُحَاطُ بِهَا وَلَا تُحْصَى وَلَكِنَّا نَذْكُرُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي
((الْمُوَطَّأِ)) وَيَأْتِي فِي ذَلِكَ مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا سِوَاهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ مَالِكٌ وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ
وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولُ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ
وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنَ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُبْتَاعِ
بِعِشْرِينَ دِينَارًا
قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ عَيْبٌ آخَرُ أَنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وجدت لم يدر أزادت أم نقصت
أو مَا حَدَثَ بِهَا مِنَ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ الْآبِقِ
فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُشْتَرِيهِ
مَعْرِفَتَهُ فَيَشْتَرِيَهُ وَيَتَوَاضَعَانِ الثَّمَنَ فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُ قَبَضَهُ وَجَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ
وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اشْتَرَيْتَ عَبْدًا فِي إِبَاقِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَإِنْ قَدَرْتَ
عَلَى الْعَبْدِ فَقَبَضْتَهُ لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ حَالَهُ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ
وَيَنْقُصُ فَجَائِزٌ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ الْبَائِعُ حَالَهُ كَمَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ
عَلَى حَالٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْيَانِ غَائِبُهُ لَا يَجُوزُ وُصِفَتْ أَوْ لَمْ تُوصَفْ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمَوْصُوفِ إِلَّا مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ مُعَيَّنًا وَاشْتَرَطَ أَلَّا يُسَلِّمَهُ إِلَّا بَعْدَ شَهْرٍ
أَوْ نَحْوِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ
الْمُشْتَرِي وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي هَلَاكِهِ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هَلَكَ قَبْلَ عَقْدِ الشِّرَاءِ
وَكَذَلِكَ الْمُبْتَاعُ كُلُّهُ عِنْدَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ مَرْدُودٌ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
بَيْعِ الْغَرَرِ وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ فِي جَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا فِي خِلَافِهَا وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ
أَنَّ مُبْتَاعَ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَإِنِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي
قَبَضَهُ مِنْهُ قَدَرَ عَلَى الْعَبْدِ أَوِ الْجَمَلِ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ
وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي ضُرُوعِهَا إِلَّا بِكَيْلٍ
وَعَنْ شِرَاءِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفُوا مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَيْعِ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا
فَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا عَرَفَ حِلَابَهَا وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا بِكَيْلٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ فِي ضُرُوعِهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ
عَيْنٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ وَلَا مَعْلُومٍ مَبْلَغُهَا وَقَدْرُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ عَلَى قَدْرِ الْمَرْعَى
وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَإِنْ كَانَ أَيَّامًا فَهُوَ بَيْعُ شَيْءٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ
الطَّاوِي مِنَ اللَّبَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455
وَأَجَازَهُ مَالِكٌ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ الْمَعْلُومِ فِي الْأَغْلَبِ حِلَابُ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا قَدْ عُرِفَ
ذَلِكَ مِنْهَا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي الْأَيَّامِ فَذَلِكَ يَسِيرٌ
وَالْغَرَرُ بِالْيَسِيرِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ
قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ إن كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ
كَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ بَيْعَ مَا فِي بُطُونِ
الْإِنَاثِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَخَطَرٌ وَمَجْهُولٌ
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ
الْمُلَامَسَةِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَصَى وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ حَبَلَةٍ
وَهَذَا كُلُّهُ بَيْعُ مَا لَا يُتَأَمَّلُ وَبَيْعُ مَا لَا يُرَى وَيُجْهَلُ
وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ
غَرَرٌ حَتَّى تَضَعَ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ
ثَمَنُ شَاتِي الْغَزِيرَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ بِدِينَارَيْنِ وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ
غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا الزُّبْدِ
بِالسَّمْنِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا
يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ
قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ فَذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ
مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ
طُيِّبَ وَنُشَّ وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ كَمَا ذَكَرَهُ يَدْخُلُهُ الْمُزَابَنَةُ وَالْغَرَرُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456
وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ بِيعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ
عَلَى حَالٍ وَلَا الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ وَلَا نَبِيذِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ زَيْتُونَةٍ فِيهَا زَيْتُونَةٌ بِأَمْدَادٍ مِنْ زَيْتُونٍ وَكَذَلِكَ شَاةٌ بِهَا
لَبَنٌ بِأَقْسَاطٍ مِنْ لَبَنٍ لِأَنَّ مَا فِي الشَّجَرَةِ وَالضَّرْعِ لَغْوٌ
قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بشاة عَلَيْهَا صُوفٌ بِصُوفٍ وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ بِاللَّبَنِ يَدًا بِيَدٍ
وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَبُونٍ جَازَ الْأَجَلُ
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنَ الشَّاةِ وَلَيْسَ الطَّعَامُ مِنْهَا
قَالَ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ بِالنَّوَى لَا بَأْسَ بِهِ إِلَى أَجَلٍ
قَالَ وَالشَّاةُ يُرِيدُ ذَبْحَهَا بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ جَائِزٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ شَاةَ لَحْمٍ وَكَانَتْ تُقْتَنَى وَإِنْ
كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ فَلَا
قَالَ وَكَذَلِكَ السَّمْنُ إِلَى أَجَلٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ وَلَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا لَبَنٌ جَازَ وَيَجُوزُ
الْجَمِيعُ يَدًا بِيَدٍ
وَفِي ((الْعُتْبِيَّةِ)) لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بِالشَّاةِ أَيَّهُمَا عَجَّلَ وَأَخَذَ
صَاحِبُهُ
وَقَالَ سحنون الذي أعرفه من بن الْقَاسِمِ وَقَالَهُ لِي غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ اللَّبَنَ فِي
الشَّاةِ اللَّبُونِ فَلَا بَأْسَ به إذا كانت الشاة معجلا وَاللَّبَنُ إِلَى أَجَلٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ
الشَّاةُ اللَّبُونُ مُعَجَّلَةً وَاللَّبَنُ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ حَرَامٌ لا يجوز
وروى يحيى عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُحَرِّمْ مَالِكٌ الشَّاةَ اللَّبُونَ بِاللَّبَنِ إِلَى أَجَلٍ مِنْ
أَجْلِ أَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ الْمُزَابَنَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمُزَابَنَةِ وَشَبَهِهَا كَثِيرٌ جِدًّا
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِمْ
وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَبَيْعُ الصُّوفِ بِالشَّاةِ وَالنَّوَى
بِالتَّمْرِ عَلَى الِاعْتِبَارِ
وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِ الشاة
أقل من اللبن فيكون ما زد عَلَى مِقْدَارِهِ ثَمَنًا لِلشَّاةِ
وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ مِنَ الزَّيْتِ
وَكَذَلِكَ الصوف والشاة
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ مَذْهَبِهِمْ وَاضِحًا فِي الصَّرْفِ وَذَكَرْنَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي
الْمُزَابَنَةِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ تَجِبُ أَلْبَانُ الْمُطَيَّبِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي اللَّحْمِ الطَّرِيِّ
بِالْمَطْبُوخِ وَكُلِّ مَا غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ وَخَالَفَتْهُ فِي الْغَرَضِ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا بَأْسَ
عِنْدَهُ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْإِنَاءِ بَلْ بِاللَّحْمِ النِّيءِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ -
عِنْدَهُ - اللَّحْمُ الرَّطْبُ بِالْقَدِيدِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا مُتَفَاضِلًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ مِنَ الْجِنْسِ الواحد مطبوخا منه بنيء مِنْهُ بِحَالٍ إِذَا
كَانَ إِنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَكَذَلِكَ الْمَطْبُوخُ بِالْمَطْبُوخِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى التَّسَاوِي فِيهِمَا وَلَا
مَا أَخَذَتِ النَّارُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حنيفة وأصحابه أنه لا يباع النيء بِالْمَشْوِيِّ إِلَّا يَدًا
بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنَ التَّوَابِلِ فَيَكُونُ الْفَصْلُ فِي الْآخِرِ
لِلتَّوَابِلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَجِيءُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ
فِي الْبُرِّ الْمَقْلُوِّ بِالْبُرِّ وَيَجِيءُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ فِي جَوَازِ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ
جَوَازُ ذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إِنَّ ذَلِكَ
بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ فِي
تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا فَهَذَا
لَا يَصْلُحُ وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ
مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ وَإِنَّمَا يكون ذلك إذا فَاتَتِ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ فَإِنْ
لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا
قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعَهَا ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ
لِلْبَائِعِ ضَعْ عَنِّي فَيَأْتِي الْبَائِعُ وَيَقُولُ بِعْ فَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ
مِنَ الْمُخَاطَرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَضَعَهُ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا وَذَلِكَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْأَمْرُ عندنا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْبَيْعُ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ مَجْهُولُ
الشَّرْطِ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا خَسِرَ فِيهِ وَانْحَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ
صَفْقَتِهِ فَهُوَ بيع فاسد لأنه يؤول إِلَى ثَمَنٍ مَجْهُولٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهِيَ عِدَةٌ وَعَدَهُ بِهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ في وجوبها والقضاء بها
وقال بن وَهْبٍ يُرْضِيهِ بِحَسَبِ مَا يُشْبِهُ مِنْ ثَمَنِ السلعة أن يقبضه البيع مِنْ ثَمَنِهَا
وَقَالَ أَشْهَبُ يُرْضِيهِ بِحَسَبِ مَا أَرَادَ وَنَوَى
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَلَا يَرَيَانِ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنَ الْعِدَاتِ وَيَسْتَحِبَّانِ الْوَفَاءَ بِهَا
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ