مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى وَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صالح قد ذكد ذَكَرْنَاهُ (...) |
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا
سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى وَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صالح قد ذكد ذَكَرْنَاهُ فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ حَسَنٌ جَدًا صَحِيحٌ ثَابِتٌ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((وَتَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِرُوحِ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا لَهُ هَلْ عَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَذْكُرُ أَنِّي عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ فَقِيلَ لَهُ اذْكُرْ فَقَالَ مَا أَذْكُرُ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا أُدَايِنُ النَّاسَ فَكُنْتُ آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عَنِ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ((تَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّجَاوُزِ)) قَالَ مَالِكٌ فِي الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البر أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ جِزَافًا إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا كُرِهَ الْجِزَافُ فِي الْمَعْدُودَاتِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنَ الْغَرَرِ الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ بَيِّنٌ إِذَا تَرَكَ عَدَّهُ وَقَدْ أَمْكَنَ تَأَوُّلُهُ وَتَقْلِيبُهُ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَ أَشَدَّ فَسَادًا وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْجِزَافُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ بَيِّنٌ وَقَدِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْبَيْضِ عَدًّا وَصَغِيرُ ذَلِكَ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الرُّمَّانُ وَالْبَيْضُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَصَفٌ فَإِنْ ضُبِطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ جَازَ فِيهِ السَّلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ ولا في الْبَيْضِ وَلَا فِي الرُّمَّانِ إِلَّا أَنْ يُضْبَطَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إِذَا سَمَّى جِنْسًا مِنَ الْحِيتَانِ وَيُشْتَرَطُ الطُّولُ أَوْ يَكُونُ وَزْنًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ وَزْنًا وَيَصِفُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْأَشْهُرُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 وَرَوَى أَصْحَابُ ((الْإِمْلَاءِ)) عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَلَا الْمَالِحِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ وَالصِّغَارِ الَّتِي تُكَالُ وَاخْتُلِفَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَدَدِ والجزاف صفقة واحدة فروى أصبغ عن بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَيْلَ وَلَا وَزْنَ وَلَا عَرَضَ وَلَا غَيْرَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ وَأَجَازَهُ لَنَا أشهب وذكر بن حبيب أن بن القاسم كان يجيز ذلك قال بن حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَعَ الْجِزَافِ عَدَدٌ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَعَ الْجِزَافِ شَيْءٌ مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ بَيْعَ كُلِّ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى مَبْلَغِهِ جِزَافًا كَانَ أَوْ عَدَدًا وَلَا يَضُرُّ الْجِزَافُ الْجَائِزُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَنْضَافَ إِلَيْهِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) يُوسُفَ 72 وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ جَوَازِ الْجُعْلِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْآبَاقِ وَالضَّوَالِّ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ إِنْ بِعْتَ لِي سِلْعَتِي هَذِهِ بِكَذَا فَلَكَ كَذَا أَوْ إِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَنَصَبَهُ وَتَعَبَهُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي سِلْعَةٍ كَنَصَبِهِ في طلب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ فَإِنْ وَجَدَهُ حَصَلَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهُ لَكَ مَنْ كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا وَلَا يَدْرِي كَمْ مَبْلَغُ الدَّنَانِيرِ مَنْ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةَ فَتِلْكَ أُجْرَةٌ مَجْهُولَةٌ وَجُعْلٌ مَجْهُولٌ وَمَنْ جَعَلَ الْإِجَارَةَ بَيْعًا مِنَ الْبُيُوعِ وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ لَمْ يُجِزْ فِيهَا الْبَدَلَ الْمَجْهُولَ كَمَا لَا يُجِيزُهُ الْجَمِيعُ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى جَوَازِ الْمَجْهُولَاتِ فِي الْإِجَارَاتِ مِنَ الْبَدَلِ فَأَجَازُوا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْتَقِي عليه الماء وينتقل ويعمل بنصف ما يهيىء اللَّهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ وَسَعْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَذَلِكَ الْحَمَامُ يُعْطِيهِ لِمَنْ يُنْظَرُ لَهُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ بِيَدَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ قياسا منه كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ يُجِيزُونَ إِجَارَتَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَكَذَلِكَ لَفْظُ الزَّيْتُونِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَجْمَعُ مِنْهُ فِي يَوْمِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَاعْتَلُّوا بِالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَبِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ إِجَارَةَ الْمُرْضِعِ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ لَبَنَ الظِّئْرِ وَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الصَّبِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الصِّبْيَانِ فِي الرِّضَاعِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ يَطُولُ وَفِيمَا جِئْنَا بِهِ مِنْهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ |