مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطْفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يقول
اختصم زيد بن ثابت الانصاري وبن مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَقَالَ (...)
 
مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطْفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يقول
اختصم زيد بن ثابت الانصاري وبن مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي قَالَ فَقَالَ مَرْوَانُ لَا وَاللَّهِ إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ
قَالَ فَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ فَجَعَلَ
مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ
دَرَاهِمَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ جُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْ
كُلِّ جَامِعٍ وَلَا فِي الْجَامِعِ حيث كان الا في ربع دينار - ثلاثة دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ
فِي عَرَضٍ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ حَلَفَ فِيهِ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَوْ
حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْمَوَاضِعِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهَا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128
قَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ فِي الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَفِيمَا لَهُ بَالٌ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَى رُبُعِ
دِينَارٍ فَصَاعِدًا فِي جَامِعِ بَلَدِهِ فِي أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ
هَذِهِ رواية بن القاسم
وروى بن الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
قَالَ وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إِلَّا مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَطْ يَحْلِفُ عِنْدَهُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَهُوَ كَالنَّاكِلِ عَنِ الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ فِي أَيْمَانِ
الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إِلَى مَكَّةَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ عَمَلِهَا فَيَحْلِفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيَحْلِفُ
فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ مِنْ عَمَلِهَا فَيَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْيَمِينِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ وَعِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- بِالْمَدِينَةِ نَحْوُ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرَى الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ وَلَا
بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ إِلَّا فِي عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا
وَذَكَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ القداح عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبْصَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَقَالَ أَعَلَى دَمٍ قِيلَ لَا فَقَالَ عَلَى عَظِيمٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ قَالُوا لَا قَالَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ
هَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ (يَتَهَاوَنُ النَّاسُ)
وَرَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَا فِيهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَبْهَأَ
النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ
وَمَعْنَى يَبْهَأُ يَأْنَسُ النَّاسُ بِهِ يُقَالُ بَهَأْتُ بِهِ أَيْ أَنِسْتُ بِهِ
قَالَ وَمِنْبَرُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي التَّعْظِيمِ مِثْلُ ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ
عَلَى مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ تَعْظِيمًا لَهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَلَفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ رَجُلٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَافْتَدَى مِنْهَا وَقَالَ أَخَافُ أَنْ
يُوَافِقَ قَدَرٌ بَلَاءً فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فِي قَدِيمٍ وَلَا
حَدِيثٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ الْبُلْدَانُ - قِيَاسًا
عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ عَابَ قَوْلَنَا هَذَا عَائِبٌ تَرَكَ فِيهِ مَوْضِعَ حُجَّتِنَا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ بَعْدَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَزَعَمَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ لَا يَرَى
الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّا رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ وَخَالَفْنَاهُ إِلَى قَوْلِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِغَيْرِ
حُجَّةٍ
قَالَ وَهَذَا مَرْوَانُ يَقُولُ لِزَيْدٍ - وَهُوَ عِنْدَهُ أَحْظَى أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرْفَعُهُمْ لَدَيْهِ مَنْزِلَةً -
(لَا وَاللَّهِ إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ)
قَالَ فَمَا مَنَعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَقٌّ أَنْ يَقُولَ لِمَرْوَانَ مَا
هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَقَدْ قَالَ لَهُ أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَمَا هَذَا
فَقَالَ فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ
أَيْدِي النَّاسِ فَإِذَا كَانَ مَرْوَانُ لَا يُنْكِرُ عَلَى زَيْدٍ هَذَا فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُلْزِمَهُ
الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ! لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَيْنِ مَرْوَانَ وَآثَرِهِمْ عِنْدَهُ
وَلَكِنَّ زَيْدًا عَلِمَ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ مَرْوَانُ حَقٌّ وَكَرِهَ أَنْ تُصْبَرَ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي نَقَلَ الْحَدِيثَ فِيهِ كَأَنَّهُ
تَكَلَّفَ لِاجْتِمَاعِنَا عَلَى الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ ذَكَرَ
أَحَادِيثَ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْهَا الْحَدِيثُ عن المهاجر
بنابي أُمَيَّةَ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ
فِي وِثَاقٍ فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ بِهِ فَجَعَلَ قَيْسٌ يَحْلِفُ مَا قَتَلَ دَاذَوَيْهِ فَأَحْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ خَمْسِينَ
يَمِينًا عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ مَا قَتَلَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ
عَفَا عَنْهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ
وَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ مَا بَانَ بِهِ ما ذهبا
إليه هما واصحابهما
وقال بن أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ
وَالْحُقُوقِ لَا يَحْلِفُ فِيهَا عِنْدَ مِنْبَرٍ إِلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْقَسَامَةِ فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْحُقُوقِ فِيمَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْحُقُوقِ وَأَمَّا سَائِرُ
الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فِيهَا وَلَا يَحْلِفُونَ عِنْدَ مَنَابِرِهَا
واما ابو حنيفة فذكر الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالُوا لَا
يَجِبُ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ مِنْبَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ
عَلَى أَحَدٍ فِي قَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَلَا كَثِيرِهَا وَلَا فِي الدِّمَاءِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْحُكَّامَ
يُحَلِّفُونَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي مَجَالِسِهِمْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130