وَرَوَى مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (غزا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَحَدٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ غَزَا قَرْيَةً فَدَنَا مِنْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ (...) |
وَرَوَى مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم (غزا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَحَدٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ غَزَا قَرْيَةً فَدَنَا مِنْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَبَايَعَتْهُ قَالَ فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ فجاؤوا بِرَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ لَمَّا رَأَى مِنْ عَجْزِنَا وَضَعْفِنَا أَحَلَّهَا لَنَا رَوَاهُ عبد الرزاق وهشام بن يوسف وبن الْمُبَارَكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمِمَّا رُوِيَ أَنَّ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُحَرِّقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَتَاعِ فِرْعَوْنَ فَجَمَعُوهُ وَأَحْرَقُوهُ فَأَلْقَى السَّامِرِيُّ فِيهِ الْقَبْضَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ يُقَالُ مِنْ أَثَرِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَارَتْ عِجْلًا لَهُ خُوَارٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَجْرِ هَذَا الْمَجْرَى إِلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى احْتَجُّوا بِهَا لَيْسَ فِيهَا بَيَانٌ قَاطِعٌ أَحْسَنُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدَّيْهَا وَدِينَارَهَا) ومنعت ها هنا بِمَعْنَى سَتَمْنَعُ قَالُوا وَهُوَ مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى كُلِّ جَدِيبٍ مِنَ الْأَرَضِينَ الْمُفْتَتَحَةِ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي تَوْقِيفِ الْأَرَضِينَ جَمَاعَةُ الْكُوفِيِّينَ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ الْإِمَامَ مخير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 فِي الْأَرْضِ إِنْ شَاءَ قَسَمَهَا وَأَهْلَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ كَمَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ وَتَكُونُ مِلْكًا لَهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُونَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَا يَرَى الْإِمَامَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ عِنْدَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكَةُ عِنْدَهُ أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا أَهْلَهَا وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي (التَّمْهِيدِ) وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُ الْأَرْضَ فِي كُلِّ مَا افْتَتَحَ عَنْوَةً كَمَا يَقْسِمُ سَائِرَ الْغَنَائِمِ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَالْفَتْحَ مِنْ مُقَاتِلٍ وَمُكْتَرٍ بَالِغٍ حُرٍّ وَإِنَّمَا الْخُمُسُ عِنْدَهُ الْمَقْسُومُ عَلَى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعَانِيَ الْخُمُسِ وَاخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ها هنا طَرَفًا مِنْ أَحْكَامِ الْأَرَضِينَ الْمُفْتَتَحَاتِ عَنْوَةً لِمَا جَرَى مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الْآيَةَ الْأَنْفَالِ 41 يَعْنِي وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ فملكهم كل ما غنموا من ارض وغيرها مَعَ مَا رُوِيَ فِي خَيْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَهُمُ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ (أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ يُحِبُّ أَلَّا يَكُونَ فِيهَا دِينَانِ كَنَحْوِ مَحَبَّتِهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ حَتَّى نَزَلَتْ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبلة ترضها) الْآيَةَ الْبَقَرَةِ 144 وَكَانَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِوَحْيٍ وَكَانَ يَرْجُو أَنْ يُحَقِّقَ اللَّهُ رَغْبَتَهُ فِي إِبْعَادِ الْيَهُودِ عَنْ جِوَارِهِ فَذَكَرَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ مَا ذَكَرَ مُنْتَظِرًا لِلْقَضَاءِ فِيهِمْ فَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ) وَأَوْصَى بِذَلِكَ وَالشَّوَاهِدُ بِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ جَدًا مِنْهَا مَا ذكره معمر عن بن شهاب عن بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 الْمُسَيَّبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ إِلَى الْيَهُودِ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا وَلَهُمْ شَطْرُهَا قَالَ فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ أَخْبَرَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ (لَا يَجْتَمِعْ دِينَانِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ أَوْ قَالَ (بِأَرْضِ الْعَرَبِ) فَفَحَصَ عَنْهُ حَتَّى وَجَدَ الثَّبْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ بِهِ وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ) وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنَ الْآثَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي (التَّمْهِيدِ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ (أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ إِلَى مَجْهُولٍ أَوْ إِلَى غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصٌ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ فِي ذَلِكَ الْقَضَاءَ مِنْ رَبِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَدْ أَحْكَمَتِ الشَّرِيعَةُ مَعَانِي الْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا الْمُجِيزُونَ لِلْمُسَاقَاةِ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِلَى سِنِينَ مَعْلُومَةٍ أَوْ أَعْوَامٍ مَعْدُودَةٍ إِلَّا أَنَّهُمْ يُكْرَهُونَهَا فِيمَا طَالَ مِنَ السِّنِينَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ (أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) وَكَانَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - كَانَ قَدْ أَفَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ خَيْبَرَ بِمَنْ فِيهَا فكانوا له عبيدا كما قال بن شِهَابٍ أَفَاءَهَا اللَّهُ وَأَهْلَهَا عَلَيْهِمْ فَأَقَرَّهُمْ فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْمَلُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ جَائِزٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّينَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَالِ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ مِنْ يَرَاهُ يَمْلِكُ وَمَنْ يَقُولُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمُتَسَاقِيَيْنِ شَرِيكَانِ فَلَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَبِمَا لَمْ يَدْخُلْهُ الْمُزَابَنَةُ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ مَنْ يَخْرُصُ الثِّمَارَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ طِيبِهَا لِإِحْصَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسُوا شُرَكَاءَ مُتَعَيَنِينَ وَالشُّرَكَاءُ الْيَهُودُ وَلَوْ تُرِكُوا وَأَكْلَ الثَّمَرِ رُطَبًا وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْعَطِيَّةِ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ وَبِسَهْمِ الْمَسَاكِينِ فَخُرِصَتْ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ وَأَهْلُ الْأَمْوَالِ أُمَنَاءُ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي رُؤُوسِ الشَّجَرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَنَذْكُرُ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمْ إِعْطَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ أَوْ جُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ مِنَ الْمُزَارَعَةِ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مَا كَانَ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ إِذَا كَانَ تَبَعًا لِثَمَنِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَيْنَ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَالنَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ وَيَكُونُ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ لِلْعَامِلِ أَوْ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَلَا الْمُسَاقَاةُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَأَنَّ الْمُزَارَعَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ ببعض ما تخرج ونحو هذا وقال بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَى يَهُودُ خَيْبَرَ عَلَى شَرْطِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَالثَّمَرَةِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ فِي بَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ فَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ أَصْلٍ ثَابِتٍ يَبْقَى نَحْوُ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَالتِّينِ وَالْفِرْسِكِ وَالْعِنَبِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالزَّيْتُونِ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ مَا يُجْنَى ثُمَّ يَخْلُفُ نَحْوُ الْقَصَبِ وَالْمَوْزِ وَالْبُقُولِ لِأَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَا يُجْنَى بَعْدَهُ قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ إِذَا اسْتَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ بَعْدَ عَجْزِ صَاحِبِهِ عَنْ سَقْيِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ إِذَا عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْمَوْزِ وَالْقَصَبِ بِحَالٍ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ عَنْ مالك بن القاسم وبن وهب وبن عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ الا في النخل والكرم لان ثمرهما بَائِنٌ مِنْ شَجَرِهِ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ إِحَاطَةَ النَّظَرِ بِهِ قَالَ وَثَمَرُ غَيْرِهِمَا مُتَفَرِّقٌ بَيْنَ أَضْعَافِ وَرَقِ شَجَرِهِ لَا يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ قَالَ وَإِذَا سَاقَى عَلَى نَخْلٍ فِيهَا بَيَاضٌ فَإِنْ كَانَ لَا يُوصَلُ إِلَى عَمَلِ الْبَيَاضِ إِلَّا بِالدُّخُولِ عَلَى النَّخْلِ وَكَانَ لَا يُوصَلُ إِلَى سَقْيِهِ إِلَّا بِشَرْكِ النَّخْلِ فِي الْمَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُثْمِرٍ جَازَ أَنْ يُسَاقَى عَلَيْهِ فِي النَّخْلِ لَا مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ قَالَ وَلَوْلَا الْخَبَرُ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قَالَ وَلَيْسَ لِلْعَمِلِ فِي النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ كَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا اعْتَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأُصُولِ فَإِنَّ ثَمَرَتَهَا ظَاهِرَةٌ لَا حَائِلَ دُونَهُمَا يَمْنَعُ مِنْهَا لِإِحَاطَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْكُمِّثْرَى وَالتِّينَ وَحَبَّ الْمُلُوكِ وَعُيُونَ الْبَقَرِ وَالرُّمَّانَ وَالْأُتْرُجَّ وَالسَّفَرْجَلَ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ كَمَا يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إِلَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالْعِلَّةُ لَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْخَرْصُ وَالْخَرْصُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَأَخْرَجَتْهُ عَنِ الْمُزَابَنَةِ كَمَا أَخْرَجَتِ الْعَرَايَا مِنْهُمَا وَذَلِكَ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ خَاصَّةً بِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ فِي ذلك حدثناه خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ النَّفَرِ بِالْبَصْرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ وَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ فَوَصَلَهُ فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَ بِمُتَّصِلٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ مَاتَ بِمَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَرَدَ النَّعْيُ بِمَوْتِهِ بِمَكَّةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِنَّمَا وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا لِخِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَجَازَ الْمُسَاقَاةَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا لِلزَّكَاةِ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي (الْإِمْلَاءِ) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ الْخَرْصَ لِلزَّكَاةِ خَاصَّةً فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ وَكَرِهَ الثَّوْرِيُّ الْخَرْصَ وَلَمْ يُجِزْهُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَقَالَ الْخَرْصُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ قَالَ وَأَمَّا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ مَا يَصِيرُ فِي يَدِهِ لِلْمَسَاكِينِ إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْخَرْصُ الْيَوْمَ بِدْعَةٌ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَرْصُ لِلزَّكَاةِ جَائِزَةٌ فِي النَّخْلِ خَاصَّةً دُونَ الْعِنَبِ وَدُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الثِّمَارِ وَدَفَعَ حَدِيثَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُرْسَلٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُونَ الْقِسْمَةَ فِي الثِّمَارِ إِلَّا كَيْلَا بَعْدَ تَنَاهِيهَا وَيَبْسِهَا وَقَدْ أَجَازَهَا مِنْهُمْ قوم واختلف فيها اصحابنا فذكر بن حبيب ان بن الْقَاسِمِ كَانَ يَقُولُ بِهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ فِي رُؤُوسِ النخل والاشجار اذا اختلف حَاجَةُ الشَّرِيكَيْنِ إِلَّا التَّمْرَ وَالْعِنَبَ فَقَطْ وَأَمَّا الْخَوْخُ وَالرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَمَا أَشْبَهَ ذلك من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 الْفَوَاكِهِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ يَدًا بِيَدٍ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يُجِزْ قِسْمَتَهَا عَلَى التَّحَرِّي وَكَانَ يَقُولُ الْمُخَاطَرَةُ تَدْخُلُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فَضْلُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وبن الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِاقْتِسَامِهِ عَلَى التَّحَرِّي وَالتَّعْدِيلِ أَوْ عَلَى التَّجَاوُزِ وَالرِّضَا بِالتَّفَاضُلِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّفَاضُلُ جَازَ فِيهِ التَّحَرِّي وَذَكَرَ سحنون عن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ قِسْمَةِ الْفَوَاكِهِ بِالْخَرْصِ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ فِي ذَلِكَ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ قِسْمَةِ الْفَوَاكِهِ بِالْخَرْصِ فَأَرْخَصَ فِيهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِيهِ |