مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَيُّمَا بَيِّعَيْنَ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث بن مسعود هذا كالمفسر لحديث بن عُمَرَ (...) |
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَيُّمَا بَيِّعَيْنَ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ)) قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث بن مسعود هذا كالمفسر لحديث بن عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ يَمِينٌ وَلَا تَرَادٌّ لِأَنَّ التَّرَادَّ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا قَدْ تَمَّ مِنَ الْبُيُوعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى نسخه بحديث بن مَسْعُودٍ الَّذِي أَرْدَفَهُ بِقَوْلِ الْقَاسِمِ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَقَالَ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا قَدْ تُرِكَ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَقَالَ فِي رَجُلٍ وَقَفَ سِلْعَتَهُ لِلسَّوْمِ فَأُعْطِيَ بِهَا مَا طَلَبَ فِيهَا فَقَالَ لَا أَبِيعُهَا فَالْبَيْعُ لَهُ لازم فإن قال إنما كنت لاعبا وأردت اعْتِبَارَ ثَمَنِهَا فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحَدِيثِ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا مِنْ مَكَانِهِمَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى يَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ كُنْتُ لَاعِبًا وَمَنْ يَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا أَحْرَى أَلَّا يَقُولَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 قَالَ وَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَقَدْ أُعْطِيَ مَا طَلَبَ فِي سِلْعَتِهِ الَّتِي وَقَفَهَا لِلْبَيْعِ وَسَاوَمَ النَّاسَ فِيهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَا يَكَادُ يَتَّصِلُ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ قَدْ عَمِلُوا بِهِ كُلٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِيهِ فَمِنْ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ اشْتَرَى الْأَشْعَثُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمْسِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمْ فَقَالَ إِنَّمَا أَخَذْتُهُمْ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاخْتَرْ رَجُلًا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَالَ الْأَشْعَثُ أَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ)) هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِيهِ وكذلك هو في روايتنا في مصنفه من السنن وذكره بن الْجَارُودِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَكَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَا مُسْنَدٍ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قال حدثني هشيم قال أخبرنا بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أن بن مَسْعُودٍ بَاعَ مِنَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رَقِيقًا فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَهَذَا لَا يَتَّصِلُ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَرَوَى هذا الحديث أيضا الشافعي وبن أبي شيبة والحميدي عن بن عيينة عن بن عَجْلَانَ عَنْ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ)) وَرَوَاهُ الْقَطَّانُ عَنِ بن عَجْلَانَ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُتَّصِلٍ بَلْ هُوَ بَيِّنُ الِانْقِطَاعِ وَسَنَذْكُرُ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقَوْلِ فِي حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) مِنْ أَثْبَتُ مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْقَوْلِ به وادعا النَّسْخِ فِيهِ وَتَخْرِيجِ مَعَانِيهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي أَلْفَاظِهِ فَرِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْ نافع عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ يَقُولُ أحدهما لصاحبه ((اختر)) هَكَذَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ بإسناده بلفظ حديث مالك ومعناه ورواه بن عليه عن أيوب عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ فِيهِ نَافِعٌ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَلَفْظُ عبد الله بن دينار عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((كُلٌّ بَيْعٌ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا إلا بيع الخيار)) ورواه بن جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ أنه سمع بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعُهَمَا عَنْ خِيَارٍ وَإِذَا كَانَ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وجب)) قال نافع كان بن عُمَرَ إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ وَقَعَ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَلَا تَدَافُعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَأَبِي بَرْزَةَ الأسلمي وعبده اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَسَانِيدَهَا وَطُرُقَهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْقَوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 فَقَوْلُ مَالِكٍ مَا ذَكَرَهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَمَذْهَبُهُ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُتَبَايِعْيَنِ إِذَا عَقَدَا بَيْعَهُمَا بِالْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ الصَّفْقَةُ بِاللِّسَانِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُمَا الْمُتَسَاوِيَانِ فَإِذَا قَالَ بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّجُوعِ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانٍ نَحْوُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفَرُّقُ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِالْبَيْعِ فَإِذَا تَرَاضَيَا فَقَدْ تَفَرَّقَا قَالَ وَالتَّفَرُّقُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ كَمَا يُقَالُ لِلْمُتَنَاظِرِينَ إِذَا قَامُوا عَنِ الْمَجْلِسِ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ افْتَرَقْتُمْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) النِّسَاءِ 130 وَأَمَّا افْتِرَاقُهُمَا بِالْكَلَامِ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلِ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْتُ فَهَذَا مَوْضِعُ خِيَارِ الْبَائِعِ فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبِلْتُ فَقَدِ افْتَرَقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ التَّفَرُّقُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ صَاحِبُهُ بَطَلُ الْخِيَارُ قَالَ وَفَائِدَةُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا لَمْ يُجِبِ الْبَائِعَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ قَدْ قَبِلْتُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فَاسِدَانِ مُخَالِفَانِ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِمَا لِلْبَائِعِ خَاصَّةً وَحَدِيثُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ يَقْتَضِي بفسادهما لقوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَسَنُبَيِّنُ ضَعْفَ تَأَوُّلِهِمَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرُدُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِالِاعْتِبَارِ كَفِعْلِهِ فِي سائر أخبار الآحاد يعرضها عَلَى الْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا وَلَا يَقْبَلُهَا إِذَا خَالَفَهَا وَيَقُولُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ قَيْدٍ مَتَى يَفْتَرِقَانِ وَهَذَا أَكْثَرُ عُيُوبِهِ وَأَعْظَمُ ذُنُوبِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاحْتِجَاجُهُمْ بِمَذْهَبِهِمْ فِي رَفْعِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ طَوِيلٌ أَكْثَرُهُ تَشْعِيبٌ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْأُصُولَ لَا يُرَدُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَكْثَرَهَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي ((جَامِعِهِ)) وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ إِذَا عَقَدَ الْمُتَبَايِعَانِ بَيْعَهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ فِي إِتْمَامِهِ وَفَسْخِهِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَالتَّفَرُّقُ فِي ذَلِكَ كَالتَّفَرُّقِ فِي الصَّرْفِ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ بن أَبِي ذِئْبٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُ سَوَّارٍ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وبن جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ ويحيى القطان وبن مَهْدِيٍّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا فِي بُيُوعٍ ثَلَاثَةٍ بَيْعِ السُّلْطَانِ فِي الْغَنَائِمِ وَبَيْعِ الشُّرَكَاءِ فِي الْمِيرَاثِ وَبَيْعِ الشَّرِكَةِ فِي التِّجَارَةِ فَإِذَا صَافَقَهُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلَيْسَا فِيهِ بِالْخِيَارِ قَالَ وَحَّدُ الْفُرْقَةِ مَا كَانَا فِي مَكَانِهِمَا ذَلِكَ حَتَّى يَتَوَارَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ وَإِذَا خَيَّرَهُ فَاخْتَارَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا قَالَ أَبُو عُمَرَ كُلُّ مَنْ أَوْجَبَ الْخِيَارَ يَقُولُ إِذَا خَيَّرَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَاخْتَارَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لصاحبه اختر)) وفعل بن عُمَرَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالْعَالَمُ بِمَخْرَجِهِ وَمَعْنَاهُ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ التَّفَرُّقُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ أَوْ سَلَمٍ إِلَى أَجَلٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا أَوْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 تَبَايَعَا فِيهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - إِنْ شَاءَ - فَسَخَ الْبَيْعَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مَا دَامَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ بَيْعَهُمَا إِلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِنْ شِئْتَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ رَدَّهُ فَإِنِ اخْتَارَ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَانْقَطَعَ عَنْهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ يَجُوزُ الْخِيَارُ إِلَيْهَا كَانَا عَلَى مَا عَقَدَا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّفَرُّقُ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ الْخِيَارِ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْجَمِيعِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) بِأَكْثَرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ)) فَقَالَ بَعْضُهُمْ دَفَعَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى الْخِلَافِ بِهِ فَلَمَّا لم ير أحد يَعْمَلُ بِهِ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَإِجْمَاعُهُمْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قَالَ وَإِجْمَاعُهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا مَوْجُودٌ بِهَا قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ أَيْ لَيْسَ لِلْخِيَارِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَهُ لَيْسَ مَحْدُودًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا حَدَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَبِيعِ فَمَرَّةً يَكُونُ ثَلَاثَةً وَمَرَّةً أَقَلَّ وَمَرَّةً أَكْثَرَ وَلَيْسَ الْخِيَارُ فِي الْعَقَارِ كَهُوَ فِي الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَصِحُّ دَعْوَى إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَعْلُومٌ وَأَيُّ إِجْمَاعٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ فِيهَا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وبن شهاب وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُمْ وَهَلْ جَاءَ فِيهَا مَنْصُوصًا الْخِلَافُ إِلَّا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ ربيعة فيما ذكر بعض الشافعيين وقال بن أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مِنْ جِلَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْبَيِّعَيْنِ لَيْسَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا اسْتُتِيبَ وَجَاءَ بِقَوْلٍ فِيهِ خُشُونَةٌ تَرَكْتُ ذِكْرَهُ وَهُوَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الْمَائِدَةِ 1 قَالُوا وَهَذَانِ قَدْ تَعَاقَدَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبْطَالُ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ مِنَ الْعُقُودِ مَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ كَمَا لَوْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى رِبًا أَوْ سَائِرِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)) قَالُوا فَقَدْ أَطْلَقَ بَيْعَهُ إِذَا اسْتَوْفَاهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ خَالَفَهُمْ مُرَتَّبٌ عَلَى خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ اسْتِعْمَالُهُمَا مَعًا فَكَيْفَ يُدْفَعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ مَعَ إِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِمَا وَاحْتَجُّوا بِكَثِيرٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ وَالْعُمُومِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ فِي الْعُمُومِ بِالْخُصُوصِ وَلَا بِالظَّوَاهِرِ عَلَى النُّصُوصِ وَقَالُوا قوله صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ أَقَالَ نَادِمًا فِي بَيْعٍ أَوْ قَالَ فِي بَيْعَتِهِ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ)) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَّا قوله صلى الله عليه وسلم ((من أقال نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ)) فَهَذَا عَلَى النَّدْبِ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ وَقَضَاءٌ وَشَرْعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ بِرَأْيِهِ قَالُوا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ فَلَفْظٌ مُنْكَرٌ لِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ لِيُتِمَّ بَيْعَهُ وَلَهُ أَنْ لَا يُقِيلَهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ وَقَوْلُهُ ((لَا يحل)) لفظة منكرة بِإِجْمَاعٍ وَبَانَ أَنَّ الْإِقَالَةَ نَدْبٌ وَحَصْرٌ لَا إِيجَابٌ وَفَرْضٌ وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا فِعْلُ بن عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجِبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 لَهُ الْبَيْعُ مَشَى حَتَّى يُفَارِقَ صَاحِبَهُ وَيَغِيبَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ وَعَلِمَ مَعْنَاهُ وَمَخْرَجَهُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ بن عُمَرَ كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ نَفْتَرِقْ فَتَبَايَعْتُ أَنَا وعثمان ما لا بِالْوَادِي بِمَالٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا بَايَعْتُهُ طَفِقْتُ الْقَهْقَرَى على عقبي خشية أن يرادني عثمان البيع قَبْلَ أَنْ أُفَارِقَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قول بن عُمَرَ كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ نَفْتَرِقْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنِ الْمَجْلِسِ كَانَ أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَهُمْ فِي بِيَعَاتِهِمْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أمية عن نافع قال كان بن عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مَشَى سَاعَةً قَلِيلًا لِيَتِمَّ لَهُ الْبَيْعُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَرَوَى سُفْيَانُ بن عيينة عن بن جريج عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ فَأَرَادَ أَلَّا يُقِيلَ صَاحِبَهُ مَشَى شَيْئًا قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَقَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَنَدِمَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يَرُدَّ الْآخَرُ إِقَالَتَهُ فَاخْتَصَمَا إِلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) وَمَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ بِإِسْنَادِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا ذَهَبَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ شَهِدَهُ يَخْتَصِمُ إِلَيْهِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْضَهُ فَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ بَيِّنَتُكَ أَنَّكُمَا تَصَادَرْتُمَا عَنْ رِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارٍ وَإِلَّا فَيَمِينُهُ بِاللَّهِ مَا تَصَادَرْتُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ رِضًا وَلَا خِيَارٍ قَالَ وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ - قَاضِي صَنْعَاءَ إِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ خِيَارًا فِي الْمَجْلِسِ أَنْ يَكُونَ التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ فراقا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 قَالُوا وَالتَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ كَمَا هُوَ بِالْأَبْدَانِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) النِّسَاءِ 130 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) آلِ عِمْرَانَ 105 وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) الْأَنْعَامِ 159 وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((تَفْتَرِقُ أُمَّتِي)) وَنَحْوِ هَذَا مِمَّا لَمْ يُرَدْ بِهِ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْبَرُونَا عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْإِجْمَاعُ فِي الْبَيْعِ وَتَمَّتْ بِهِ الصَّفْقَةُ أَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الِافْتِرَاقُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا هُوَ غَيْرُهُ فَقَدْ أَحَالُوا وجاؤوا بِمَا لَا يُعْقَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ كَلَامٌ غَيْرُهُ وَإِنْ قَالُوا هُوَ ذَلِكَ الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي بِهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَبِهِ تَمَّ بَيْعُهُمَا له افترقا هذا مَا لَا يَفْهَمُهُ ذُو عَقْلٍ وَإِنْصَافٍ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ هُمَا الْمُتَسَاوِمَانِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي مَالِهِ وَسِلْعَتِهِ بِالْخِيَارِ قَبْلَ السَّوْمِ وَمَا دَامَ قَبْلَ الشِّرَاءِ مُتَسَاوِمًا حَتَّى يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَهُ وَيَرْضَاهُ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَفِي حِينِ الْمُسَاوَمَةِ أَيْضًا هَذَا مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ بَطُلَتْ فَائِدَةُ الْخَبَرِ وَقَدْ جَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا فائدة فيه وأما حديث بن مَسْعُودٍ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا بِعْتَ سِلْعَتَكَ إِلَّا بِمَا قُلْتَ فَإِنَّ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلَّا بِمَا قُلْتَ فإن حلف بريء مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ على صاحبه وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السِّلْعَةَ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَسَوَاءٌ ويتحالفان ويترادان وقال بن الْقَاسِمِ إِنْ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ وَفَاتَتْ عِنْدَهُ بِتَمَامٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ تَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ هَلَالٍ أَوْ تَقْطِيعٍ فِي الثِّيَابِ أَوْ كَانَتْ دَارًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 فَبَنَاهَا أَوْ طَالَ الزَّمَانُ فَتَغَيَّرَتِ الْمَسَاكِنُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يمينه وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إِذَا كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَمَّا إِذَا بَانَ بها المشتري إلى نَفْسِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ وقال سحنون رواية بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إِلَى ما رواه بن المسيب قال وقال بن الْقَاسِمِ إِذَا تَحَالَفَ رَدَّ الْبَيْعَ إِلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَقَالَ سَحْنُونٌ بَلْ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ إِذَا تَحَالَفَا تَرَادَّا وَإِنْ نَكَلَا تَرَادَّا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ تُرِكَ الْبَيْعُ يُرِيدُ عَلَى قول الحالف وروى بن المواز عن بن الْقَاسِمِ مِثْلَ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ إِنْ حَلَفَا فُسِخَ وَإِنْ نَكَلَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ وَذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَحْنُونٌ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طُرُقِهِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فِي الْبَيْعِ حَلَفَا جَمِيعًا فَإِنْ حَلَفَا رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلَّذِي حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَا رُدَّ الْبَيْعُ وَقَالَ بن وهب وبن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى دَعْوَاكَ وَتَبْرَأَ فَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ كَانَ الْبَيْعُ لِمَنْ حَلَفَ وَسَوَاءٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ كَانَتِ السِّلْعَةُ حَاضِرَةً قَائِمَةَ الْعَيْنِ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ فَاتَتِ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَتْ وَذَهَبَ عَيْنُهَا فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَمَالِكًا وَأَصْحَابَهُ إِلَّا أَشْهَبَ - قَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِيَاسُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فادعى البائع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 ألفا وخمس مائة وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَلْفًا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يَتَرَادَّانِ لِأَنَّهُمَا قَدْ أَجْمَعَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ وَاخْتَلَفَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ مَا لَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ ادعى أحدهما على الآخر ألف درهم وخمس مائة وَأَقَرَّ هُوَ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلْأَثَرِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ فَإِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ عَادَ الْقِيَاسُ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ يَتَرَادَّانِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ رَدَّ الْأَعْيَانِ فإذا ذَهَبَتِ الْأَعْيَانُ خَرَجَ مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَا قَدْ فَاتَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّهِ وَصَارَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا لِثَمَنٍ لَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلَا فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ)) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ - قَاضِي الْبَصْرَةِ - وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ صَاحِبِ مَالِكٍ إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ أَبَدًا كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِيَدِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُبْتَاعِ أَوْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً تَرَادَّاهَا وَإِنْ كَانَتْ فَائِتَةً تَرَادَّا قِيمَتَهَا وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُقِرَّ بِخُرُوجِ السِّلْعَةِ مِنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِصِفَةٍ قَدْ ذَكَرَهَا أَوْ ثَمَنٍ قَدْ وَصَفَهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ الْمُبْتَاعُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يُقِرَّ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَيْهِ إِلَّا بِصِفَةٍ لَمْ يَصْدُقْهُ الْبَائِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ ثَمَنَهَا كَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِيهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ السِّلْعَةَ لِلْبَائِعِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِيَقِينٍ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ وَإِقْرَارُهُ مَنُوطٌ بِصِفَةٍ لَمْ تَقُمْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ بِتَكْذِيبِهَا فَحَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِأَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ وَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ السِّلْعَةَ لَهُ فَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ فَإِذَا حَلَفَ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فِي أَخْذِهَا بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ إِنْ شَاءَ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ مَا ابْتَاعَ إِلَّا بِمَا ذَكَرَ كَدَعْوَى الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ ثُمَّ يُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ مُجْمَلَةً لَمْ تَخُصَّ كَوْنَ السِّلْعَةِ بِيَدِ وَاحِدٍ دُونَ الْآخَرِ وَلَا فَوْتَهَا وَلَا قِيَامَ عَيْنِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّرَادَّ إِذَا وَجَبَ بِالتَّحَالُفِ وَالسِّلْعَةُ حَاضِرَةٌ وَجَبَ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَهَا كَسَائِرِ مَا فَاتَ فِي الْبُيُوعِ فَقَدْ وَجَبَ رَدُّهُ كَانَتِ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فِيهِ بَدَلًا مِنْهُ وَقَالَ زَفَرُ إِنِ اتَّفَقُوا أَنَّ الثَّمَنَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا قِيمَةَ الْمَبِيعِ إِنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَبَدًا مَعَ يَمِينِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ فَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وهو قول داود وضعفا حديث بن مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَقُولَا بِشَيْءٍ مِنْ مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ الْبَائِعُ مُقِرٌّ بِزَوَالِ مِلْكِهِ لِلسِّلْعَةِ مُصَدِّقٌ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُدَّعٍ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ مَا لَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَا بَيِّنَةَ مَعَهُ فَصَارَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بِاشْتِرَاطِ خِيَارِ الْبَيْعِ الْمُسْتَشَارِ إِذَا رَضِيَ الْمُسْتَشَارُ الَّذِي اشْتَرَطَ رِضَاهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَالْخِيَارُ لِفُلَانٍ الَّذِي اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يَجُوزُ عِنْدَهُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ فَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ جَازَ وَإِنْ نَقَضَهُ انْتَقَضَ فَإِنْ رَضِيَهُ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ لَا أَرْضَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ رَضِيَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَعَنِ الشَّافِعِيِّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتَرَاطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ وَكِيلًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 وَالْأُخْرَى كَقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ وَاشْتَرَطَ رِضَا غَيْرِهِ فَالرِّضَا لِلْغَيْرِ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلَانًا لَمْ يُرِدْ إِلَّا أَنْ يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالرَّدِّ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَالَّذِي لَهُ الْخِيَارُ وَالْإِمْسَاكُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي اشْتَرَطَ خِيَارَهُ وَالْمُشْتَرِي والبائع في ذلك عندهم كُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَكِيلِ يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ رِضَا الْوَكِيلِ إِذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَرْضَى الْمُوَكِّلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا اشْتَرَطَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْآمِرَ قَدْ رَضِيَ وَادَّعَى لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ الْآمِرُ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَوْ قَالَ الْآمِرُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ أَرْضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ الْوَكِيلَ الْمُشْتَرِي وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِهِ قَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالْآخَرُ أَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّ إِذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ في الآمر دون استئمار الْآمِرِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ دُونَ الْآمِرِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ مِنَ الْمُدَّةِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فَيَشْتَرِطُ مَا شَاءَ مِنَ الْخِيَارِ مَا لَمْ يَطُلْ جِدًّا وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَالَ لا يعجبني طول الخيار وقال بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي بَيْعِ الثَّوْبِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَفِي الْجَارِيَةِ تَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا الْخَمْسَةَ الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي الدَّابَّةِ الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ لِرَكْبِهَا الْمُعَرِّفِ ويخير وسيستشير فِيهَا وَمَا بَعُدَ مِنْ أَجَلِ الْخِيَارِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْنَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ اذْهَبْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ أَبَدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَبَدًا حَتَّى يَقُولَ قَدْ رَضِيتُ وَلَا أَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 قَالَ وَالْوَطْءُ فِي الْجَارِيَةِ رِضًا قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ جُمْلَةً بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَبُّ الْأَجَلِ إِلَيْنَا فِي الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلَّذِي جَازَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحَفَّلَةِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ جَوَازَ شَرْطِ الخيار شهر أو أكثر وهو قول بن أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ كُلُّ هؤلاء لا يجوز عندهم اشتراط الخيار شهر أَوْ أَكْثَرَ وَذَلِكَ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْمُشْتَرَطِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بين أجناس المبيعات كما ذكر بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)) وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ الْخِيَارُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَمَا بَلَغَنَا فِيهِ وَقْتٌ إِلَّا أَنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ الثوري وبن شُبْرُمَةَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ بِحَالٍ قَالَ الثَّوْرِيُّ إِنِ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ قَالَ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَإِنِ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُبْتَاعُ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا فَمَا دُونَهَا جَازَ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْلَا أَنَّ الْخَبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَازَ الْخِيَارُ أَصْلًا فِي الثَّلَاثِ وَلَا فِي غَيْرِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَتِهِمْ فِيمَا يَجِبُ تَعْدِيلُهُ فِي الْمَجْلِسِ مِثْلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا وَمِنَ الْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي عَقْدِ الصَّفْقَةِ مَنْعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ثَمَنِ مَا بَاعَهُ وَلَا عَلَى الْمُبْتَاعِ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يُوجِبُ جَوَازَ مَا مَنَعَتِ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ جَوَازِهِ فَلَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَادَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فِي الْعَرَايَا قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدُّ الْخِيَارِ ثَلَاثٌ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ هشام عن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)) وَمِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ إِذَا بِعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بالخيار ثلاثة أيام)) هكذا يرويه بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ إِلَّا بِيعَ الْخِيَارِ وَفِي قَوْلِهِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ هُوَ الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يَجُوزُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ هُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِنْفَاذَهُ أَوْ فَسْخَهُ فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ والليث بن سعد والأوزاعي وبن عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ طَاوُسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ هُمَا بِالْخِيَارِ أَبَدًا قَالَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْ لَمْ يَقُولَا حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مَكَانِهِمَا لِلِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ الزَّائِدِ وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ تُمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَهُمَا جَمِيعًا سَاعَةَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَتَى بِهِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ أَوْ مِنَ الْغَدِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ وَهُوَ رأي بن الْقَاسِمِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إِنِ اشْتَرَطَ أَنَّهُ إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَأْتِ بِالثَّوْبِ لَزِمَ الْبَيْعُ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الْبَيْعِ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ لم يَتْبَعْهُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إِلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَجْعَلُ السُّلْطَانُ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِيَارِ مَا يَكُونُ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا جَعَلَ الْخِيَارَ بِغَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ كَالْجُعْلِ الْفَاسِدِ وَالثَّمَنِ الْفَاسِدِ وَإِنْ أَجَازَهُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِيمَنِ اشْتَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَنَّهُ إِذَا أَجَازَهُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ قَدْ فَسَدَ بِاشْتِرَاطِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِيمَنِ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِمُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ فِي الثَّلَاثِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَغَيْرُهُ جَائِزٌ إِذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ بِغَيْرِ مُدَّةٍ مَذْكُورَةٍ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلْخِيَارِ وَقْتًا مَعْلُومًا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَالثَّمَنُ حَالًّا وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَقْتِ إِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ هَلْ يُورَثُ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يُورَثُ وَيَقُومُ وَرَثَةُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مَقَامَهُ إِلَى انْقِضَاءِ الْأَمْرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ هَلَاكُهُ من البائع والمشتري أمين وهو قول بن أَبِي لَيْلَى إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ خَاصَّةً وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالْهَلَاكِ وَحَكَى الرَّبِيعُ مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ إِذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ إِذَا هلك في يده بعد قبضه له فهذه أُصُولُ مَسَائِلِ الْخِيَارِ وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلَا تَكَادُ تُحْصَى وَلَيْسَ فِي مِثْلِ كِتَابِنَا هَذَا نَتَقَصَّى |