قَالَ أَبُو عُمَرَ أَرَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَلَامِهِ هَذَا بَيَانَ الْفِرَقِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ
وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّهَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا كَالْقِرَاضِ
لَا يُقَاسُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ من الاجارات

ان الإجارات (...)
 
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَرَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَلَامِهِ هَذَا بَيَانَ الْفِرَقِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ
وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّهَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا كَالْقِرَاضِ
لَا يُقَاسُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ من الاجارات
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48
ان الإجارات عِنْدَهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ
جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أَنْ يَجْعَلَ الْإِجَارَةَ مِنْ بَابِ الْبُيُوعِ
وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَمْ تُخْلَقْ
وَقَدْ نَهَى رسول الله عن بيع ما لم يخلق لانها لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَيْسَتِ الْبُيُوعُ إِلَّا فِي
الْأَعْيَانِ وقالوا الاجازة بَابٌ مُنْفَرِدٌ بِسُنَّتِهِ كَالْمُسَاقَاةِ وَكَالْقِرَاضِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (شَدُّ الْحِظَارِ) فَرُوِيَ بِالشِّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْ
مَالِكٍ فِي الرِّوَايَةِ وَيُرْوَى عَنْهُ بِالسِّينِ عَلَى مَعْنَى سَدِّ الثُّلْمَةِ وَأَمَّا بِالشِّينِ مَعْنَاهُ
تَحْصِينُ الزُّرُوبِ الَّتِي حَوْلَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى
وَأَمَّا (خَمُّ الْعَيْنِ) فَتَنْقِيَتُهَا وَالْمَخْمُومُ النَّقِيُّ وَمِنْهُ يُقَالُ رَجُلٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ إِذَا كَانَ نَقِيَّ
الْقَلْبِ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ
وَأَمَّا (سَرْوُ الشَّرَبِ) فَالسَّرْوُ الكنس للحوض وللشرب جَمْعُ شَرْبَةٍ وَهِيَ الْحِيَاضُ الَّتِي
حَوْلَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَجَمْعُهَا شُرُبٌ وَهِيَ حِيَاضٌ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا الْمَاءُ حَوْلَ الشَّجَرِ
وَيُقَالُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا شَرَبَاتٌ كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ
(يَخْرُجْنَ مِنْ شَرَبَاتٍ مَاؤُهَا طَحِلٌ)
وَإِبَارُ النَّخْلِ تَذْكِيرُهَا بِطَلْعِ الْفَحْلِ
وقطع الْجَرِيدِ) قَطْعُ جَرَائِدِ النَّخْلِ إِذَا كُسِرَتْ وَقَدْ يُصْنَعُ مِثْلُ ذَلِكَ بِالشَّجَرِ وَهُوَ
ضَرْبٌ مِنْ قَطْعِ قُضْبَانِ الْكَرْمِ
وَ (جَذُّ الثَّمَرِ) جَمْعُهُ وَهُوَ مِثْلُ حَصَادِ الزَّرْعِ وَقَطْعِ الْعِنَبِ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الَّذِي عَلَيْهِ جِذَاذُ الثَّمَرِ مِنْهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ مَا وَصَفْنَا عَلَيْهِ جَمَاعَةَ
أَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إِنِ اشْتَرَطَ الْمُسَاقِي عَلَى رَبِّ الْمَالِ جِذَاذَ الثَّمَرِ وَعَصْرَ
الزَّيْتُونَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَنِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا جَازَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ وَالتَّلْقِيحُ وَالْخَبْطُ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا على
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49
الْعَامِلِ فَإِذَا بَلَغَ الْجَذَاذَ كَانَ عَلَيْهِمَا بِنِصْفَيْنِ إِنْ كَانَ الشَّرْطُ نِصْفَيْنِ
قَالَ وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ اشْتَرَطَ فِي أَصْلِ الْمُسَاقَاةِ الْجِذَاذَ وَالْخَبْطَ حَتَّى يَصِيرَ
ثَمَرًا عَلَى الْعَامِلِ فَإِذَا بَلَغَ الْجِذَاذُ وَالْخَبْطُ بَعْدَ مَا بَلَغَ عَلَى الْعَامِلِ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ
فَاسِدَةً
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنِ اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر أَوْ قَطْفَ الْعِنَبِ لَمْ
يَجُزْ فَكَانَتِ الْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةً وَإِنَّمَا (شَدُّ الْحِظَارِ) عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْعَامِلِ كَمَا عَلَيْهِ كَمَا
وَصَفْنَا مِنْ إِبَارِ النَّخْلِ وَقَطْعِ الْجَرِيدَةِ وَنَوَى النَّطِيحِ وَالْخَبْطِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا كَانَ دَاعِيَتُهُ إِلَى الِاسْتِزَادَةِ فِي الْعُدَّةِ مِنْ إِصْلَاحِ الْمَاءِ بِطَرِيقِهِ
وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ بِالنَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَشَرْطُهُ عَلَى الْعَامِلِ وَأَمَّا (شَدُّ الْحِظَارِ) فَلَيْسَ
عَنْهُ مُشْتَرَى فِي الثَّمَنِ وَلَا صَلَاحَ لَهَا وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَنْقِيَةِ الْمِسْقَاةِ وَالْأَنْهَارِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنِ
اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلٌ فِي الْحَائِطِ
يُصْلِحُهُ وَيَنْعَقِدُ وَعَلَى ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَاقِي نَصِيبَهُ مِنْ عَدَمِهِ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَجُوزُ
اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ مِمَّا لَا يَعُودُ مِنْهُ فَائِدَةٌ عَلَى الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ
رَبُّ الْحَائِطِ دُونَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ - يَصِيرُ زِيَادَةً اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهَا الْمَجْهُولُ مِنَ الثَّمَنِ
قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ
أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لرب
المال نصف التمر مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ
قَالَ مَالِكٌ وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ
سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ كُلِّهِ عَلَى
اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَمَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَذَاهِبِ
وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50
وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ فَتَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا شَرَطَ وَذَكَرَ فِي (مُوَطَّئِهِ) وَلَا
تَجُوزُ عِنْدَهُ إِذَا لَمْ يَعْجَزْ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُسَاقَى الزَّرْعُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقِلَّ قَالَ فَأَمَّا الْقَصَبُ فَيَجُوزُ فِيهِ
الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّ الْقَصَبَ أَصْلٌ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ جَائِزٌ أَنْ يُسَاقِيَ الزَّرْعَ قبل ان يستحقه
وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ دَاوُدَ إِلَّا فِي النَّخْلِ خَاصَّةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الْعَامِلِ زَرْعًا يَكُونُ بين النخل
فروى بن وهب عن مالك ان ذلك جائزن وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيَاضِ يَشْتَرِطُهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ
ذَكَرَهُ بن عَبْدُوسٍ قَالَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ إِلَّا هَاءَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ
الْبَذْرَ فَكَيْفَ يَسْتَثْنِي الزَّرْعَ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُسَاقَاةِ الموز
وقد ذكر بن المواز عن بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُمَا قَالَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ
قال وقد كان بن الْقَاسِمِ أَجَازَهُ فِي مَجْلِسِ أَبِي زَيْدٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْقَصَبِ وَهُوَ تَحْصِيلُ
مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الزَّرْعِ وَالْمُقْتَاتِ وَنَحْوِهَا
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُسَاقَاةِ الْبَصَلِ فَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَمُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ
وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّلْقِيحِ وَالزَّبْرِ وَالْحَضْرِ وَالْحِفْظِ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ
وَقَالَ اللَّيْثُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْبَصَلِ وَلَا يُجَازُ إِلَّا فِيمَا يُسْقَى
قَالَ مَالِكٌ لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ
فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ
وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنَ الثِّمَارِ إِجَارَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ
بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ بِمَنْزِلِ الدنانير والدراهم يعطيه
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51
اياها وليس ذلك بالمساقاة إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ
وَيَحِلَّ بَيْعُهُ
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ ان يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك السماقاة
بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ كَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَفْهُومٌ جِدًّا وَكُلُّ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ لَمْ يُجِزْهَا
إِلَّا فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ وَفِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنَ الثِّمَارِ وَيَعْمَلُ الْعَامِلُ فِي الشَّجَرِ مِنَ
الْحَفْرِ وَالزَّبْرِ وَسَائِرِ الْعَمَلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَتَصْلُحُ ثَمَرَتُهَا بِهِ عَلَى حَدِّ مَا يُخْرِجُهُ اللَّهُ
فِيهَا مِنَ الثَّمَرِ كَالْقِرَاضِ يَعْمَلُ الْعَامِلُ فِي الْمَالِ حَدَّ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الرِّبْحِ
وَهَذَانَ أَصْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلْبُيُوعِ وَلِلْإِجَارَاتِ وَكُلٌّ عِنْدِنَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
وَالْعَمَلُ به
وذكر بن عَبْدُوسٍ أَيْضًا عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنْ يَبْدُوَ
صَلَاحُهَا لِأَنَّهَا إِجَارَةُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَالْعَامِلُ فِي ذَلِكَ أَجِيرٌ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِذَا كَانَ هَذَا فَلَيْسَتْ مُسَاقَاةً وَإِنَّمَا الَّذِي يُعْطِيهِ فِي عَمَلِهِ مِنَ الثَّمَرِ الَّذِي
حَلَّ بَيْعُهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فَمَرَّةً قَالَ مِثْلَ مَالِكٍ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ وَإِنْ بَدَا
صَلَاحُهُ وَمَرَّةً قَالَ لَا تَجُوزُ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا
بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى انه يخبر أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِكُلِّ ثَمَنٍ
مَعْلُومٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ
بِكُلِّ مَا تُكْرَى بِهِ الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ مِنَ الْعَيْنِ الْمَعْلُومِ وَزْنُهَا وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا الْجَائِزُ
بَيْعُهَا فِي مِلْكِهَا عَلَى سُنَّتِهَا طَعَامًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَعَامٍ أَنْ تَكُونَ بِجُزْءِ مَا تُخْرِجُهُ
يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ أُخْرَى وَرُبَّمَا لَمْ يُخْرِجُ شَيْئًا فَلَا هَذَا عِنْدَهُ الْمُزَارَعَةُ الَّتِي نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عنها
وقال بن نَافِعٍ جَائِزٌ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالْآدَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَدَا
الْحِنْطَةَ وَأَخَوَاتِهَا يَعْنِي الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ فَإِنَّهَا مُحَاقَلَةٌ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52
وقال بن كِنَانَةَ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ إِذَا أُعِيدَ فِيهَا نَبَتَ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُكْرَى بِمَا
سِوَى ذَلِكَ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ
ذكر ذلك عنه بن حبيب وقال واما مالك واصحابه بن القاسم واشهب وبن حبيب
ومطرف وعبد الله وبن عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ يَخْرُجُ
مِنْهَا أَكْلًا وَلَمْ يُؤْكَلْ فَلَا شَيْءَ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ خَرَجَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا
وَفِي (الْمُدَوَّنَةِ) لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُكْرَى بِشَيْءٍ مِنَ
الطَّعَامِ كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَانَ مَا تُزْرَعُ فِيهَا أَوْ لَا تُزْرَعُ وَلَا
مِنَ الْآدَامِ كُلِّهِ قَالَ الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ واللبن وسائر الادام والطعام كله
وذكر بن سَحْنُونٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِطَعَامٍ لَا
يَخْرُجُ مِنْهَا
وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ
قَالَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ
مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ
الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا
يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ
ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا
إِجَارَةً لَكَ فَهَذَا لَا يَحُلُّ وَلَا يَنْبَغِي
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ
لَا يَزُولُ إِلَى غَيْرِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا
يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ
بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ إِعْطَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَسَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ
عَلَى نِصْفِ مَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53
فَرَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ
وَرَوَى يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكْرِيهَا
بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبُعٍ
وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (مَنْ كَانَتْ
لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا وَلَا يُؤَاجِرْهَا)
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَرَافِعٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَاهُمْ عَلَى نِصْفِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضَ وَالثَّمَرَةُ عَلَى حَسَبِ
مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى ثُمَّ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ
وَقِيلَ إِنَّمَا فَعَلَهُ بِخَيْبَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي كَرَاهِيَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَلَكِنَّا كَرَّرْنَاهُ كَمَا كَرَّرَهُ مَالِكٌ
وَاخْتُلِفَ عَنِ اللَّيْثِيِّ فِي الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا وَرُوِيَ
عَنْهُ إِجَازَتُهَا
وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ
مِنْهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَامِنًا عَلَى الْمُشْتَرِي دَفَعَ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ فَأَمَّا أَنْ يُلْزِمَهَا بِبَعْضِ مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا وَيَزْرَعَ فِيهَا نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ رُبُعًا فَذَلِكَ حَلَالٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يَقُولُ اللَّيْثُ هَذَا فِي إِجَازَتِهِ الْمُزَارَعَةَ بِجُزْءِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ ما
يزرع فيها
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54
قال بن أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُونُسَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَالثَّمَرَةُ
قَالَ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَحَادِيثُ رَافِعٍ مُضْطَرِبَةُ الْأَلْفَاظِ
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ عَلَى مَالِكٍ فِي إِجَازَتِهِ الْمُزَارَعَةَ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّجَرِ إِذَا كَانَتِ الثُّلُثَ
فَأَقَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجُزْ مُنْفَرِدًا مَا جَازَ بَيْنَ النَّخْلِ وَإِذْ لَمْ يَجُزْ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ بَيْنَ
النَّخْلِ
قَالُوا وَتَوْقِيتُ الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيتٍ
قَالُوا وَلَيْسَ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ مَا يُبِيحُ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لِلضَّرُورَةِ لِمَنِ ادَّعَى فِي ذَلِكَ
ضَرُورَةً
فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ
مَعْلُومٍ
فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ