مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ (1) بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ (...) |
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ (1) بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا عَلَى هِشَامٍ وَقَدْ رَوَاهُ (عَنْ) هِشَامٍ الثوري وبن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ أَيْضًا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا - أَمِّ سَلَمَةَ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ (مِنْ حَدِيثِ) أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي (التَّمْهِيدِ) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ وَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَعْرِفُونَ بِهَذَا فَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ دَعْوَى ذَلِكَ وَهَلْ يَحْصُلُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَ مُدَّعِيهِ إِلَّا التَّخَرُّصُ وَالتَّظَنُّنُ بِالنَّجَامَةِ أَوْ بِالتَّكَهُّنِ الَّذِي هُوَ (كُلُّهُ) إِلَّا يَسِيرٌ مِنْهُ ظَنٌّ كَذِبٌ لِأَنَّ الظَّنَّ اكذب الحديث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 وَأَمَّا عِلْمٌ صَحِيحٌ مُتَيَقِّنٌ مُتَبَيَّنٌ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ) يَعْنِي أَفْطَنَ لَهَا وَأَجْدَلَ بِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ اللَّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْفِطْنَةُ وَاللَّحْنُ بِجَزْمِ الْحَاءِ الْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إِنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْخَصْمِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ إِنْكَارٍ أَوْ بَيِّنَاتٍ عَلَى حَسَبِ مَا أَمْكَنَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِكُلِّ مَا يُقِرُّ بِهِ عِنْدَهُ (الْمُقِرُّ) لِمَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقْضِيَ (لَهُ بِمَعْنَى أَقْضِي) عَلَيْهِ بِمَا أَسْمَعُ مِنْهُ يُرِيدُ أَوْ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ مِمَّا يَحْتَاجُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ بِمَا قَدِ اسْتَوْعَبَ سَمَاعَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَحَدَ الْمُقِرُّ إِقْرَارَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَهُ ذَلِكَ (شَهِيدَانِ وَجَبَ عَلَى (الْقَاضِي) الْحَاكِمِ (الْقَضَاءُ) بِمَا سَمِعَ حَضَرَهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَحْضُرَهُ شَاهِدَانِ وَأَجَازَ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ ما شهد به الشهود على ما شهدوا به ان ينفد عِلْمُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ شَهَادَتِهِمْ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ عِنْدَهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا رَدٌّ وَإِبْطَالٌ (لِلْحُكْمِ بِالْهَوَى وَبِالظُّنُونِ أَيْضًا) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سبيل الله) الاية ص 26 وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي رَدِّ حُكْمِ الْقَاضِي (بِعِلْمِهِ) لِقَوْلِهِ (فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى نَحْوِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ أَوْ مِنْ قِصَّتِهِ قَالَ وَإِنَّمَا تُعُبِّدْنَا بِالْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَهُوَ الْمَسْمُوعُ الَّذِي قَالَ فِيهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (إِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ) وَذَلِكَ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْمُقِرِّ فِي مجلس الحكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص 2 إِنَّ فَصْلَ الْخِطَابِ الْبَيِّنَاتُ أَوْ إِقْرَارُ مَنْ يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ وَالْعِلَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ دُونَ الْعِلْمِ التُّهْمَةُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا قَضَى بِعِلْمِهِ كَانَ مُدَّعِيًا عِلْمَ مَا لَمْ يُعْلَمْ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَتَلَ أَخَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْقَوَدُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَاتِلٌ عَمْدًا (وَالْقَاتِلُ عَمْدًا) لَا يَرْثُ (مِنْهُ) شَيْئًا لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ فِي وِرَاثَتِهِ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ حَدِيثُ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ شِجَاجٌ فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَأَعْطَاهُمُ الْأَرْشَ ثُمَّ قَالَ (إِنِّي خَاطِبٌ النَّاسَ وَمُخْبِرُهُمْ أَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا لَا فَهَمَّ بِهِمُ الْمُهَاجِرُونَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ صَعِدَ (الْمِنْبَرَ) فَخَطَبَ ثُمَّ قَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ وَهَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ (مِنْهُمْ) بِمَا عَلِمَ مِنْهُمْ وَلَا قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ عَلِمَ رِضَاهُمْ وَهَذَا مُعْظَمُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ وَأَمَّا مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ (وَسَنَذْكُرُهُمْ بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) فَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُ مُسْتَيْقِنٌ قَاطِعٌ لِصِحَّةِ مَا يَقْضِي بِهِ إِذَا عَلِمَهُ عِلْمَ يَقِينٍ وَلَيْسَتِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَاذِبَةً وَوَاهِمَةً وَعِلْمُهُ بِالشَّيْءِ أَوْكَدُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ فِي عِلْمِهِ الشَّكُّ وَالِارْتِيَابُ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ وَيُسْقِطَ الْعُدُولَ بِعِلْمِهِ فَكَذَلِكَ مَا عَلِمَ صِحَّتَهُ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عَلَى غَيْرِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَنَّهُ يُنْفِذُ عِلْمَهُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَيَرُدُّهَا بِعِلْمِهِ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وان نقوم بالحق حيث ما كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ) وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) النِّسَاءِ 135 وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) وَلَمْ يُكَلِّفْهَا بَيِّنَةً لِأَنَّهُ عَلِمَ صِدْقَ قَوْلِهَا مِنْ قِبَلِ زَوْجِهَا وَحَالِهِ الَّتِي عَرَفَ مِنْهُ وَقَالُوا إِنَّمَا يَقْضِي (بِمَا يَسْمَعُ) فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ عِلْمُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَلَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مُنَازَعَاتٌ أَكْثَرُهَا تَشْغِيبٌ وَالسَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ مُخْتَلِفُونَ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِيمَا قَضَى بِهِ عِلْمُهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ (غَيْرِ وَاحِدٍ) عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ جَمِيعًا بِمَعْنَى وَاحِدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اسْتَعْدَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّهُ ظَلَمَهُ حَدًّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ وَرُبَّمَا لَعِبْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِيهِ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ فَإِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ فَأْتِنِي بِأَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَاهُ الْمَخْزُومِيُّ بِأَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا أَبَا سُفْيَانَ (انْهَضْ بِنَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا فَنَهَضُوا وَنَظَرَ عُمَرُ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ!) خُذْ هذا الحجر من هنا فضعه ها هنا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ (فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَقَالَ) وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَعَلَاهُ عَمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ خُذْهُ - لَا أُمَّ لَكَ - وضعه ها هنا فَإِنَّكَ قَدِيمُ الظُّلْمِ فَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ الْحَجَرَ وَوَضَعَهُ حَيْثُ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 عُمَرُ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ إِذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى غلبت علي أَبَا سُفْيَانَ عَلَى رَأْيِهِ فَأَذْلَلْتَهُ لِي بِالْإِسْلَامِ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى جَعَلْتَ فِي قَلْبِي مِنَ الْإِسْلَامِ مَا ذَلَلْتُ بِهِ لِعُمَرَ فَفِي هَذَا الْخَبَرِ قَضَاءُ عُمَرَ بِعِلْمِهِ فِيمَا قَدْ عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ عَلِمَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مِصْرِهِ كَانَ أَوْ غَيْرِ مِصْرِهِ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ بِعِلْمِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ رَآهُ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ وَمَا عَلِمَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتُقْضِيَ أَوْ رَآهُ بِمِصْرِهِ قَضَى فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ قاض لا يحتاج ان يضم إِلَيْهِ فِيمَا يَقْضِي بِهِ غَيْرُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ مَأْخُوذٌ مِنَ اجْتِمَاعِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ قَاضٍ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ لَا فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَلَا فِيمَا (عَلِمَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا فِيمَا رَآهُ بِمِصْرِهِ وَلَا بِغَيْرِ مِصْرِهِ وَقَالَ (الشَّافِعِيُّ) وَأَبُو ثَوْرٍ حُقُوقُ النَّاسِ وَحُقُوقُ اللَّهِ سَوَاءٌ (فِي ذَلِكَ) وَالْحُدُودُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ (سَوَاءٌ) جَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِعِلْمِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِمَا عَلِمَهُ لَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي إِلَّا بِالْبَيِّنَاتِ أَوِ الْإِقْرَارِ وبه قال احمد (بن حنبل) و (هو قَوْلُ) شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا إِيجَابُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ دُونَ إِعْمَالِ الظَّنِّ وَالِاسْتِحْسَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِظَاهِرِ أَمْرِهِمَا وَمَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَفَاهُ صَاحِبُهُ وَأَحْلَفَهُمَا بِأَيْمَانِ اللِّعَانِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى (غَيْرِ) ذَلِكَ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّبَهَ قَدْ يُنْتَزَعُ (عَنْهُ) وَقَدْ لَا يُنْتَزَعُ بَلْ أَمْضَى حُكْمَ اللَّهِ فِيمَا بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مِنْهَا وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الظَّنِّ وَلَا أَوْجَبَ بِالشُّبْهَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 حُكْمًا وَلَا رَدَّ بِهِ قَضَاءً سَلَفَ مِنْهُ مُجْتَهِدًا فِيهِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ (الظَّاهِرُ) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) فَفِيهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ الَّذِي يَعْتَدُّ (بِهِ) لَا يُحِلُّ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ (عَلَى) أَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ صَحِيحٌ كَمَا وَصَفْنَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الْبَقَرَةِ 188 وَاخْتَلَفُوا فِي حَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ أَوْ عَقْدِهَا بِظَاهِرِ مَا يَقْضِي بِهِ الْحَكَمُ (وَهُوَ خِلَافُ الْبَاطِنِ) فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْأَمْوَالُ وَالْفُرُوجُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَهِيَ حُقُوقٌ كُلُّهَا لَا يَحِلُّ مِنْهَا الْقَضَاءُ الظَّاهِرُ مَا هُوَ حَرَامٌ فِي الْبَاطِنِ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) وَلَمْ يَخُصَّ حَقًّا مِنْ حَقٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَقَالُوا فِي رَجُلَيْنِ تَعَمَّدَا الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا بِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ وَهُمَا قَدْ تَعَمَّدَا الْكَذِبَ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ ثُمَّ اعْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ إِنَّهُ جَائِزٌ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ شَهَادَتِهِ كَاذِبًا (وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ) لِأَنَّهَا لَمَّا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ فِي الظَّاهِرِ كَانَ الشَّاهِدُ وَغَيْرُهُ سَوَاءً لان قضاء الْقَاضِيَ (وَحُكْمَهُ) فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَانْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا مِنْهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا حَلَّتْ لِزَوْجٍ غَيْرِهِ (وَاحْتَجُّوا بِحُكْمِ اللِّعَانِ) وَقَالُوا مَعْلُومٌ أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنَّمَا وَصَلَتْ إِلَى فِرَاقِ زَوْجِهَا بِاللِّعَانِ الْكَاذِبِ الَّذِي لَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ كَذِبَهَا فِيهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا (الْجَلْدِ) أَوِ الرَّجْمِ قَالُوا فَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي مَعْنَى (قَوْلِ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ) قَالُوا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ أَوِ بِالطَّلَاقِ وَقَضَى الْقَاضِي (عَلَيْهِ) بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَجَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ التسليم له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 وَكَانَتْ فُرْقَتُهُ بِالظَّاهِرِ فُرْقَةً عَامَّةً فَلَمَّا كَانَ ذلك كذلك دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ وَغَيْرُهُ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ يَطُولُ (ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ) أَكْثَرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (وَجُمْهُورُ) فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ بِالزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ إِذَا عَلِمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ |