مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا ذكر

لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ)) قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا (...)
 
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا ذكر
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ)) قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُقَالُ إِنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ
الْمَازِنِيُّ جَدُّ وَاسِعِ بْنِ حبان وذلك محفوظ في حديث بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ
فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ
وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثلاثا من بيعك))
قال أبو عُمَرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا بَايَعَ لَا خِلَابَةَ لا خلابة
وعن بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِ مُنْقِذٍ هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ
عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ أَنَّ جَدَّهُ مُنْقِذًا كَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَكَانَ
إِذَا بَاعَ غُبِنَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ((إِذَا بِعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ
فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ))
وَقَدْ ذكرنا في التمهيد الإسنادين عن بن إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ حَبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَفِيهِ جَاءَ الْحَدِيثُ وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ وَأَثْبَتُ فِيهِ أَنَّهُ مُنْقِذٌ أَبُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ هُوَ خُصُوصٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ فِي الْبُيُوعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا شَرَطَ الْخِيَارَ أَوْ
لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ ضَعْفٍ كَانَ فِيهِ يَقُولُونَ
فِي عَقْلِهِ وَلِسَانِهِ وَكَانَ يُخْدَعُ كَثِيرًا فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْخِيَارَ ثَلَاثًا فِيمَا بَاعَ أَوِ ابْتَاعَ فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ خُدِعَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَيْبًا إِلَّا
الْغَبْنَ وَحْدَهُ خَصَّهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
وَقِيلَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِنَفَسِهِ الْخِيَارَ ثَلَاثًا مَعَ قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ لَا خِلَابَةَ كَأَنَّهُ
يَقُولُ لِمَنْ بَايَعَهُ إِذَا بَانَ لِي فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَنِّي خُدِعْتُ فَلِي الرَّدُّ إِنْ شِئْتُ أَوِ
الْإِمْسَاكُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ عَيْبًا كَسَائِرِ مُشْتَرِطِي الخيار
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَعْمَلًا مَعْنَاهُ فِي كُلِّ مِنَ اشْتَرَى وَبَاعَ إِذَا
اشْتَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا وَظَهَرَ إِلَيْهِ فِيهَا أَنَّهُ غُبِنَ وَخُدِعَ
وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَمُدَّتِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا فَلَا وَجْهَ
لِإِعَادَتِهِ
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ - فِيمَا عَلِمْتُ - أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمَأْمُونَ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَوْ شِرَائِهِ إِذَا بَاعَ
أَوِ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ
وَكَذَلِكَ فِعْلُ الْوَصِيِّ فِي مَالِ يَتِيمِهِ إِذَا فَعَلَ فِي الْبَيْعِ لَهُ أَوِ الشِّرَاءِ مَا لَا يَتَغَابَنُ
النَّاسُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ لِمَالِ غَيْرِهِ وَاسْتِهْلَاكٌ كَمَا لَوْ وَهَبَ مَالَ غَيْرِهِ أَوْ تَصَدَّقَ
بِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ هُوَ الثُّلُثُ
فَمَا فَوْقَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ قِيمَتِهَا وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يرد فيه البيع إذا لَمْ
يُقْصَدْ إِلَيْهِ وَيَمْضِي فِيهِ اجْتِهَادُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمَا
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ أَنَّهُ إِنْ غُبِنَ غَبْنًا بَيِّنًا فِيمَا بَاعَ أَوِ ابْتَاعَ فَهُوَ
بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَهُوَ مَالِكٌ لِنَفْسِهِ جَائِزُ الْأَمْرِ في ماله فقال بن القاسم في سماع عيسى
منه في كتاب الرهون ((من المستخرجة)) باب سماع بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ
وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السَّفَهِ جَارِيَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ بَاعَهَا
بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا جَازَ ذَلِكَ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي بَيْعِ الْمَالِكِ لِنَفَسِهِ الْجَائِزِ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ
مُسْتَسْئِلًا مُسْتَنْصِحًا لِلَّذِي عَامَلَهُ أَنَّهُ حَلَالٌ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا بِأَكْثَرَ ما يساوي أضعافا
إِذَا لَمْ يُدَلِّسْ لَهُ بِعَيْبٍ إِلَّا أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ أَوْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا مِنَ السِّلَعِ قَدْ جَهِلَهَا مُبْتَاعُهَا
أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ كَرَجُلٍ بَاعَ قَصْدِيرًا أَوِ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ فِضَّةٌ
أَوْ رُخَامًا أَوْ نَحْوَهُ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ رَدُّهُ وَلِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ إِذَا بَاعَ لُؤْلُؤًا عَلَى
أَنَّهُ عَظْمٌ أَوْ فِضَّةً عَلَى أَنَّهُ قَصْدِيرٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ
وَأَمَّا أَثْمَانُ السِّلَعِ فِي الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ وَارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ وَانْخِفَاضِهَا فَجَائِزٌ التَّغَابُنُ فِي
ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَالِكًا لِأَمْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539
قال الله تعالى (لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
النِّسَاءِ 29
وَكُلُّ بَيْعٍ كَانَ عَنْ تَرَاضٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَنْهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ وظاهر هَذِهِ الْآيَةِ وَظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ البيع
وحرم الربو) الْبَقَرَةِ 275
وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَقَوْلُهُ
((دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ))
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْفَرَسِ الَّذِي
جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ ((لَا يَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ))
وَقَالَ فِي الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ في الثالثة أو في الرَّابِعَةِ ((بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ)) - يَعْنِي -
حَبْلَ الشَّعْرِ
وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُقَاسَمَةَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَرْضَاةِ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَلَا
خِيَارَ فِي الْغَبْنِ لَهَا كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَكَذَلِكَ الْمُعَاوَضَةُ وَالْبَيْعُ وَأَمَّا الْغَبْنُ وَالْخِلَابَةُ فَحَرَامٌ
وَكَذَلِكَ خَدِيعَةُ الْمُسْتَسْئِلِ الْمُسْتَنْصِحِ حَرَامٌ وَهُوَ فِي معنى حديث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ
مُنْقِذٍ
وَقَوْلُهُ ((لَا خِلَابَةَ)) كَأَنْ يَقُولُ انْصَحْ لِي وَلَا تَخْدَعْنِي فَإِنْ فَعَلْتَ فَأَنَا بِالْخِيَارِ إِذَا بَانَ
ذَلِكَ لِي
وقد احتج بحديث بن عُمَرَ هَذَا مَنْ لَمْ يَرَ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُتْلِفِ لِمَالِهِ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنْ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ
وَكَانَ يُبَايِعُ وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ احْجُرْ
عَلَيْهِ فَدَعَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَا أَصْبِرُ
عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ ((إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ))