مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْتُ (...)
 
مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْتُ وَلَكِنَّ نَفْسِي
بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْمَكْتُوبِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَمَا
فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي فَمَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يأكل الصَّدَقَةِ
وَإِنَّمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لَا تَحِلُّ لَهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِسْلَافَهُ الْجَمَلَ الْبَكْرَ
الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ
كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَهُ الْجَمَلَ لِمَسَاكِينَ بَلْدَةٍ لَمَّا رَأَى مِنْ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ
فَاسْتَقْرَضَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَّهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ كَمَا يَسْتَقْرِضُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ ثُمَّ
يَرُدُّهُ مِنْ مَالِهِ إِذَا طَرَأَ لَهُ مَالٌ وَهَذَا كُلُّهُ لَا تَنَازُعَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ الْجَمَلُ الْبَكْرُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَقْرَضُ مِنْهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةٌ
عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ إِمَّا لِجَائِحَةٍ لَحِقَتْ مَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَصَارَ الْمَالُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِغَيْرِ
ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِ صَدَقَتَهُ وَلَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِهَا وَكَانَ
وَقْتُ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَخُرُوجِ السَّعَاةِ وَقْتًا وَاحِدًا يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهِ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ
أَصْحَابُ الْمَوَاشِي فَلَمَّا لَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ صَدَقَةً عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يكن ممن تَلْزَمُهُ
صَدَقَةٌ فِي مَاشِيَتِهِ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي لَهُ أُخِذَتْ صَدَقَتُهُ إِمَّا لِقُصُورِ نِصَابِهِ بِالْآفَةِ
الدَّاخِلَةِ عَلَى مَاشِيَتِهِ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ وَصَفْنَا بَعْضَهُ فَوَجَبَ رَدُّ مَا
أُخِذَ مِنْهُ إِلَيْهِ
وَمِثَالُ الِاسْتِسْلَافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلرَّجُلِ أَقْرِضْنِي عَلَى
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511
زَكَاتِكِ لِأَهْلِهَا فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ بِتَمَامِ مِلْكِكِ النِّصَابَ حَوْلًا فَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ دَيْنٌ
لَكَ أَرُدُّهُ عَلَيْكَ مِنَ الصَّدَقَةِ
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا بِحَوْلٍ وَاحِدٍ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عن إبراهيم وبن شهاب والحكم بن عتيبة وبن أَبِي لَيْلَى
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِمَا فِي يَدِهِ وَلِمَا يَسْتَفِيدُهُ فِي
الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ لِسِنِينَ
وَقَالَ التَّعْجِيلُ عَمَّا فِي يَدِهِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ عما يستفيده
وقال بن شُبْرُمَةَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِسِنِينَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ إِلَّا بِيَسِيرٍ
وَالشَّهْرُ وَنَحْوُهُ عِنْدَهُمْ يَسِيرٌ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا بِيَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ وَمَنْ عَجَّلَهَا قَبْلَ
مَحَلِّهَا لَمْ يُجْزِئْهُ وَكَانَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا كَالصَّلَاةِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَرَوَى خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ
وَاخْتُلِفَ عَلَى أَشْهَبَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ
خِدَاشٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ كَالصَّلَاةِ
وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُدَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا قَوْلِ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا وَقَوْلِ مَنْ لَمْ يُجِزْ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَالْقِيَاسُ لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ
وَعَلَى سَائِرِ مَا يَجِبُ مُؤَقَّتًا كَالْحَجِّ وَعَرَفَةَ وَرَمَضَانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَقَّتَاتِ الَّتِي
لَا يَجُوزُ عَمَلُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا وأزمانها
وَمَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا قَبْلَ سَنَتِهَا قَاسَهَا عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ
تَعْجِيلِهَا قَبِلَ إِحَالِهَا إِذَا تَبَرَّعَ بِذَلِكَ
وَفَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ يَسْتَوِي النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي وَقْتِهَا وَلَيْسَ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512
كَذَلِكَ أَوْقَاتُ الزَّكَاةِ لِأَنَّ حَوْلَ زَيْدٍ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ حَوْلِ عَمْرٍو وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِي
ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ تُشْبِهِ الصَّلَاةَ لِمَا وَصَفْنَا
وَأَمَّا مَنْ أَبَى جَوَازَ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ هَذَا
الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ
وَعَلَى الْأَغْنِيَاءِ
وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتَقْرَضَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يَرُدَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ
لَهُمْ
وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ الْمُسْتَقْرَضَ مِنْهُ غَنِيٌّ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَسَاكِينِ أَكْثَرَ
مِمَّا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ وَهُوَ غَنِيٌّ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا احْتِجَاجَ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا ذَهَبَ كل واحد مِنْهُمَا إِلَيْهِ وَتَأْوِيلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ ((التَّمْهِيدِ))
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا إِثْبَاتُ الْحَيَوَانِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ
الِاسْتِسْلَافُ
وَإِذَا جَازَ اسْتِقْرَاضُ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَافُ جَازَ
السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبِضَ مَنْ أَسْلَفَ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ
الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ
عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أو أي أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ وَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ
مِنَ الْمُسْتَسْلِفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ
بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيمَنْ اشْتَرَطَ لِلزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ أَنَّهُ رِبًا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ
أَكْلُهُ وَأَمَّا الْعَادَةُ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ حَرَامًا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513
لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ إِذَا وَقَعَ وَلَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ مَا لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْطَعُ دُونَهَا وَأَنَّ اخْتِلَافَ
الْأَمْوَالِ وَمَنْ حَكَمَ بِذَلِكَ اسْتَعْمَلَ الظَّنَّ وَحَكَمَ بِغَيْرِ الْيَقِينِ فَالْأَحْكَامُ إِنَّمَا هِيَ عَلَى
الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الظُّنُونِ وَمَنْ تَوَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ نَالَ فَضْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْلُ هَدِيَّةِ الْغَرِيمِ وَاخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا
قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ تَحْرِيمِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا مَعْرُوفًا قَبْلَ ذَلِكَ
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ هَدِيَّتُهُ إِلَيْهِ لِمَكَانِ دَيْنِهِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا إِنِ اشْتَرَطَ فِي السَّلَفِ زِيَادَةً كَانَ حَرَامًا وَإِنِ
اشْتَرَطَ عَلَى الْغَرِيمِ هَدِيَّةً كَانَ حَرَامًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ
قَالُوا وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لَا خَيْرَ فِيهِ
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَأَمَّا إِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
شَرْطٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ به عِنْدَهُمْ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَكْرَهُ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ أَوْ يَأْكُلَ عِنْدَهُ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ هَدِيَّةَ غَرِيمِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَهُ أَجْوَدَ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ دُونِهُ إِذَا تَرَاضَيَا ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُ
الْخَلَفِ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِيهَا
فَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا كُلَّ هَدِيَّةِ الْغَرِيمِ
وروى نافع عن بن عمر أنه كان له صَدِيقٌ يُسْلِفُهُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُهْدِي لَهُ
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ إِذَا أَقْرَضْتَ رَجُلًا قَرْضًا فَلَا تَرْكَبُ
دَابَّتَهُ وَلَا تَقْبَلْ هَدِيَّتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَرَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قبل ذلك مخالطة
وروي عن بن عَبَّاسٍ فِيهَا رُخْصَةٌ
وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ جَيِّدٌ وَهُوَ حُجَّةٌ وَمَلْجَأٌ لِمَنْ قَالَ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514
سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ خَرَجْنَا
فِي رَكْبٍ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ فبينا نحن قعود إذ أتى رجل
عليها ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ فَقُلْنَا لَهُ مِنَ الرَّبَذَةِ وَمَعَنَا جَمَلٌ
أَحْمَرُ أَتَبِيعُونِي الْجَمَلَ قَالَ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ بِكَمْ قُلْنَا بِكَذَا أَوْ كَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَهُ
وَلَمْ يُعْطِنَا شَيْئًا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْجَمَلِ حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ
قَالَ فَتَلَاوَمْنَا فِيمَا بَيْنَنَا قُلْنَا أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ رَجُلًا لَا تَعْرِفُونَهُ فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ لَا تَلَاوَمُوا
لَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ مَا كان ليحقركم ما رأيت أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ
فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا حَتَّى تَشْبَعُوا وَأَنْ تَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا وَأَكَلْنَا حَتَّى
شَبِعْنَا وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ أَكْلِ طَعَامِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُطْعِمَ مَا لَا يَحِلُّ
وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ دَيْنٍ أَقْرَضَهُ أَوْ بَيْعٍ بَاعَهُ
أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ مَا زَادَ بِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ شُكْرًا لَهَا وَأَنْ يَأْكُلَ طَعَامَهُ وَيَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ
وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَمِثْلِهِ فَلَيْسَ بِرِبًا
وَقَضَى الْإِجْمَاعُ أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ رِبًا فَكَانَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنَ الْحَلَالِ
الْبَيِّنِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنَ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ والحمد لله
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515