قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ قَالَ أَبُو (...) |
قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ
ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ مَالِكٌ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي كَرَاهَةِ مَا كَرِهَ مِنَ الْقِرَاضِ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَامِلِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اقْبِضْ مَالِي عَلَى زَيْدٍ مِنَ الدَّيْنِ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا وَهُوَ عِنْدُهُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ ازْدَادَ عَلَيْهِ فِيمَا كَلَّفَهُ مِنْ قَبْضِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِغَرِيمِهِ اعْمَلْ بِمَالِي عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ قِرَاضًا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَعُودُ أَمَانَةً حَتَّى يَقْبِضَ الدَّيْنَ ثُمَّ يَصْرِفَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَلَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ بِمَا عَلَيْهِ إِلَّا بِإِبْرَائِهِ أَوِ الْقَبْضِ مِنْهُ أَوِ الْهِبَةِ لَهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عَمَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِمَا عَلَيْهِ قِرَاضًا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَهُوَ لِلْعَامِلِ الْمِدْيَانِ لَهُ رِبْحُهُ وَخَسَارَتُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وهو قول ابي حنيفة ومالك وبن الْقَاسِمِ وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ دَيْنُهُ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَهُوَ لِلْآمِرِ رَبِّ الدَّيْنِ وَلِلْغَرِيمِ الْمُضَارِبِ أَجْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَدِينِ يَأْمُرُهُ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فِيهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِهِ إِذَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ إِنَّهُ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقْبِضَ الْآمِرُ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَى وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ إِذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا أَنْ يَكُونَ لَهُ قِرَاضًا إِذَا قَبَضَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَبْضَ الْمَالِ شَرْطًا فِي الْمُضَارَبَةِ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَإِذَا حَصَلَ بِيَدِهِ كان مضاربة واختلف قول بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الَّذِي لَهُ الْوَدِيعَةُ يَقُولُ لِلَّذِي هِيَ عِنْدَهُ اعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا فَكَرِهَهُ بن الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَكَرِهَهُ أَشْهَبُ وَأَجَازَهُ إِذَا وقع وقال بن الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كُلُّهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ أَلْزَمَهُ أَنْ يَجْبُرَ رَأْسَ الْمَالِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ قَوْلَهُ وَصَحَّ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَكُنْ رَأْسُ الْمَالِ إِلَّا الَّذِي بَقِيَ بَعْدَ الْبَاقِي وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ) فِي الرَّجُلِ الْعَامِلِ يَخْسَرُ فِي الْمَالِ ثُمَّ يَجْبُرُ رَبَّهُ فَيُصَدِّقُهُ وَيَقُولُ لَهُ خُذْ مَا بَقِيَ عِنْدَكَ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَأْنِفِ العمل فيعمل على ذلك ويربح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 قال بن الْقَاسِمِ لَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُفَاضِلَهُ وَيَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ وَيَنْقَطِعَ الْقِرَاضُ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا ثَانِيًا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَيَجْبُرُ الْخَسَارَةَ مِنَ الرِّبْحِ قَالَ وكذلك بلغني عن مالك وذكر بن حَبِيبٍ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ مَا ذَكَرَ وَمَا رَضِيَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَنَّ أَشْهَبَ كَانَ يَقُولُ الَّذِي أَسْقَطَ عَنْهُ سَاقِطٌ وَالْبَاقِي هُوَ رَأْسُ الْمَالِ قَالَ عِيسَى وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَسْأَلَةُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ (الْمُوَطَّأِ) أَوْلَى بِهَذَا الْجَوَابِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ الْمَالِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْقِرَاضُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي (الْمُوَطَّإِ) مَا ذَكَرْنَاهُ وَزَادَ فِي غَيْرِهِ وَلَا بِالْفُلُوسِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ كَقَوْلِ الليث والثوري والشافعي وابي حنيفة وقال بن أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ وَقَالَ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَعْطَاهُ دَارًا بَيْنَهُمَا وَيُؤَاجِرُهَا عَلَى أَنَّ أَجْرَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ وَالْأَجْرُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالْفُلُوسِ كَالنَّفَقَةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قال ابو عمر القراض بالمجهول يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُؤْخَذَ الرِّبْحُ إِلَّا بَعْدَ حُصُورِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَمَّا كَانَتِ الْعُرُوضُ تَخْتَلِفُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 قِيَامُهَا وَأَثْمَانُهَا عَادَ الْقِرَاضُ إِلَى جَهْلِ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى جَهْلِ الرِّبْحِ أَيْضًا فَفَسَدَ الْقِرَاضُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ أَنْ يَقُولَ بِعْ عَبْدَكَ الَّذِي لَكَ أَنْ تَبِيعَهُ بِهِ ثَمَنًا لِسَعْيِ هَذِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَجَائِزٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولَ اشْتَرِ لِي بِدَرَاهِمِكَ هَذِهِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ جَازَ الْقِرَاضُ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ بِالْعُرُوضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاضِ بِنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالنَّقْدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَقَارَضُوا قَبْلَ أَنْ يضرب الذهب والفضة قال بن الْقَاسِمِ سَمِعْتُ أَنَّ مَالِكًا يُسَهِّلُ فِي الْقِرَاضِ بِنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يُجَوِّزُ الْقِرَاضَ بِالْمَصُوغِ وقد روى عنه بن الْقَاسِمِ أَيْضًا كَرَاهِيَةَ الْقِرَاضِ بِنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُجِيزُهُ فِي (الْمُدَوَّنَةِ) (وَالْعُتْبِيَّةِ) وَزَادَ فِي (الْعُتْبِيَّةِ) فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْسَخْ وَبَعْدُ عَلَى شَرَطَ مِنَ الرِّبْحِ وَقَالَ اللَّيْثُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالنَّقْدِ وَلَا يَجُوزُ إِلَّا ثَمَنًا قَبْلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ وَرَوَى يحيى عن بن الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يُجِيزُ فِيهِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَلَدٍ لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِيهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِذَا تَفَاضَلَا رَدَّ مِثْلَ وَزْنِ ذَلِكَ فِي طَيِّبِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بقي واختلف بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْقِرَاضِ بِالْفُلُوسِ فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ ولم يجزه بن الْقَاسِمِ قَالَ لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ إِلَى الْفَسَادِ وَالْكَسَادِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِي (الْمُوَطَّإِ) قَالَ مَالِكُ وَمِنَ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ (وان تبتم فلكم رؤوس أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) الْبَقَرَةِ 279 قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ وَصَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ فَمَنْ قَادَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 وَلَمْ يَضْطَرِبْ فِيهِ فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَقِيهُ وَمَا التَّوْفِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ |