مالك عن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات
بن أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا وَإِنْ مَاتَ هُوَ

قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ (...)
 
مالك عن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات
بن أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا وَإِنْ مَاتَ هُوَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230
قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ من نحل نحلة فلم يجزها الَّذِي نَحَلَهَا حَتَّى يَكُونَ
إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ صَحَّ الْقَضَاءُ مِنَ الْخَلِيفَتَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ
وَعَلِيٍّ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِأَنْ يَحُوزَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَيَنْفَرِدَ بِهَا
دُونَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ
وَرَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَاهَا نَحَلَهَا جَادًّا
عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ
قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةُ فَإِنِّي - وَاللَّهِ - إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي لَأَنْتِ وَإِنَّ أَعَزَّ
النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي لَأَنْتِ وَإِنِّي كُنْتُ نحلتك جاد عشرين وسقا من مالي وددت
انك حزتيه وحددتيه وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مِنْ مَالِ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ قَالَتْ
هَذَا أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ قَالَ ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً قَالَتْ لَوْ كَانَ مَا
بَيْنَ كَذَا وَكَذَا لَرَدَدْتُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ
إِلَّا بِالْحِيَازَةِ لَهَا
وَمَعْنَى الْحِيَازَةِ الْقَبْضُ بِمَا يَقْبِضُ بِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْهِبَةِ
إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي هِبَةِ الْمَشَاعِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَالْهِبَةُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا أَصِفُهُ لَكَ تَصِحُّ بِالْقَوْلِ مِنَ الْوَاهِبِ وَالْقَبُولِ مِنَ الْمَوْهُوبِ
لَهُ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ وَمَا دَامَ الْوَاهِبُ حَيًّا فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا الْوَاهِبَ حَتَّى
يَقْبِضَهَا فَإِنْ قَبَضَهَا تَمَّتْ لَهُ وَصَارَتْ مِلْكًا مِنْ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى يَمُوتَ
الْوَاهِبُ بَطَلَتِ الْهِبَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهَا حِينَ وَهَبَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إِلَى أَنْ مَاتَ مَنْزِلَةَ
مَنْ أَرَادَ إِخْرَاجَ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ وَكَانَتْ
فِي يَدِهِ طُولَ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِهَا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
هَذَا حُكْمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَهُ كَانَ
لِوَرَثَتِهِ عِنْدَهُ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ بِالْمُطَالَبَةِ لَهَا حَتَّى يُسَلِّمَ إِلَيْهِمُ الْوَاهِبُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمُ الْهِبَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ
وَتَسْلِيمٍ مِنَ الْوَاهِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهِيَ بَاطِلٌ وليس الموهوب بِهِ أَنْ يُطَالِبَ
الْوَاهِبَ بِتَسْلِيمِهَا لِأَنَّهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ عِدَةً وَعَدَهُ بِهَا فَإِنْ وَفَّى حُمِدَ وَإِنْ لَمْ يُوفِ بِمَا
وَعَدَ وَلَمْ يوهب بما سلم لم يقض عليه بشيء
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ
وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وَجْهٍ لَا يَحْتَجُّ بِهِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلَيٍّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَقْبُوضَةً
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّ الْهِبَةَ إِذَا كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُوزَنُ لَمْ
يَصَحَّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَبْضِ وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ بِالْقَوْلِ
وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ وَذَلِكَ كُلُّهُ إِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ وَكَيْفَ الْقَبْضُ فِيهَا
فَقَالَ مَالِكٌ هِبَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِقَبْضِ الْجَمِيعِ وَتَصِحُّ لِلشَّرِيكِ فِي
الْمُشَاعِ إِذَا تَخَلَّ الْوَاهِبُ عَنْهَا وَأَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ وَانْفَرَدَ الشَّرِيكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ تَصِحُّ الْهِبَةُ فِي الْمُشَاعِ وَالْقَبْضُ فِيهَا
كَالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْهِبَةُ لِلْمُشَاعِ بَاطِلٌ وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مَقْبُوضَةً مَعْلُومَةً مُفْرَدَةً
كَمَا يَصِحُّ الرَّهْنُ عِنْدَهُمْ فَيُفْرَدُ الْمُرْتَهَنُ وَكَذَلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَيَقْبِضُهُ وَلَا شَرِكَةَ فِيهِ
لِغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ