قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُحِيلُ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ
أَنَّهُ إِنْ أَفْلَسَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ
شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ

قَالَ (...)
 
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُحِيلُ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ
أَنَّهُ إِنْ أَفْلَسَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ
شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215
قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا
قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَتَحَمَّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ يَهْلِكُ الْمُتَحَمِّلُ أَوْ
يُفْلِسُ فَإِنَّ الَّذِي تُحُمِّلُ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ
وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ)
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي (الْمُوَطَّأِ) فِي بَابِ جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْحِوَلِ
مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَهُوَ عِنْدُ جَمَاعَةٍ مِنْ رواة (الموطا) ها هنا
وَالْحَوَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافُ الْحَمَالَةِ
وَالَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْحَوَالَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي (الْمُوَطَّأِ) إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (إِذَا
غَرَّهُ مَنْ فَلَسٍ عَلِمَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْحَمَالَةِ) وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ
عَلَيْهِ فَهِيَ حَمَالَةٌ يَرْجِعُ بِهَا إِنْ لَحِقَهُ تَوًّا
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا من الوجهين بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا عَنْ مَالِكٍ إِذَا حَالَ
غَرِيمُهُ عَنْ غَرِيمٍ لَهُ فَقَدْ بريء الْمُحِيلُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحَالُ بِإِفْلَاسٍ وَلَا مَوْتٍ إِلَّا
أَنْ يَغُرَّهُ مِنْ فَلَسٍ عَلِمَهُ مِنْ غَرِيمِهِ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ
لَمْ يَغُرَّهُ مِنْ فَلَسٍ عَلِمَهُ إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ وَإِنْ غَرَّهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ
عَلَيْهِ إِذَا أَحَالَهُ قَالَ وَهَذِهِ حَمَالَةٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ الْمُحِيلُ بِالْحَوَالَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَوْتٍ وَلَا إِفْلَاسٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَوْتٍ وَلَا إِفْلَاسٍ
وَسَوَاءٌ غَرَّهُ أَوْ لَمْ يَغُرَّهُ مِنْ فَلَسٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَبْدَأُ الْمُحِيلُ بِالْحَوَالَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ التَّوِيِّ
وَالتَّوِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ عليه مفلسا او يحلف ماله شَيْءٍ وَلَمْ تَكُنْ
لِلْمُحِيلِ بَيِّنَةٌ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هَذَا تَوِّيٌّ وَإِفْلَاسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَوِّيٌّ أَيْضًا
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ الْحَوَالَةُ لَا تُبَرِّئُ الْمُحِيلُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ بَرَاءَتَهُ فَإِنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ
بِيَدِ الْمُحِيلِ إِذَا أَحَالَهُ عَلَى مَلِيءٍ وَإِنْ أَحَالَهُ عَلَى مُفْلِسٍ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ مُفْلِسٌ فَإِنَّهُ
يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ وَأَبْرَأَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى المحيل
وروى بن الْمُبَارَكِ عَنِ الثَّوْرِيِّ إِذَا أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ فَأَفْلَسَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
الْآخَرِ إِلَّا بِمَحْضَرِهِمَا وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا رَجَعَ حَضَرُوا أَوْ لَمْ
يَحْضُرُوا
وَرَوَى الْمُعَافِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ إِذَا كَفَلَ لِمَدِينٍ رجل بمال وابراه بريء وَلَا يَرْجِعُ إِلَّا
أَنْ يُفْلِسَ الْكَبِيرُ أَوْ يَمُوتَ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ حِينَئِذٍ
وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْحَوَالَةِ لَا يَرْجِعُ إِذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ
وَقَالَ زُفَرُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ فِي الْحَوَالَةِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بمنزلة الكفالة
وقال بن أَبِي لَيْلَى يَبْرَأُ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِالْحَوَالَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَوَالَةِ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ وَالْحَمَالَةُ وَهُمَا لَفْظَتَانِ مَعْنَاهُمَا
الضَّمَانُ فَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّمَانِ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ بِحَوْلِ اللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مَلِيًّا بِالْحَقِّ لَمْ يَأْخُذِ الْكَفِيلُ الَّذِي كَفَلَ بِهِ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ
يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنَ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْحَمِيلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِغَيْرِهِ فَيَخَافُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يُخَاصِمَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ كَانَ
غَائِبًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَمِيلَ وَيَدَعَهُ
قَالَ بن الْقَاسِمِ لَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ
وَقَالَ اللَّيْثُ إِذَا كَفَلَ الْمَالَ وَعَرَّفَ مُبَلِّغَهُ جَازَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِهِ وَقَالَ إِنْ كَفَلْتُ لَكَ
بِحَقِّكَ وَلَمْ أَعْرِفِ الْحَقَّ لَمْ يُجْبَرْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا كَفَلَ
عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ مِنَ الْمَطْلُوبِ وَمِنَ الْكَفِيلِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ سَوَاءٌ وَمِنْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا لَزِمَهُ وَبَرِئَ
الْمَضْمُونُ عَنْهُ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَاحِدًا عَنِ اثنين
وهو قول بن ابي ليلى قال ابو يوسف قال بن أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْأَصْلُ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وقال بن شُبْرُمَةَ فِي الْكَفَالَةِ إِنِ اشْتَرَطَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ
صَاحِبِهِ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ أَخْذَهُ وَبَرِئَ الْآخَرُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهَا إِنْ شَاءَ جَمِيعًا
وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ عن بن شُبْرُمَةَ فِيمَنْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا أَنَّهُ يَبْرَأُ
الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ
وَقَالَ فِي رَجُلَيْنِ أَقْرَضَا رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا بِأَصْلِ الْمَالِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا كَفَلَ لَهُ عَنْ صَاحِبِهِ
وَهَذِهِ خِلَافُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ أَقْوَالُهُمْ وَمَذَاهِبُهُمْ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَهِيَ جَائِزَةٌ
عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا فِي الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَمَرَّةً ضَعَّفُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَرَّةً أَجَازَهَا عَلَى الْمَالِ
وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَفَلَ بِنَفْسِهِ إِلَى أَجَلٍ وَعَلَيْهِ مَالٌ غَرِمَ الْمَالَ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ
وَيَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنِ اشْتَرَطَ الضَّامِنُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَالَ كَانَ ذَلِكَ
لَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا كَفَلَ بالنفس ومات المطلوب بريء الْكَفِيلُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ
شَيْءٌ
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إِذَا كَفَلَ بِنَفْسٍ فِي قِصَاصٍ أَوْ جِرَاحٍ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِئْ بِهِ لَزِمَتْهُ
الدِّيَةُ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَهِيَ لَهُ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا قِصَاصَ - عَلِمْتُ - عَلَى الْكَفِيلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْحَوَالَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ
عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217
وَهَذَا هُوَ الْحَالَةُ بِعَيْنِهَا بِدَلِيلِ رِوَايَةِ يُونُسَ بن عبيد عن نافع عن بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتْبَعْهُ)
وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتْبَعْهُ وَقَوْلُهُ (إِذَا
أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أُحِيلَ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ لَمْ تَصِحَّ
الْإِحَالَةُ
وَفِي ذَلِكَ مَا يُوَضِّحُ لَكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُحِيلَ إِذَا غَرَّ
الْمُحَالَ مِنْ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُلْزِمُهُ الْحَوَالَةُ وَلَهُ رُجُوعُهُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُحَالِ
لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْمَلِيءَ فِي الْحَوَالَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ يُوجِبُ غُرْمَ الْمَالِ
وَلَا حُجَّةَ عِنْدِي لِلْكُوفِيِّينَ فِيمَا نَزَعُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ
أَوْ مَاتَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحَالِ
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَجٌ مِنْ جِهَةِ الْمُقَايَسَاتِ لَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجْهًا
وَكَذَلِكَ قَالُوا إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يُوجِبُ جَوَازَ الْحَوَالَةِ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُحِيلِ وَبَيْنَ مَنْ لَا دَيْنَ
عَلَيْهِ
وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ كَمَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَعْنَاهَا ابْتِيَاعُ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ وَمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ
لَيْسَ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّطَوُّعَ بِمَا فِي الذِّمَّةِ كَالذِّمَّةِ الَّتِي تَكُونُ عَنْ
بَدَلٍ
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا تَشْغِيبٍ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَشَغَبٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ الْحَوَالَةُ عَلَى الْمَلِيءِ لَازِمَةٌ رَضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
لِأَنَّ ابتياع الذمم كَابْتِيَاعِ الْأَعْيَانِ فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ وَالتِّجَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ
تَرَاضٍ
وَأَمَّا الْأَصْلُ فِي الضَّمَانِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يُوسُفَ 72 أَيْ كَفِيلٌ
وَحَمِيلٌ وَضَامِنٌ
وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ (نُخْرِجُهَا عَنْكَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ
إِلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَرُدَّهَا ثُمَّ يُمْسِكَ) وَذَكَرَ تمام
الحديث
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219
وَفِي إِحْلَالِهِ الْمَسْأَلَةَ لِمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً عَنْ قَوْمٍ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِ الْحَمَالَةِ لِلْمُتَحَمِّلِ
وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ تَجُوزُ لَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ كَانَ الْمَكْفُولُ
عَلَيْهِ مَلِيئًا أَوْ مُعْدَمًا وَزَعَمَ ان ذلك قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَكْفُولَ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ
إِذَا قَدَرَ عَلَى مُطَالَبَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْمَسْأَلَةَ
الْمُحَرَّمَةَ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالَ الْمُحْتَمَلِ عَنْهُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحَمَالَةِ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ فِيهِ (تَحَمَّلْتُ
حَمَالَةً) وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا قَدْرًا وَلَا مَبْلَغًا
وَمِمَّنْ أَجَازَ الْكَفَالَةَ بِالْمَجْهُولِ مِنَ المال مالك وابو حنيفة واصحابهما
وقال بن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ
وَفِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ أَبُو الْيُسْرِ هُوَ عَلَيَّ
فَصَلَّى عليه النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَجَاءَهُ مِنَ الْغَدِ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَمْسُ ثُمَّ
أَتَاهُ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْآنَ بَرُدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ)
هكذا رواه شريك عن بن عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ
وَقَدْ قَالَ رَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ فِيهِ وَقَالَ أَبُو
قَتَادَةَ دَيْنُهُ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَعَلَ مَكَانَ أَبِي الْيُسْرِ أَبَا قَتَادَةَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَبْرَأُ بِكَفَالَةِ الْكَفِيلِ حَتَّى يَقَعَ الْأَدَاءُ وَيَدُلُّ عَلَى
أَنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَفَلَ عَنْ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ
لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَقَامَ فِيهِ مَقَامَ الطَّالِبِ صَاحِبِ
أَصْلِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا كَانَتْ جِلْدَتُهُ لِتَبْرُدَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دِينَارَيْنِ وَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدَّى عَنْهُ فَتَحَمَّلَ بِهَا أَبُو قَتَادَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ رُوِيَ فِي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنْ قَضَيْتُ عَنْهُ قَالَ (نَعَمْ) فَقَضَى عَنْهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220
وَقَدْ رَوَاهُ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِي مَنْ لَا
أَتَّهِمُ أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَأَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ كُلُّهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي أَسَانِيدِهَا
وَأَلْفَاظِهَا وَتَضْعِيفِهِمْ لِبَعْضِ نَاقِلِيهَا وَأَحْسَنُهَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضًا فَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ
بِمَيِّتٍ فَقَالَ (أَعَلَيْهِ دَيْنٌ) قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ فَقَالَ (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ)
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ
مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فِعْلِيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ)
هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ضَمَانَ أَبِي قَتَادَةَ وَذَكَرَ
سَائِرَ الْحَدِيثِ
وَرَوَاهُ عَقِيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَصَرًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا (أَنَا أَوْلَى بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) إِلَى آخِرِهِ لَا
غَيْرَ